حقوق شعبنا الوطنية ليست للمساومة ومن المستحيل إلغاؤها

حجم الخط

بقلم: فيصل أبو خضرا

 

عضو المجلس الوطني الفلسطيني

مع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية، في السابع عشر من أيلول الجاري، تنافس زعماء مختلف الأحزاب الصهيونية في حملاتهم الانتخابية بإطلاق تصريحات ومواقف عدائية ضد شعبنا الفلسطيني وحقوقه الوطنية المشروعة، بما في ذلك التحريض السافر ضد أهلنا في الداخل الفلسطيني، مع ما يرافق ذلك من عدوان متواصل على الأرض بسرقة الأراضي وبناء المزيد من المستعمرات وتنفيذ مخططات تهويد القدس والمساس بالمقدسات الإسلامية والمسيحية، وفي مقدمتها الأقصى وحملات المداهمة والاعتقال وهدم المنازل في مختلف أنحاء الأراضي المحتلة، والأخطر قيام قوات الاحتلال بممارسة القتل والإصابة بدم بارد للمدنيين المشاركين في المسيرات السلمية الأسبوعية في الضفة الغربية وقطاع غزة من أطفال ونساء وشيوخ وصحفيين ومسعفين ... الخ من ممارسات الاحتلال ومستعمريه التي يندى لها جبين الإنسانية. لكل هؤلاء الصهاينة، وبالتسميات التي يحلو لهم إطلاقها على أنفسهم من يمين ووسط ويسار، الذين يفاخرون بالرقص على الدم الفلسطيني، نقول إنه من المستحيل الغاء الحقوق الوطنية لشعبنا الفلسطيني، ثم الاستعمار البريطاني وأخيرا الاستعمار الصهيوني منذ ٧٢ عاما، بهذه الإرادة الصلبة والعزيمة التي لا تلين، وبهذا الإنتماء الراسخ وعبر هذه التضحيات الجسام، ولن تستطيع قوة في الأرض مهما بلغ جبروتها ان تشطب فلسطين وشعبها من خريطة هذا العالم.

لقد بلغ تعداد الشعب الفلسطيني داخل الوطن وفي الشتات ما يزيد على ١٥ مليون نسمة، وفق أحدث الإحصائيات، بينهم حوالي سبعة ملايين نسمة في الاراضي المحتلة منذ عام ١٩٦٧ وفي الداخل الفلسطيني -أراضي عام ١٩٤٨.

وهنا نقول ان كافة أبناء شعبنا في الوطن والشتات، وخاصة أولئك الذين يكتوون مباشرة بنيران الاحتلال في الأراضي المحتلة بكل تقسيماتها، لديهم من الصبر والعزيمة والإصرار ما يكفي لانتزاع الحرية من هذا الاحتلال الإسرائيلي الغاشم وحكوماته المتعاقبة، التي حاولت ولا زالت تحاول الهروب من الواقع ومن استحقاقات تحقيق سلام عادل ودائم، وتتجاهل حقيقة تمسك شعبنا بأرضه وأرض اجداده وكافة حقوقه، وان أبناء هذا الشعب يقولون بصوت عال ما قاله شاعرنا الكبير المرحوم توفيق زيّاد : " هنا باقون .. كأننا عشرون مستحيل .. في اللد والرملة والجليل .. هنا.. على صدوركم، باقون كالجدار.. وفي حلوقكم كقطعة الزجاج، كالصبار".

وإزاء هذا الإصرار وهذه العزيمة وهذا الإجماع العالمي على نصرة ودعم المطالب العادلة لشعبنا في الحرية والاستقلال، لن تجدي نفعاً كل ممارسات الاحتلال وغطرسته وجبروته، ولا دعم ترامب وشلته الصهيونية لهذا المحتل و محاولاته البائسة لشطب قضية شعبنا الوطنية وحقوقه.

وعلى هذا الاحتلال وهذه الإدارة الأميركية الداعمة له ان يتذكرا ان شعبنا سطر صفحات مشرقة في تاريخه النضالي الطويل، صمودا وبناء وإنجازا، ويكفي ان نذكرهما بما أثبته أهل القدس من مسلمين ومسيحيين وهم يدافعون بصدور عارية عن أراضيهم وممتلكاتهم ومقدساتهم، وفي مقدمتها المسجد الاقصى وكنيسة القيامة، او نذكرهما بيوم الأرض الخالد عندما هبت كل جماهير شعبنا في الداخل الفلسطيني عام 1976 دفاعا عن اراضيها وحقوقها رغم كل جبروت اسرائيل وعنصريتها ومحاولاتها على مدى عقود من طمس الهوية الفلسطينية سواء في القدس او الداخل الفلسطيني، وربما تذكيرهما ايضا بالانتفاضتين الأولى والثانية.

لذلك، نقول ان على هذا المحتل إن عاجلا أو آجلاً ان يعيد النظر في مجمل سياساته ومواقفه وان يدرك ان السلام والأمن لا يمكن ان يتحققا الا إذا اعترف بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وخضع الى إرادة المجتمع الدولي وقراراته وقوانينه التي تعترف بدولة فلسطين وحق شعبها في الحرية والاستقلال.

إن اهلنا في الداخل الفلسطيني متمسكون بانتمائهم الفلسطيني وبعروبتهم واراضيهم وأملاكهم وحقوقهم بالرغم من الاغراءات اليهودية الصهيونية، وبالرغم من عقود طويلة من سياسات القهر والتمييز العنصري والتحريض ضدهم .

لذلك علينا كفلسطينيين وعرب ومسلمين دعم أهلنا في الداخل الفلسطيني في مدنهم وقراهم بكل ما نستطيع، وتكثيف الوجود العربي فيها، في مواجهة مخططات التهويد والترحيل. وبالمناسبة فإن اهلنا في الداخل الفلسطيني لا يطلبون أي دعم مالي بل فقط الاستثمار في المدن العربية.

وهنا اريد ان أروي ما سمعته مؤخرا من احد كبار المحامين الفلسطينيين في الداخل، وهو الأخ المحامي نايف سهيل زيدان، اذ روى لي حادثة تخرجه من إحدى الجامعات الإسرائيلية ، حيث اشترطوا عليه بان يحلف اليمين الذي ينص على أن اسرائيل دولة يهودية القومية وديمقراطية، وقد رفض حلف هذا اليمين ، مما أحرج استاذه اليهودي، الذي سأله عن السبب ، وكان لدى هذا المحامي القدرة والشجاعة كي يقول لأستاذه الآتي: اولا، كيف تريدني ان أعترف بدولة ليس لها حدود؟ وثانيا كيف تريدني ان اعترف بانها ديمقراطية وشعارها يهودية القومية، مما يجعل القاضي يفرق باحكامه بين اليهودي، وغير اليهودي؟ ولم يستطع استاذه أن يرد على هذه التساؤلات الجوهرية، وقد تخرج من تلك الجامعة بدون حلف صيغة ذلك اليمين الجائر.

وتأكيداً على ما قاله سمعنا بأن نتنياهو وشلته في حكومته المتطرفة التي تدوس على كل القيم الانسانية ، قد صادقوا بالإجماع على مشروع قانون وضع الكاميرات في غرف صناديق الاقتراع يوم الانتخابات بحجة عدم التزوير، والمستهدف هم الجماهير العربية في الداخل الفلسطيني، وقد وقف ضد هذا القانون المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، ابيحاي مندلبليت. والسؤال هنا، كيف يدعي نتنياهو أن إسرائيل هي الوحيدة بالشرق الاوسط التي تُمارس الديمقراطية، بينما تستهدف بقوانينها العنصرية وتحريضها فلسطينيي الداخل الذين يشكلون ما لا يقل عن 20٪ من سكانها؟ فعلاً انها احدى مهازل نتنياهو الذي اثبت للقاصي والداني مدى تطرفه ضد المواطنين العرب ومدى عنصريته ومدى استعداده للتحريض السافر ضد هؤلاء المواطنين الذين يفترض ان يتمتعوا بحقوق متساوية لو كانت اسرائيل فعلا دولة ديمقراطية.

لقد قال اسحق رابين رئيس وزراء اسرائيل الأسبق في التسعينيات: كفى دماء، لانه لا يمكن ان نعيش الى الأبد في هذا المحيط العربي ونحن في حالة حرب او كراهية من الجانب الفلسطيني او المحيط العربي. وهذه السياسة من اسحق رابين لم تعجب اليمين اليهودي الصهيوني المتطرف، لذلك قام يغآل عامير، أحد المتطرفين الصهاينة باغتياله، وسط حملة تحريض شرسة من اليمين المتطرف بما في ذلك من نتنياهو نفسه. والغريب بأن هذا القاتل يعيش في سجنه كبطل قومي بامتياز، وسمح له بالزواج، لدرجة ان اليمين الاسرائيلي يطالب بإطلاق سراحه.

لقد قامت منظمة التحرير الفلسطينية بخطوة شجاعة في العام 1993 بالموافقة على تقاسم فلسطين التاريخية لوقف دوامة الحروب وسفك الدماء، وتحقيق السلام في المنطقة حسب القرارات الدولية والتي وقعت عليها امريكا واسرائيل، مقابل الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني والاستعداد الإسرائيلي لانهاء الاحتلال وحل القضايا الجوهرية للصراع. والان يتجرأ جاريد كوشنر، مستشار ترامب، على القول بأن على الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي ان يتنازلا كي ننهي هذا الصراع، وينسى تنازل المنظمة عن ٧٨ بالمائة من فلسطين التاريخية وقبولها بقرارات الشرعية الدولية شريطة حل قضايا اللاجئين والقدس والمستوطنات والحدود بموجب هذه القرارات، والتي وقعت عليها امريكا واسرائيل، وهي تنازلات مؤلمة وأقصى ما يمكن تقديمه لتحقيق السلام.

واليوم فإن هذا اليمين الاسرائيلي المتطرف، المدعوم من رئيس أمريكي جاهل سياسيا وداعم رئيسي لبنيامين نتنياهو ، يجعل المحيط العربي والاقليمي في حالة عدم استقرار دائم مما يؤثر تأثيرا مباشرا على السلام العالمي. اي ان العناد الاسرائيلي ودعم ترامب الجاهل يبعد السلام والاستقرار. وبهذه المواقف والممارسات الإسرائيلية والأميركية لا يمكن صنع سلام قائم على العدل والمساواة بين شعبنا الذي يعيش على هذه الأرض منذ الاف السنين ودولة الاحتلال التي ترفض جميع القرارات الدولية الخاصة بالصراع، والتي أقرتها الغالبية الساحقة من دول العالم، التي لا تعترف بشرعية المستعمرات في الأراضي المحتلة، وتؤيد حق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة على كامل الأراضي المحتلة منذ عام 1967 وعاصمتها القدس. وهي القرارات التي ايدتها وتبنتها ايضا الدول الاوروبية، التي غالبا ما تنفذ ما تطلبه امريكا مثل بريطانيا، سبب نكبة الشعب الفلسطيني،كما تبنتها روسيا و الصين وغيرهما.

ثم يأتي هذا الجاهل ترامب ليهدي اسرائيل القدس، وكأنها ملك لأميركا ويشطب حق العودة، ويعترف بالمستعمرات اليهودية المسلحة بأنها ضمن ما يسمى دولة اسرائيل، ويهدي الجولان المحتل لاسرائيل وكأن الجولان السورية أيضا ملكه أو ملك عائلة ترامب.

السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا، بقيادة الأخ الرئيس محمود عباس، مدت ولا زالت تمد يدها للسلام العادل الذي يلبي الحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا، بموجب قرارات الشرعية الدولية، كي يعيش الشعبان الفلسطيني والإسرائيلي بسلام واحترام متبادل. وكي نكون واضحين فإننا في الوقت الذي لا نطالب فيه بإلغاء الشعب اليهودي فان الشعب اليهودي لا يستطيع إلغاء الشعب الفلسطيني، فهل يفهم هذه المعادلة الجاهل ترامب، او المغامر نتنياهو ؟!

وأخيرا نقول لنتنياهو ومتطرفيه ولترامب وشلته الموالية للصهيونية إن من المستحيل شطب حقوق شعبنا الوطنية المشروعة وسندافع عن حقنا في الحياة والحرية وسنواصل نضالنا المشروع لانتزاع الحرية والاستقلال، ويبقى الأمل بفجر غدنا الآتي ... ونكرر ما قاله شاعرنا الكبير المرحوم محمود درويش: " سأصير يوماً ما أريد.. سأصير يوماً طائراً .. وأسلّ من عدمي وجودي.. كلّما احترق الجناحان اقتربت من الحقيقة، وانبعثت من الرماد.." ونقول أيضا " على هذه الأرض مايستحق الحياة".