معادلة الدلف والمزراب !!

حمدي فراج.PNG
حجم الخط

بقلم: حمدي فراج

 

بعد نحو ثلاثين عاما من العلاقات المباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين ، ومؤتمرات دولية في مدريد واوسلو وواشنطن وباريس، واقليمية في القاهرة وعمان وطابا وشرم الشيخ والعقبة، واعترافات متبادلة بين كيانهم ومنظمتنا، واجتماعات ولقاءات في بيوتهم وبيوتنا، وتبادل اطعمتهم واطعمتنا "عيش وملح"، وتبادل تقديم التهاني بأعيادهم واعيادنا القومية والدينية، والتعازي بأمواتهم وامواتنا. بعد ثلاثين سنة، عادت الامور الى مربعها العدائي الاول، ليس فقط منذ احتلال عام 67 الذي يحبون ان يطلقوا عليه "تحرير يهودا والسامرة" وتوحيد "اورشليم" "عاصمتهم الابدية"، ونحب ان نطلق عليه "نكستنا"، بل منذ تاريخ قيام دولتهم الذي يحبون ان يطلقوا عليه يوم استقلالهم على انقاض ما نحب ان نطلق عليه يوم "نكبتنا" .

اليوم ، وبعد مضي هذه العقود الثلاثة ، تكاد الامور تصل الى خط النهاية، الى حائط الصد الاخير، بعد قشة هدم منازل وادي الحمص التي قصمت ظهر البعير، وهي ليست "قشة" عادية على ما يبدو، فلقد هدموا اضعاف هذا العدد من المنازل بالمفرق، وقتلوا في آخر هبة ما يزيد على ثلاثمائة فلسطيني معظمهم من الاطفال، اتهم بعضهم بسكاكين الفواكه، والعشرات منهم قتلوا بالشبهة ، بمن فيهم يهود، او في حوادث سير بدعوى الدهس المتعمد، وفي غزة قتلوا مثل هذا العدد في مسيرات سلمية، اما عن الاعتقالات، فحدث ولا حرج، المئات اعتقلوا تحت بند الحبس الاداري، حتى وصل الأمر بالمعتقلين اللجوء الى الاضراب المفتوح عن الطعام فرادى، لأيام واسابيع وأشهر.

اما في الاقتصاد ، فقد توجت المسألة من "سنغافورة الشرق" و"النمر الاقتصادي" الى السطو على اموال المقاصة .

في خضم الطريق الى الحائط الاخير ، ازدادت بالطبع الكراهية والعداء ، اكثر بكثير مما كانت عليه الحال قبل السلام ، وسبحان الله مغير الاحوال ، ازداد الحب الاسرائيلي "للعرب" ، وازداد الحب "العربي" للاسرائيليين ، والزيارات المتبادلة اصبحت أكثر من ان نستطيع رصدها ، وانتهت تقريبا احزاب اليسار وقوى السلام من اوساط المجتمع الاسرائيلي، حتى ان حزب العمل "المعراخ" بالكاد في الانتخابات الاخيرة استطاع ان يتجاوز نسبة الحسم، وهو ليس يسارا وليس سلاميا، ما اضطره الى الانحراف نحو اليمين حين شكل بيريس مع شارون حزب كاديما، الذي سرعان ما خبا وارسى بقية سفنه في موانيء اليمين .

مطلوب اليوم فلسطينيا، ونحن نقرأ في الاسباب الحقيقية لوصول هذا السلام الى حائط السد الاخير، قراءة علمية فكرية تاريخية لأبجديات هذا الصراع ومآلات حله، او تذليله، عدم قصر القراءة على التشخيص النظري، بل ايجاد مقدمات لطرائق الانتصار، بعد كل هذا الانكسار ، وسيكون من الصعب تحقيق ذلك ونحن ما زلنا نخلط "نلتبس" بين معسكر اصدقائنا ومعسكر اعدائنا.

ان عدم معرفتنا عدونا من صديقنا ، بدون أدنى شك سينقلنا من الدلف الى المزراب ثلاثين سنة أخرى .