الفساد والوطنية لا يلتقيان

حجم الخط

بقلم:راسم عبيدات

 

ما يجري في العراق،يكشف حجم المحنة التي تعيشها الشعوب العربية،نتيجة الفساد المستشري في كل دوائر ومؤسسات وقطاعات الحكم العربي،اياً كان شكله ونوعه ديني علماني رئاسي ملكي اميري،فأغلب إن لم يكن جميع البلدان العربية،تحولت الى اقطاعيات ومزارع خاصة للحكام وأبناء عائلاتهم وعشائرهم وقبائلهم،ينهبون خيراتها وثرواتها،ويبقون على الشعب في حالة من الجوع والفقر والجهل والتخلف،ولا يعملون على إحداث أي تغيير جدي وحقيقي،ينتشل اوضاعه من الفقر والجوع،فلا نشهد في بلداننا العربية،ثورات اقتصادية ولا اجتماعية ولا تنمية ولا نمو اقتصادي،بل وكان سياسات الحكومات العربية،تقوم على تخليد الجهل والتخلف والجوع والفقر،وتعظيم سياسات النهب والسرقة للثروات والمساعدات والمتاجرة بها وبيعهاز

وخطر الفساد على الشعب أكثر بكثير من خطر الاحتلال،ولا يمكن للفساد والوطنية ان يلتقيان،ونظرة سريعة على ما يحدث في العراق،نجد ان ثورة الجياع والفقراء المندلعة في العراق الآن،تؤشر الى ان المواطن العراقي بلغ درجة عالية من " الطحن" والجوع والفقر والعوز،بحيث لم يعد قادراً على تلبية احتياجاته الأساسية وبما يبقيه على قيد الحياة،العراق الذي يدخله ستة مليارات دولار عائدات من النفط لوحده شهرياً،يعاني من أزمات كبيرة ونقص حاد في الكهرباء والماء والسكن وخدمات الصحة والبنى التحتية ...ومن جاءوا على ظهر الدبابات الأمريكية ووعدوا العراق بالديمقراطية والحرية والتخلص من الديكتاتورية الصدامية،تذوق العراق شعاراتهم هذه على شكل نهبهم وفسادهم ولصوصيتهم وسرقاتهم لثروات وخيرات العراق من نفط ومساعدات وغيره...والكل مشارك في عمليات النهب والفساد والإفساد قيادات حزبية وعمائم دينية بإختلاف اشكال عمائمها وقادة الحكم...ترليون دولار جرى نهبها من خيرات وثروات العراق..والمواطن العراقي يعاني من الجوع والفقر وانعدام فرص العمل،وتدني مستوى الخدمات في مختلف المجالات.من جاؤوا لإنقاذ العراق على ظهر الدبابات الأمريكية...هم نفسهم من نقلوا العراق من المرتبة العاشرة صحياً في عهد صدام الى المرتبة 147 عالمياً،هم من ينهبون ثروات العراق،هم من سهلوا إحتلاله من قبل أمريكا واغتيال علمائه وقادته،وهم من يسهلون اختراقه من قوى خارجية،وهم أيضا من حولوه الى طوائف متصارعة وعبثوا بنسيجه وفسيفسائه المجتمعية...ثورة الجياع في العراق تقول بشكل واضح بأن الفساد والوطنية لا يلتقيان،وبأن حرية العراق ونموه وتطوره واستقراره وحماية امنه الوطني ووحدته الجغرافية لا يمكن ان تكون إلا عبر اجتثاث الفساد والفاسدين ...ترليون دولار حجم المسروقات من ثورة العراق، ولا يمكن لنا القول بعدم مشروعية ثورة الجياع العراقية،وبأنها نتاج لمؤامرات وتدخلات خارجية...فنحن ندرك بان هناك قوى دولية وإقليمية وعربية،لا تريد للعراق أن تستقر أوضاعه،وان يكون قوياً وله هويته العروبية الجامعة والموحدة،وأن يكون جزءاً من معادلة مؤثرة ولها ثقلها في الوضع العربي والإقليمي،وان لا يحسم امره نحو التخندق والتموضع في والى جانب محور المقاومة،ضد المشروع الأمري صهيوني في المنطقة،وإحتلال العراق جاء من اجل أن يفقد هويته العربية الجامعة،وان يضعف جيشه ويفكك مؤسسات الدولة،ويحول العراق الى دولة هشة تتصارع فيها المليشيات بمختلف أنواعها،،ولعل إنطلاق ثورة الجياع في هذا الظرف الذي أعلن فيه رئيس الوزراء العراقي عن أن إسرائيل هي من تتحمل العدوان على قوات الحشد الشعبي في العراق ،وكذلك إنطلاق تلك الثورة في موعد موسم الأعياد والتدفق على العتبات والأماكن الدينية المقدسة، و والتي تدر دخلاً جيداً على الفقراء والفئات المهمشة،يوحي بان قيام تلك الثورة في الظرف بالذات،مبرمج او موقت من أجل حرمان هؤلاء الفقراء من عائد مادي يقتاتون به ويسدون به حاجاتهم الأساسية.

نقول صحيح بأن هناك قوى خارجية،تريد ان توظف ثورة الجياع لخدمة أهدافها ومشاريعها في المنطقة،فأمريكا التي فشلت في " تطويع" ايران لا تريد للعراق أن يصبح محسوباً على طهران، وأن يعمل على تفريغ العقوبات الأمريكية عليها من محتواها ومضمونها،ولذلك هي ترى بان تحدي الحكومة العراقية للإدارة الأمريكية والإقدام على فتح معبر البوكمال البري من سوريا،يعمل على تفريغ تلك العقوبات من محتواها،وإفشال مخططها ومشروعها لحصار ايران وتركيعها،وكذلك هناك من العرب المستعدون لإيران،والذين يرون بها الداعم الأول لحركات المقاومة العربية والفلسطينية، وما يسمونه بدعم " الإرهاب" ليس من المريح لهم ان يكون العراق جزءا من محور طهران،صحيح بأن هناك من يدفع بثورة الجياع العراقية من أجل أن تتحول الى حرب أهليه، وصراعات محتدمة بين ميليشيات ومافيات،من خلال الإندساس بين المتظاهرين وإطلاق النار عليهم وعلى قوى الأمن،لكي تفشل تلك الثورة ويتحول الشعب الغضب الشعبي ضد الحكومة الى شغب وفوضى عارمة،يتم فيها الإعتداء على المؤسسات العامة وممتلكات المواطنين حرقاً ونهباً،وبالتالي ينجح المخطط في دفع العراق نحو الإستمرار في الحروب الأهلية والمذهبية والطائفية.

ما حدث ويحدث في ليبيا،ليس بعيداً عن ما يحدث في العراق،حيث بعد إستقدام القوات الأطلسية وبمباركة عربية لإحتلال ليبيا،من أجل تحريرها من " الطاغية " و "الديكتاتور" معمر القذافي، تحولت ليبيا الى غابة من السلاح والصراعات والحروب بين مليشيات ومافيات عسكرية وقبلية وجهوية، ولم يعد هناك حكومة مركزية ولا جيش موحد،بل إمراء الحروب الذين ينهبون ثروات وخيرات ليبيا،ويحولن شعبها الى شعب جائع فقير مرهق بالديون،ويعاني من نقص حاد في الخدمات الأساسية كهرباء وبنى تحتية ومياه وتعليم وغيرها ...وهذا السيناريو حاولوا سحبه على سوريا،حيث في بداية ما يسمى بالثورة السورية،التي إنطلقت بشكل سلمي من مدينة درعا السورية، وجدنا من اندس بين المتظاهرين واطلق النار على الجيش والمتظاهرين،في هدف واضح لجر سوريا نحو حروب أهلية ومذهبية،وعندما تمكنت سوريا بعد ثماني سنوات من دحر القوى الإرهابية، وإستعادة السيطرة على معظم الجغرافيا السورية، وجدنا بأن الحرب الاقتصادية عليها من قبل أمريكا وقوى الإستعمار لم تتوقف،حيث العقوبات والحصار الاقتصادي، والهدف تركيع سوريا،ويترافق ذلك مع مشاركة قوى سورية محلية نافذة في تدمير الاقتصاد السوري، ولذلك الحرب على الفساد في سوريا و"حيتانه" يجب ان تكون شاملة وبلا هوادة،لان خطرها اكبر من خطر قوى العدوان والجماعات الإرهابية والتكفيرية.

وفي الختام نقول بان الشعوب والدول التي تخلصت من الفساد والفاسدين مثل ماليزيا وسنغافورة وكرواتيا،تحقق نجاحات غير مسبوقة في النمو والتنمية الاقتصادية والتطور في كل المجالات والميادين،ولذلك لا بد من ثورة شاملة على الفساد والفاسدين ومراكز احتضانها وبيئتها في عالمنا العربي،المغرق في الفساد والفاسدين.