حول بعض قضايا منظومة حماية المستهلك

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

صلاح هنية

فجأة ودون سابق إنذار يرتفع الصوت ليحسم النقاش «ينتهي دورنا في الجهات الرقابية الحكومية بتحويل ملف المخالف الى القضاء».
وتستمر الحكاية حيث تكرر منذ عام ان مادة العقوبات في قانون حماية المستهلك الفلسطيني التي جرى تعديلها لتصبح أكثر ردعاً باتت معتمدة لتكيف قضايا اختراق حقوق المستهلك والغش التجاري في القضاء، الا أن هذا لم يصبح معتمداً بشكل واضح بحيث يسبب ردعاً حقيقياً، وهذا الموضوع هو موضوع ضغط وتأثير من قبل ائتلاف جمعيات حماية المستهلك الفلسطيني، وقبل ذلك منذ أسست جمعيات حماية المستهلك في العام 2010، ومنذ انطلقت فكرة حماية المستهلك دون جمعيات في العام 1999.
وبجرّة قلم أراد البعض تسطيح القرار بقانون لمكافحة وحظر منتجات المستوطنات، فبات الحديث عن مستوطنات غير مشمولة لتعبيرات في القانون، وتارة يقال لا يوجد لدينا قائمة ثابتة بمنتجات المستوطنات نتيجة لتفنن المستوطنات بتغيير الأسماء وعناوين مكان الإنتاج جميعها خارج المستوطنات، وبات ملحاً لهم تحديث القائمة «ولكن كيف وهل يوجد أمكانية؟!!!!» هذا السؤال الذي يحمل صفة الاستحالة طرح بقوة ليضعف الهمم!!!!
ترى عن أي منظومة حماية مستهلك نتحدث في فلسطين في الوقت الذي ينظر فيه لجمعيات حماية المستهلك انها زائدة دودية «وتلك ليست رؤية الوزراء ولا مجلس الوزراء»، للأسف تلك ممارسات مصلحية ذاتية لموظفين يرون ان تلك الجمعيات تتابع كل القضايا وتكشف قصوراً سابقاً في تمتين المنظومة وسببها بعض من هم دون الوزراء الذين لا يتابعون، وعندما نطرح في الجمعيات المواضيع للمساءلة الجدية تخرج المبررات المكررة والتي لا تسعف بالمطلق « لا يوجد مركبات كافية لنتحرك بالسرعة المطلوبة» و» تابعنا الشكوى وليس بالضرورة ان نعود بالنتيجة للجمعيات ولا للمواطن» و»خطوط شكاوى وليس بالضرورة كيف تتابع تلك الشكاوى» .
عندما تناقش جمعيات حماية المستهلك مسائل حيوية مثل قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يذهبون صوب «منافسة غير عادلة من الشرائح الإسرائيلية الخلوية وها نحن نحاربها ونمنعها» و» ابراج الشركات الإسرائيلية في المستوطنات على الارض الفلسطينية وهذه معركة جديدة « و»خسائر فادحة لقطاع الاتصالات بشكل كبير جراء عدم السيطرة في المناطق المسمى قسراً «ج»، واذا أصررنا كما نفعل في جمعية حماية المستهلك في محافظة رام الله والبيرة على جوهر حقوق المستهلك في قطاع الاتصالات، تظل الامور تدور في ذات الدائرة، صحيح أن هناك قرارات وزارية بخصوص بعض قضايا الاتصالات، الا أن تفعيل متابعتها لا زال ضعيفاً، وينسحب الامر على آلية تلقي الشكاوى في الوزارة التي تعتبر مشرفاً ومنظماً في غياب هيئة تنظيم قطاع الاتصالات.
وحتى أكون أكثر وضوحاً كنت مبادراً في العام 2000 لمحاربة المنافسة غير العادلة للشرائح الإسرائيلية للشركات الفلسطينية، وشكلنا مجموعة ضغط لهذه الفكرة في الوقت الذي لم يكن هناك من يتبنى هذا التوجه ولم تكن ممنوعة الشرائح، ونظمنا في إطار «الراصد الاقتصادي» عشرات الاجتماعات الشعبية الواسعة في بيت ساحور ورام الله ونابلس وقلقيلية وطولكرم وجنين لمنع منافسة غير عادلة والتوعية بأهمية قطاع الاتصالات، وخلال هذه الاجتماعات كانت تطرح قضايا الأسعار وغيرها، ولكن لم تكن أسعار الاتصالات الإسرائيلية آن ذاك منافسة بالمطلق، بل كانت مرتفعة ولكنها كانت أقوى بثاً من الخلوية الفلسطينية لأنها منتشرة ومسيطرة، ولم تكن تقوية البث مسموحة للشركة الفلسطينية آنذاك.
واضح أن آلية حماية حقوق المستهلك باتت أقل حضوراً في ملف إشهار الأسعار وأوزان وأحجام الخبز ومعايرة عدادات محطات الوقود والموازين، ووزن أسطوانة الغاز، وحجم الغاز المضخوخ في التنكات، والالتزام بالأسعار ومقارنة الوزن المعلن على العبوات للسع المختلفة، والوزن الحقيقي للعبوة، وقد وقع هذا التناقض في السوق.
لا بد من الاشادة بالدور المهم الذي تلعبه الضابطة الجمركية في ضبط وتنظيم السوق، بحيث تضبط السلع والبضائع وتحولها الى وزارة الاختصاص للرأي الفني، وكثير من الوزارات باتت تتحسس لأنها تريد أن تعلن الضبط، والدور المتمم والمهم للإدارة العامة للجمارك في وزارة المالية التي تتابع التهرب الضريبي وضبط التلاعب في البيان الجمركي، وهذا يجب ان ينعكس على أسعار المستهلك.
منظومة حماية المستهلك الفلسطيني بحاجة الى إعادة نظر من قبل حكومة تمتلك رؤية مختلفة للامر، نعرفها من خلال معرفتنا بمكونات الحكومة قبل توليهم مناصبهم، الا أن تحركهم بهذا الاتجاه ما زال لا يتوازى مع قناعاتهم، ولعل القضايا التي نركز عليها:
•    ليس بالضرورة ان تتناقض حماية حقوق المستهلك مع مصالح القطاع الخاص الفلسطيني، بل أثبتنا بالعكس ان حماية حقوق الغلابا هي تصب في مصالح القطاع الخاص، وهذا ما أثبتناه عملياً خلال مسيرتنا في حماية حقوق المستهلك، إذ لا يوجد تناقض بين حقوق المستهلك والتنمية الصناعية، وبينها وبين تشييد المناطق الصناعية وتطويرها، ولا بين حقوق المستهلك وبين تطوير التجارة وزيادة نسبة التصدير، ومن هو الذي يزرع هذه التناقضات غير الموجودة ولأي مصلحة يقود البلد.
•    بات مملاً تكرار الحديث عن تفعيل الرقابة وضبط الأسواق، لأننا منذ زمن طويل نكرر هذا الحديث ونتلقى الوعود، فنقطبها من جهة لتُخرق من جهة أخرى.
•    عدم اعلان أسماء المتورطين بقضايا الأغذية الفاسدة والغش التجاري وتزوير المكونات.
•    لا يوجد تناقض بين دعم وتشجيع المنتجات الفلسطينية ذات الجودة وحماية حقوق المستهلك، لأن جوهر الحماية تقديم البديل الصحي وذي الجودة العالية، ومحاربة المنتجات التي يعلن عنها يومياً من قبل مصادر إسرائيلية مكلفة بالرقابة أنها ممنوعة لأنها تحوي مواد حافظة ومضافة فوق الحد المتاح، ويعتبر هذا دورا من أدوار حماية المستهلك.
•    يجب إعادة النظر في آلية عمل المجالس المشتركة كافة التي جرى تشكيلها بحكم القانون، والتي تجمع الوزارات والقطاع الخاص والجمعيات والتي غالباً لا تُفضي لنتيجة، لأن كل ممثل وزارة يشد الأمور لناحيته والحفاظ على المساحة التي يراقب عليها، وفي كل مجلس من المجالس نعيد ذات المواضيع «منع الشرائح الإسرائيلية» «الاستيراد غير المنظم وهو جوهر تسريب حلوبات الأطفال المتعددة والتي لا نسيطر عليها « «متطلبات إضافية لموظفي الوزارات الذين يراقبون».
•    عدم منح الأهمية الكافية للقطاع الزراعي في مجال حماية المستهلك ودعم المنتجات الفلسطينية الزراعية من بقية الوزارات لصالح وزارة الزراعة واتحادات الفلاحين والمزارعين، ونحن الآن ندخل موسم التمور وموسم الزيتون، وقريبا سندخل نفق كوتا استيراد الخراف، وقريبا سنذهب صوب تنظيم دخول بعض الثروة الحيوانية والمحاصيل الزراعية من السوق الإسرائيلي.
•    لا زلنا حكوميا نسير بحذر شديد وكأنه سير بحقل الغام صوب تعزيز المنافسة ومنع الاحتكار، رغم انها من صميم حماية حقوق المستهلك ولكن لا جديد، وبالتالي خضنا في الجمعيات هذا الملف من أجل تجاوز الضعف فيه.