عندما يصبح الوطن مجرد حلم موصول بالأمل البعيد عن الإنسان ، فأعلم حينها بأنه لا معنى للانتظار ولا للمكان أو الزمان ، لأن بركان المجافاة ما بين الوطن والإنسان لن يشعله تنور الشوق الحالم مهما كان الحلم كبيراً ، فالحلم يجب أن يكون مصحوباً بالأمل الذي يرتكز على واقع تتهيأ له كافة الظروف والعوامل من أجل الوصول إلى نقطة الاقتراب لا الاغتراب ، التي تقصر المسافات ما بين الانسان ووطنه لتجسيد اللقاء المعتق بالحلم والأمل معاً ، حتى يتم كسر حاجز المجافاة والبعد والاغتراب ، من أجل أن يلتقي الانسان بوطنه كما يلتقي العاشق بمعشوقه بعد طول المجافاة والبعاد، ليجسدا معاً المعنى الحقيقي والمضمون الأزلي للاقتراب لا الاغتراب.
الواقع النفسي للإنسان الفلسطيني أصبح في انعزال وانسلاخ تام عن الفكرة الإنسانية التي تجعله مرتبطاً بوطنه على كافة الصعد والمستويات، بسبب عوامل كثيرة أثرت في الانسان الفلسطيني، وجعلته ينتابه الشعور بعدم المبالاة والاهتمام والاكثرات في هموم وتفاصيل وطنه الحقيقية التي تقربه من حلم الحرية والاستقلال ودحر المحتل، على طريق إقامة دولته المستقلة.
من أهم العوامل التي أثرت في الانسان الفلسطيني ، والتي قد محت مفهوم القادم أفضل ومضمون الغد أجمل هو الانقسام السياسي الذي خلق حالة رهيبة من المجافاة والابتعاد بين الوطن والمواطن ، وجعلتهما في حالة انفكاك وانعزال لا يمكن مداواتها إلا من خلال القناعة التامة والمطلقة بأن هناك انسان يحتاج لوطن عنوانه الاستقرار والطمأنينة والأمان ، وأن هناك وطن بحاجة إلى انسان قادراُ على احتضانه وتحمل كل همومه وأوجاعه والدفاع عن عدالة قضاياه طال أم قصر الزمان ، فلا لا قيمة للمكان ولا الزمان مادام الوطن والانسان أصبحا قطبان متنافران لا يلتقيان.!