انتهت ورشة المنامة وبقيت المؤامرة

منيب المصري.jpg
حجم الخط

بقلم:منيب رشيد المصري

 

انتهت ورشة المنامة بعرض خطة اقتصادية تتكون من ثلاثة فصول رئيسية ملخصها إطلاق العنان للإمكانيات الاقتصادية، من خلال تعزيز نمو القطاع الخاص…، وتمكين الشعب الفلسطيني من تعزيز خدمات الصحة والتعليم والخدمات البلدية وتنمية القوى العاملة…، وتعزيز الحكومة الفلسطينية وخلق بيئة عمل أفضل وتبادل تجاري دولي واستثمار اجنبي مباشر وبناء المؤسسات واستقلال القضاء والمسائلة والشفافية… الخ.

هذا العرض الاقتصادي أو "الصفقة" لم ولن تُغري الفلسطينيين لأنهم جميعا متفقون، مهما اختلفوا وتناحروا، على حقيقة واحدة بأن "فلسطين ليست للبيع" ولن تكون، وأن أساس القضية الوطنية الفلسطينية هو حق تاريخي وقانوني وسياسي وليس اقتصاديا ولن يكون.

انتهت ورشة المنامة في ظل رفض ومقاطعة فلسطينية رسمية وشعبية لها، من منطلق أن هذه الورشة خطوة نحو تصفية المشروع الوطني الفلسطيني، ومحاولة للقفز عن حقوقه المشروعة بموافقة رسمية من بعض الأنظمة العربية ودول الاقليم، والتي للأسف آثرت إلا أن تكون في صف الحركة الصهيونية والدخول في تطبيع رسمي علني مع دولة الاحتلال ظنا منها أن هذا قد يحمي وجودها مما تتخيل أنه خطر ايراني مزعوم.

انتهت ورشة المنامة ولكن المؤامرة لم تنته بعد، فما يسعى إليه القائمون عليها وعرابوها من العرب والعجم يتجاوز إنهاء المشروع الوطني الفلسطيني إلى السيطرة على المنطقة العربية وتسخير مواردها وإقامة "الدولة اليهودية" من النيل إلى الفرات.

نعم، الشعوب العربية قالت لا لتجاوز الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ولا للتطبيع مع دولة الاحتلال، ولا بد هنا من الثناء على موقف الحكومتين اللبنانية والكويتية في رفضها العلني لورشة المنامة، كذلك شعب الجبارين،- كما وصفه شهيدنا الزعيم الراحل ياسر عرفات -، قال لا لورشة المنامة، وتمكن أن يقف،- رغم الانقسام الحاصل في الساحة الفلسطينية -، صفا واحدا في رفض صفقة القرن واعتبارها حلا تصفويا لا يمكن له أن يمر.

صمد الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده واستطاع أن يُسقط جميع الحلول التصفوية ودفع مقابل ذلك دماء وعذابات ولا زال يدفع وسيبقى كذلك وصولا إلى تقرير المصير وحق العودة والدولة بعاصمتها القدس، ويعي تماما أن هذه الطريق ليست بسهلة ولن تكون، ويعي أيضا أن الوحدة هي الخطوة الأولى نحو الانتصار لذلك لا بد لنا العمل أولا على ترتيب البيت الداخلي؛ وأساس ذلك هو إنهاء الانقسام، وإعادة تفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع في تجديد الشرعيات.

ليس الآن وقت الخصام بل وقت التلاحم والتعاضد وتنحية أية خلافات داخلية واستجماع كل مكامن قوتنا من أجل حماية مشروعنا الوطني ومجابهة صفقة القرن بكل مفرداتها، وسفينة نجاتنا هي الوحدة وفقط الوحدة؛ من أجل تعزيز صمود المواطن الفلسطيني في مواجهة مخططات دولة الاحتلال والتي أولها هو ضم الضفة الغربية واخضاعها للقانون الإسرائيلي والبدء بالتهجير "الطوعي"، وتشديد الحصار على قطاع غزة كمقدمة لتنفيذ خطتها في إقامة "دولة فلسطينية" هناك وإنهاء المشروع الوطني الفلسطيني بـــ "كيان مَسخ"، يتجاوز حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وفق ما نصت عليه الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي.

ولا بد أيضا من العمل على إعادة الاعتبار للفعل الشعبي العربي بحكم أن الشعوب العربية هي المخزون الاستراتيجي الاهم في مواجهة "صفقة القرن" وفي الوقوف في وجهة المشروع الصهيوني الهادف إلى تدمير المنطقة العربية وبناء "الدولة اليهودية" على أنقاضها، وتحويل الشعوب العربية إلى مجرد عبيد وخدم لديها ليس أكثر. نحن بحاجة إلى إعادة استنهاض العمل الجمعي المشترك، نحن بحاجة إلى تغليب المصالح العامة على المصالح الفردية والفئوية، نحن بحاجة إلى إعادة روح التكافل بين الفلسطينيين أفرادا وجماعات، إعادة ثقافة المقاومة، والاهم إعادة مفهوم أننا جميعا في خندق واحد، وسفينة نجاتنا الوحدة.

بدأت وانتهت ورشة المنامة، ومن مهازل القدر أنها أعادت طرح القضية الفلسطينية على أولى أولويات الاجندات الدولية، وأعادت تذكير العالم بأن الشعب الفلسطيني رغم النكسات لن يحني قامته ولن يتنازل عن كرامته ولن يتخلى عن صموده وعن أمله في العودة واقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس، فنحن كما قال عنا شاعرنا الراحل توفيق زياد:

مثلما كنت ستبقى يا وطن

حاضراً في كل جرحٍ

وشظيّة

في صدور الثائرين الصامدين

حاضراً في صور القتلى

وعزم الشهداء

في تباشير الصباح

وأناشيد الكفاح

حاضراً في كل ميدانٍ وساح

والغد الطالع ..