ليس للفلسطينيين ما يحتفلون به

طلال عوكل.jpg
حجم الخط

طلال عوكل

انتهت الانتخابات الإسرائيلية، الثانية، التي تنافست فيها تسع وعشرون قائمة، ولم يتسن لنا حتى كتابة المقال، الوقوف على النتائج الأخيرة. في كل الأحوال، لا قيمة أساسية لانتظار النتائج إن كانت ستعطي الأفضلية لأي من الكتلتين الكبيرتين المتنافستين، «الليكود» و»أزرق ـ أبيض» فالفارق بينهما لا يؤهل أياً منهما للنجاح في تشكيل حكومة على مقاساته وشروطه.
الأزمة التي عانت منها إسرائيل في الانتخابات المبكرة السابقة وفي هذه الانتخابات غير مسبوقة، فبالرغم من أن المتنافسين الكبيرين يحصلان على عدد كبير من مقاعد الكنيست، إلاّ أن الانقسام بين معسكرين لا يتيح لأحدهما إعلان الانتصار والنجاح في تشكيل حكومة مستقرة. ثمة معسكر متماسك يقوده «الليكود»، لكنه لا يملك عدد المقاعد التي تؤهله لتشكيل حكومة، ومعسكر آخر يتهمه نتنياهو بأنه ينتمي إلى الوسط واليسار، لكنه يضم كتلاً متباينة، والأغلبية فيه إلى يمين لا يختلف كثيراً عن اليمين الرسمي الذي يشكله تحالف «الليكود».
الملك في هذه الأزمة، كما في المرة السابقة هو أفيغدور ليبرمان الذي يشكل بيضة القبّان، فبدونه لا يستطيع أي من الكتلتين الكبيرتين تشكيل حكومة، إلاّ إن كانت حكومة وحدة وطنية. بحسب التصريحات فإن نتنياهو ينوي تشكيل كتلة مانعة ويسعى لحكومة يمينية رغم حصوله على أغلبية مطلقة كما يدّعي، ذلك أنه لا يقر بالهزيمة، ويتوعّد في حال الفشل بأن يدفع نحو انتخابات جديدة للمرة الثالثة، فهو يدرك أنه بدون حكومة برئاسته لن يتم تمرير قانون يحميه من المحاكمة حيث ينتظره حكم بالسجن خمسة عشر عاماً. يتعاكس ذلك مع تعهد للرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين بأنه سيفعل كل ما يمكن لتشكيل حكومة لمنع إجراء انتخابات للمرة الثالثة.
بفوقية يتصرف ليبرمان، الذي يتحكم بمصير الحكومة القادمة، ويقول ليس لدي وقت للمفاوضات، ولا بد من تشكيل حكومة، بدون العرب، و»الحريديم». في هذه الحالة لا يمكن لأي من الطرفين النجاح في تشكيل حكومة إن لم تكن حكومة وحدة وطنية وهذه قد تكون مرفوضة من «الليكود»، ما لم يكن نتنياهو رئيسها حتى يحظى بقانون الحصانة، وهو أمر من المستبعد أن يوافق عليه، بيني غانتس، الذي يسعى لإنهاء الحياة السياسية لنتنياهو.
بدون طول شرح في السيناريوهات، التي تضيع فيها التحليلات فإن سيناريو الانتخابات للمرة الثالثة، هو الأرجح، كما يقول، رئيس الوزراء السابق ايهود اولمرت.
في كل الحالات ليس للفلسطينيين أن يحتفلوا، إلاّ بواقع أن الكتلة الموحدة التي شكلها الفلسطينيون، أحرزت تقدماً ونجاحاً كبيراً جعلها الكتلة الثالثة في الكنيست، أما ما عدا ذلك فإن شهاب الدين... من أخيه.
المهم أن الفلسطينيين منقسمون، بدون الإفصاح، بين من يؤيد أو يرغب في فوز نتنياهو، وبين من يرغب في سقوطه وفوز الآخر وكل وفق حسابات فئوية لها علاقة بالانقسام ورؤية كل طرف للطرف الفلسطيني الآخر.
فبالرغم من هذا الانقسام، في الطبقة السياسية الإسرائيلية إلى حد الأزمة، إلاّ ان ذلك لم يغير من طبيعة التحولات الاجتماعية التي تنحدر لليمين أكثر فأكثر.
كل الأطراف المتنافسة باستثناء الكتلة العربية، وبعض الكتل الصغيرة، تتنافس على خدمة المخططات الإسرائيلية الصهيونية التوسعية والعنصرية، وكلها تتغدّى على دم وحقوق الشعب الفلسطيني.
نرجو مع ذلك أن يخرج علينا من الفلسطينيين من يتحدث عن ضعف وتفكك الطبقة السياسية الإسرائيلية، أو أن هذه الأزمة من شأنها أن تؤدي إلى فشل «صفقة القرن»، ذلك أن إسرائيل تستفيد حتى من مثل هذه الأزمة.
لا ننسى أن السياسة الإسرائيلية كانت في أحيان كثيرة تلجأ إلى انتخابات مبكرة، أو افتعال أزمات حكومية أو سياسية، للتهرب من استحقاقات سياسية ضاغطة، لا تكون في مصلحة إسرائيل. غير أن هذه الأزمة غير المفتعلة ستضع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمام حيص بيص، إذ من غير المتوقع أن تقوم بإعلان «الصفقة»، بسبب غياب قرار إسرائيلي. تكون إسرائيل في هذه الحالة قد حققت بعض المكتسبات الهامة نتيجة ما اتخذته الإدارة الأميركية من قرارات لصالح إسرائيل، وبدون أن تدفع الأخيرة أي ثمن لذلك فالانتخابات القادمة في حال فشل تشكيل حكومة، من غير المتوقع أن تجري قبل شباط العام القادم. في مثل هذا التوقيت ستكون الإدارة الأميركية منشغلة في التحضير للانتخابات الرئاسية، التي ستجري في نهاية العام القادم، ما يعني أنه لن يكون لديها الوقت الكافي لطرح «صفقتها».
هذا يعني مرة أخرى، أن إسرائيل ستكون طليقة اليد في العبث بالدم والحقوق الفلسطينية، ولتنفيذ ما قدمه كل طرف من وعود خلال الحملات الانتخابية الأخيرة.
إسرائيل تعيش أزمة، ولكن أزمة الفلسطينيين أكثر عمقاً وأشد خطورة، إذ هم مقيدون بالانقسام، ومقيدون بالتردد، ولا يملكون أية خيارات، من موقع المبادرة في مواجهة ما تعرضت له حقوقهم، وما ينتظرون أن تتعرض له أرضهم وحقوقهم، حين تتجاوز إسرائيل أزمتها، وتكون لديها سلطة قرار.