ضم غور الأردن: الايديولوجيا قبل السياسة

حجم الخط

بقلم: د.باسم الطويسي

 

إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن عزمه ضم منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت لإسرائيل واعتبارها جزءا لا يتجزأ من إسرائيل في حال فوزه في الانتخابات العامة المقررة يوم غد الثلاثاء يتجاوز الدعاية الانتخابية الراهنة، وفي ضوء استمرار منهج إدارة الأمر الواقع فإن مسألة الضم بوجود نتنياهو او غيره أصبحت مسألة وقت لا أكثر.

المسألة التي لم يتم الاهتمام بها إعلاميا؛ انه فيما انشغل الإعلام الدولي بتصريحات نتنياهو لم نأخذ بعين الاعتبار أن المطالبة بضم الاغوار والبحر الميت الى الكيان الاسرائيلي هي أحد العناصر البنائية في الايديولوجيا الصهيونية في تعاملها مع ملف الارض والديمغرافيا والامن منذ عقود طويلة، والأهم ايضا ان هذا المطلب بات اليوم مدرجا على البرامج الانتخابية لكافة التيارات السياسية الاسرائيلية اليمينية المسيطرة منذ سنوات ووسط اليمين واليسار ايضا.

المنافس الشرس لنتنياهو رئيس حزب ازرق ابيض “كاحول لفان” بيني غانتيس يلتزم برنامجه وتصريحاته بالاحتفاظ بالاغوار كجزء لا يتجزأ من دولة اسرائيل، وبالذهاب تاريخيا نحو ما يسمى اليسار الاسرائيلي فقد شكل ضم الاغوار احد مطالب مشروع “ألون” الذي تبناه حزب العمل وطرح لاول مرة من قبل يغئال الون وزير العمل الاسرائيلي بعد شهر ونصف من حرب 1967، ومضمون خطة الون تكريس ان يبقى نهر الأردن الحد الشرقي لاسرائيل علاوة على خط يقطع البحر الميت بكل طوله، في حين تبقى حدود الانتداب، على طول وادي عربة كما كانت قبل حرب الايام الستة عام 1967، وعلى الرغم ان الأردن رفض الخطة في ذلك الوقت كما يروي آفي شلايم في كتابه ” اسد الأردن ” ورفضتها الحكومات الاسرائيلية الا انها بقيت تطل برأسها على مدى العقود الخمسة الماضية. كما هو الحال لدى “صانع السلام” رئيس الحكومة الأسبق، إسحق رابين الذي بقي يكرر «مساعي إسرائيل يجب أن تصبّ في منع قيام كيان فلسطيني مشاطئ للبحر الميت، ومنعه من التماس الجغرافي مع أي رقعة أرض عربية اخرى “.

في الانتخابات الاسرائيلية السابقة والحالية انتشرت اطروحات تقول ان التيارات السياسية والاحزاب الاسرائيلية باتت تتخلى عن ايديولوجيتها بالتدريج لصالح السياسية وبناء تحالفات جديدة وغير متوقعة، وهو امر غير صحيح ولا تؤيده الوقائع على الارض، ويساق في هذا المجال تحالف حزب “ميرتس” مع رئيس الحكومة الأسبق، إيهود باراك، فيما يلاحظ في معظم برامج القوائم الاسرائيلي الحفاظ على اطروحات مشتركة (القدس المحتلة الموحدة عاصمة لإسرائيل، والاحتفاظ بغور الأردن والسيطرة الأمنية الكاملة لإسرائيل على كامل “أرض إسرائيل”، مع الاحتفاظ بهضبة الجولان السورية).

الايديولوجيا في اسرائيل لا تتغيير وان تغير الفاعلون السياسيون وتصارعوا وغيروا من تحالفاتهم، فالخلاف الراهن بين القوائم الكبرى المناوئة لرئيس الوزراء الحالي لا تتعدى الاتهامات بالفساد وحماية والديمقراطية.

تمتد منطقة الأغوار وشماليّ البحر الميت على مساحة 1.6 مليون دونم، بمحاذاة الحدود الأردنية وتشكّل ما يقارب 30 في المئة من مساحة الضفة الغربية، وغالبية سكانها من الفلسطينيين وفي عام 2016 كان يعيش في المنطقة ما يقرب 65 ألف فلسطيني و11 ألف مستوطن…

لقد كانت اطروحة اسرائيل تاريخيا في تكريس سيطرتها على منطقة غور الأردن ترتبط بالابعاد الامنية المباشرة، في البداية ارتبطت بمواجهة انشطة المقاومة الفلسطينية في السنوات الاولى من الاحتلال، ثم تطورت الى ان هذه الاراضي تشكل فاصلا جيواستراتيجي لضمان الامن الدائم، وفي مرحلة لاحقة تحول هذا الهدف الى جزء من ماكنة فرض الوقائع التي تجعل من وجود كيان فلسطيني ضربا من المستحيل، في جميع الحالات كان الامن يرتبط بالعمق الايديولوجي القائم على ثوابت مركزية ابرزها ثابت الأرض في المشروع الصهيوني وثابت التوسع المستمر، وعلينا ان نلاحظ كيف يوظف الخطاب الدعائي الاسرائيلي هذه الايام مفهوم ( ارض اسرائيل الكاملة ) بدون دلالات واضحة او محددة.