إذا أرادت الحركات الإسلامية أن تصبح جزء من أي نظام سياسي حضاري عليها أن تراجع أحد أهم الأفكار الأيدلوجية التي ساهمت في تشكيل هوية هذه الحركات، وهي مسألة مركزية الحكم في العقل المسلم والتي أنتجها الشيخ محمد رشيد رضي وتلميذه الامام البنّا في أوائل القرن العشرين، وكانت فكرة الأحكام في القرآن هي الركيزة التي إستند عليها هؤلاء العلماء،وثمة فرق كبير بين الحكم والأحكام، لأن الحكم مسألة دينوية غير واضحة في النصوص بعكس الأحكام الثابتة بيقين والتي لاتدع مجالاً للنقاش فيها لأنها جزء من العقيدة،علماً بأن حالة الخلاف والتناقض في هذه المسألة لايقتصر على جمهور أهل السنة بل أحد القضايا الخلافية مع المسلمين الشيعة،
لأن الحكم والإمامة جزء أصيل من معتقدات المسلمين الشيعة
إذا أردنا الإبتعاد عن جدلية الخلاف حول هذه المسألة لاسيما بين علماء أهل السنة علينا أن نرجع الي النصوص التي تثبت هل الحكم من الأصول أم من الفروع، وبعيداً عن جدلية التفسيرات وقدسيتها التي أصبحت جزء من المشكلة في الموروث الديني لدي المجتمعات الإسلامية بالعموم ولو إستعرضنا كل النصوص التي وردت في القرآن،حول الحكم بمعزل عن الأحكام نجدها نصوص تتحدث عن مبادئ عامة،سواء على صعيد الشورى أو الطاعة، ومنها وليس حصراً:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ النساء
وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ، ال عمران
وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ الشورى
كل هذه النصوص الدستورية وغيرها هي نصوص عامة تتحدث عن حكم الشورى والطاعة كمبادئ أرسها القرأن الكريم ولم توضح هذه الأيات وغيرها الكيفية وتركت الكيفية لإجتهاد العلماء بحسب تطور الزمان وظرف المكان، علماً بأن لدينا نماذج في الحكم بدأت بعد وفاه النبي صلي الله عليه وسلم من عهد أبي بكر ومن ثم عمر ومن ثم عثمان وعلي ومعاوية وأسلافه من الخلفاء الأمويين وأبوالعباس وأسلافه من الخلافاء العباسين، وكل مرحلة كان لها نظام وسياسيات مختلفة عن الأخري، ولم يكن هناك نظام حكم ثابت، وهذا وحده كافي ليثبت بأن لو كان الحكم وأنظمته من الأصول لو التزم الراشدين رضوان الله عليهم في نظام سياسي ثابت هم ومن جاء بعدهم من الأمويين والعباسيين.
مما يؤكد ذلك بأن الحكم مسألة دنيوية والأحكام هي التي يجب أن يلتزم بها النظام الحاكم بحسب الغالبية التي يعيش فيها المجتمع موضوع ذات صلة من الأسباب التي توجب على هذه الحركات مراجعة مسألة الحكم، في الأيدلوجيا حالة التناقض التي تعيشها تلك الحركات في موقفها من الدولة الدينية والتناقض ما بين الموقف الظاهر والفكر الباطن الكامن وهذا ما يدلل علي عمق الأزمة الفكرية الناتجة عن الأيدلوجيا التي تهاجم مشروع الدولة الدينية التي نشأت قديماً في العصور الوسطي.
وفي نفس الوقت تهاجم في الحاضر مشروع الدولة القومية الدينية التي تسعي الحركة الصهيونية لإنشائها على أرض فلسطين،كما أنها تستخدم كل الوسائل للنيل من فكرة الدولة الدينية وهذا ما يؤكد التناقض مع الأيدلوجيا التي تحملها هذه الحركات والتي تهاجم الدولة الدينية ظاهرياً،وباطنياً تؤمن بها وتنظر لها داخل أطرها الحركية وهذا ما يستوجب المراجعة في الأيدلوجيا التي تحملها هذه الحركات، كما أن مشروع النهضة الذي تدعوا له بعض الحركات الإسلامية يلزمه الإجابة عن كيفية إقامة دولة دينية في ظل حركة التطور الفكري والمعرفي وفي ظل ضمان حقوق العرقيات والأديان والطوائف التي تعيش في المجتمعات الإسلامية،
ولو نظرنا للتجارب السابقة هذا السؤال عجزت الدولة الدينية التي اقيمت في العصور الوسطي بالإجابه عنه وكان ذلك أحد أهم أسباب إنهيارها، وحتي في الحاضر لم تجيب الحركة الصهيونية لحد الأن عن هذا التساؤل والتي تسعي لإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين،كما أن الحركات الإسلامية عجزت منذ 100عن الإجابة علي هذا التسائل..
وبرغم عجزها مازالت تقاتل من أجل الإنخراط في المجتمع السياسي دون التجرء على الأقتراب من التصحيح والمراجعة برغم علمها أنه لايمكن لها أن تصبح جزء من المجتمع السياسي قبل تصحيح هذا المفهوم..