ما زالت «حماس» تلعب بالنار

Rajab-Abusirriyeh
حجم الخط

رد فعل حركة حماس المنفعل، على ما سمي بعملية اختطاف المواطنين الأربعة، في سيناء الأسبوع الماضي، يكشف بعضاً من الحقائق الخافية على الرأي العام، وبعضا من الغموض الذي أحاط بتلك الواقعة، والذي ما زالت الأطراف ذات العلاقة تحرص، كل منها على الإبقاء عليه، حتى تستمر في إدارة اللعبة في الخفاء، وعض الأصابع بعيدا عن الرأي العام، لأنه حتى اللحظة على الأقل، لا يبدو أن أحدا من تلك الأطراف يسعى إلى التصعيد، وإعلان مواجهة صريحة، أو تكسير أدوات اللعبة، بحيث تصبح العودة إلى سابق العهد في العلاقة التي لا احد يعرف _ بالضبط شكلها، وان كانت حسنة أو سيئة، لا تلك التي بين مصر وحماس، ولا التي بين حماس وجماعة أنصار بيت المقدس، أو السلفية الجهادية في غزة، التي أعلنت داعشيتها وولاءها لتنظيم الدولة الإسلامية _ مستحيلة.
في بيان لها، ذكرت حماس بأن المواطنين الأربعة، تعرضوا للغدر والخداع، لا لسبب إلا لأنهم من قطاع غزة، وهم من خيرة أبناء الشعب الفلسطيني، بهذا النص تناقض حماس نفسها، وتكشف بعضا من الغموض _ كما أسلفنا _ فهي تصفهم بأنهم من خيرة أبناء الشعب الفلسطيني، أي أن اختطافهم لم يكن _ فقط _ لأنهم من قطاع غزة، ومثل هذا الوصف ( من خيرة أبناء الشعب الفلسطيني ) يعني بالقطع بأنهم أعضاء في حركة حماس، بل إنهم قسّاميون، بما يرجح التقديرات التي تشير إلى أنهم « كوماندوز بحري «، كانوا في طريقهم للتدريب في إيران!
وما يرجح هذا الاعتقاد، هو ما طالب به النائب الحمساوي في المجلس التشريعي، مشير المصري كتائب القسّام من استعادة هؤلاء العناصر الأربعة، وهذا يعني توقف حماس عن طرق الأبواب الدبلوماسية مع مصر، ومحاولة إعادتهم لغزة بالقوة العسكرية أو الأمنية، أي دون التنسيق مع مصر، لا بالمعنى السياسي / الدبلوماسي ولا الأمني ! 
وهذا بغض النظر عن القطع بتحديد الجهة الخاطفة، والتي لا يمكن أن تتجاوز احد خيارين، مع وجود خيار ثالث ضعيف جدا، هذا الخيار الضعيف، هو أن يكون الأمر كله مفبركا، لكن هذا لا تتجاوز نسبته 5% ذلك أن حماس أعلنت عن أسماء ونشرت صور الشبان الأربعة، فيما استقبل إسماعيل هنية عائلاتهم، كذلك فأن السلطات المصرية لم تنف نبأ الاختطاف، كما أنها لم تنف بشكل قاطع معرفتها بمكان وجودهم أو الجهة التي اختطفتهم أو اعتقلتهم أو تحفّظت عليهم، بما يعني أنهم إما بيد قوات الأمن المصرية أو بيد أنصار بيت المقدس، المنتشرين في سيناء، خاصة في الشريط الساحلي القريب من الحدود مع غزة.
حماس لأنها تظن بان عناصرها، هم على الأرجح بيد أجهزة الأمن المصرية، لذا هي تحمل _ رسميا _ مصر المسؤولية عن حياتهم، وتطالبها بالعمل على إعادتهم لغزة، وهي لا تريد أن تقول صراحة بان أجهزة الأمن اعتقلتهم، حتى لا تعلن بذلك الحرب علنا بينها وبين مصر.  وهي بهذا النص، أي حين تحمّل مصر المسؤولية عن حياتهم، وضرورة إعادتهم لغزة، تعرف بأنهم لو كانوا بيد أنصار بيت المقدس، لما تمكنت أجهزة الأمن المصرية من «تحريرهم» أحياء، ذلك أن الإرهاب في سيناء يطال عناصر الجيش المصري، لذا فمن غير المعقول أن تنجح مصر في حماية عناصر غيرها أكثر من قدرتها على حماية عناصر جيشها وأمنها.
الأهم من كل هذا، هو ما تضمنته بعض التقارير التي تشير إلى أن أسماء العناصر الأربعة لم تكن أصلا ضمن قوائم الترحيل، التي عادة ما تكون بعلم السفارة الفلسطينية بالقاهرة، التي تتابعهم حتى تتم مغادرتهم عادة من المطار إلى حيث الدول التي يتوجهون إليها .
وهذا يفسر، لم اضطرت أجهزة الأمن المصرية _ هذا على فرض ترجيح احتمال أن الأمن المصري هو الجهة التي اعتقلتهم _ الى اعتقالهم، خارج بوابة المعبر, أي بعد دخولهم الأراضي المصرية، ولم لم تقم برفض دخولهم أصلا، لأن أسماءهم على الأغلب هي من ضمن قوائم الممنوعين من السفر.
في نفس الوقت، لم تتردد مصر في رفض دخول قادة حماس، ضمن تلك الفتحة من المعبر، لمتابعة السفر للدوحة، وهذا يعني أن هؤلاء الأربعة إما كانوا عناصر سرية، أي غير معروفة، وبالتالي مرّوا، من البوابة بشكل طبيعي أو _ ربما بشكل لولبي، أي برشوة أو ما شابه _ لكن الكشف عن شخصياتهم تم لاحقا، بحيث اضطر الأمن المصري إلى أن يعترض طريق الحافلة التي تقلهم، وهذا ما يرجحه القول بأنهم أدعوا عدم معرفتهم بعضهم لبعض، أي أنهم سعوا جاهدين لإخفاء هوياتهم!
لذا فإن هنالك سؤالا لا بد من طرحه حول وجهتم، فإذا كانت مصر، فلم، وماذا كانوا ينوون فعله؟، أما إن كانت بلدا آخر، فمن هو، إيران أم سواها؟ وفي كل الأحوال، إذا ما تأكد أن هؤلاء كوماندوز بحري، حتى لو كانوا فقط عابرين للأراضي المصرية فإن ذلك يعني، بان حماس ما زالت «تستغفل» الأمن المصري، وتعمل وفق المثل الذي يقول «لفتك ما لفتك» وأنها ما زالت تلعب بالنار مع الجارة التي تواجه مشكلة أمنية بالغة في سيناء، لا تحتمل معها أي توتر أضافي، بما يزيد من قوة المطالبين في مصر بإغلاق المعبر نهائيا، أو على الأقل، بعدم التشجع لفتحه، إلا في الضرورات القصوى، وكل فترة وفترة، بينهما فاصل طويل من الوقت، وانه لا حل لحماس، إلا الحل نفسه، أي أن تحل عن غزة وعن الفلسطينيين ومصر والعرب، وان تغادر حكم غزة والتحكم بها، مرة واحدة ودفعة واحدة، والى الأبد، فقد كرهها الحجر وماء البحر قبل الشجر والناس وطوب الأرض بأسره!