مستقبل الحراك اللبناني بين الطموح والواقع

طلال عوكل.jpg
حجم الخط

طلال عوكل

بمزيد من الإصرار على البقاء في الشوارع، والإصرار على تحقيق أهداف لم ترسُ بعد على الهدف المركزي، يدخل الحراك الشعبي اللبناني اليوم أسبوعه الثاني.
كان من الطبيعي ان يتوقع العقلاء، وهم غائبون على ما يبدو في المستوى السياسي، ان الشعب اللبناني بأسره، لا يستطيع أن يحتمل المزيد من الأعباء بعد أن أرهقته السنوات المنصرمة.
عناوين الأزمة اللبنانية كثيرة، وشديدة الخطورة، تتضافر كلها لترسم صورة نظام متهالك، الهاربون من جحيمه اكثر بكثير من القادرين على الصمود فيه. منذ فترة، والعديد من المتابعين لشؤون المنطقة، يعتقدون أن لبنان يشكل حلقة مستعجلة، من حلقات التوتر والصراع وتصفية الحسابات ذات الأبعاد الإقليمية والدولية، بعد أن أرهقته أيضاً تداعيات الصراع العنيف في الجارة سورية.
لقد أظهر الشعب اللبناني، قوة استثنائية في الصمود أمام عواصف الحرب الأهلية والغزوات الإسرائيلية، والتدخلات الخارجية، وتداعيات الصراع في الإقليم، وكان سيصمد رغم ضعفه، لو أنه تمتع بحصانة داخلية، وقدرة على مواجهة الأزمات الداخلية المتراكمة، قبل أن يطفح كيلها.
فساد يستشري في كل أركان الحكم، حيث تتقاسم قبائل الطوائف المال والاستثمار والرتب والرواتب، وحكومة تتراكم عليها الديون الخارجية، لم تعد تقوى على مواجهتها، إلاّ بتحميل المواطن المزيد من الأعباء فوق أعباء الفقر، والبطالة وغلاء الأسعار.
في أكثر من واقعة، عجزت الحكومة عن تقديم خدمات أساسية يفتقر اليها المجتمع اللبناني، من الماء، الى الكهرباء، الى النظافة، الى الأمن الذي تخترقه جماعات إرهابية من الداخل والخارج، يضيف إليها المهاجرون السوريون، المزيد والمزيد من الأعباء.
صحيح أن الجماهير اللبنانية اخترقت حواجز الطائفية، ذلك أن الفقر والتهميش، لا يستثني طائفة دون أخرى، وصحيح أيضاً أن الساحات لا تزال تستقبل المزيد والمزيد من آلاف اللبنانيين الذين ينضمون إلى الحراك الشعبي.
الحراك الشعبي امتد إلى خارج لبنان، إلى حيث يتواجد اللبنانيون بكثافة في العديد من الدول الأجنبية، والذين خرجوا إلى الشوارع في أماكن إقاماتهم، يغردون بالشعارات ذاتها التي يرفعها الحراك في الداخل. في الأصل ما كان للبنانيين ان يتواجدوا بالملايين في دول اجنبية كثيرة، الا لأنهم ما كانوا يستطيعون تحمل الاعباء الثقيلة التي يئن تحت وطأتها المواطنون. أما من يبقى من اللبنانيين في الوطن، فإن ما يعينهم على البقاء والصمود، هو وجود أفراد من عائلاتهم خارج الوطن، يمدون لهم العون، ويضخون الدماء في عروقهم التي تجففها الطائفية، وغياب الاستقرار، وضعف الدولة ومؤسساتها عن القيام بأبسط واجباتها.
يبدو للمراقب أن عناوين المشهد السياسي قد باتت واضحة من خلال مواقف القوى التي تتشكل منها الحكومة، والتي أفرزت مؤشرات على انقسام الحكومة بين مؤيد حقيقي للحراك، ومؤيد لفظي، ومعارض. بعض الأطراف تتهم حزب الله مباشرة، أو مداورة، عن الأزمة بسبب ما يوصف على أنه يقود تحالفات في الحكومة، قوامها ثمانية عشر وزيراً.
يتعزز هذا الاتهام الذي يشمل الرئيس ميشيل عون  وفريقه في الحكومة، حين تدعو اطراف معارضة للحراك الى تدخل الجيش لفتح الطرقات التي اغلقها المحتجون، الأمر الذي قد يؤدي إلى مواجهة بين الجيش الوطني والناس.
وفي اشارة أكثر وضوحاً، تخرج مسيرة محمولة على الدراجات النارية تحمل اعلام حزب الله وحركة امل، تحاول ان تربك الجمهور، ما ادى الى تدخل الجيش لتفريقها، وان ينجح في الوقت ذاته في فتح العديد من الطرقات والمفارق.
كانت تلك المسيرة المحمولة، المظهر الوحيد، الذي يرفع أعلاماً حزبية وسط حراك في الداخل والخارج، لم يظهر فيه سوى العلم اللبناني في إشارة إلى وحدة المجتمع. الأزمة إذاً أزمة نظام ساد لبنان لعقود طويلة، وليس أزمة حكومة يمكن معالجتها باسترضاء الجماهير من خلال إصلاحات جزئية.
كل الخطط الإصلاحية التي طرحها الحريري، ووافقت عليها الحكومة وتلك التي تقدم بها الحزب الاشتراكي أو غيره  ولم توافق عليها الحكومة مرفوضة من قبل الناس، الذين على ما يبدو بدؤوا ينظمون صفوفهم ويصدرون البيانات، ولكن دون أن تتبلور قيادة واضحة ومعترف بها للحراك.
من غير المحتمل أن يؤدي تعديل الحكومة، او استقالتها، والبحث عن حكومة جديدة، لا تستطيع الخروج من دائرة الحسابات السياسية والطائفية إلى حكومة كفاءات، ولا الموافقة على انتخابات مبكرة، يمكن ان تعالج الأزمة، ذلك أن معالجة الأزمة تستدعي إسقاط النظام، وتغييره إلى نظام ديمقراطي حقيقي يغادر حسابات الطوائف.
إذاً، لا يستطيع المرء أن يتحدث عن ثورة، هي محاصرة من قبل النظام الطائفي، الأمر الذي يعني أن بقاء الناس في الشوارع، ليس أكثر من توفير فرصة لتدخلات خارجية، ستعمل على صب الزيت على النار كلما هدأت. إن كان من الصعب الحديث عن ثورة جذرية، وعن ربيع عربي في لبنان، فإن على من يبشرون بربيع فلسطيني، أن يفكروا ملياً في احتمال أن تصل رياح التغيير إلى بلاد تحت الاحتلال الإسرائيلي على الرغم من شمولية الأزمة التي تجتاح كل زوايا الوطن والمجتمع الفلسطيني. ان كانت الثورة في لبنان محكومة بسياج الطائفية، فإن الثورة في بلادنا محكومة بالسياج الفصائلي، والسياج الاحتلالي.