السلطة الفلسطينية بين البقاء والحل

حجم الخط

بقلم د. ناجي شراب

 

 خياران لا ثالث لهما يواجهان مستقبل السلطة الفلسطينية. وهذان الخياران هما القاسم المشترك بين إسرائيل وفلسطين.والمفارقة السياسية أن كلاهما يلتقيان مع خيار بقاء السلطة.ولكن السؤال أى سلطه؟ رغم ان السلطةالفلسطينية مرجعيتها السياسية إتفاق أوسلو وهو المنشأ لها، إلا أن الفلسطينيين والرئيس عرفات لم يكن يقصد ان تكون السلطة التى تريد إسرائيل ، وتبقى محكومة بهذه المرجعية، بل كان الهدف أن تتحول لنواة سلطة حقيقية لدولة فلسطينية . وان تكون مرجعيتها المصلحة الفلسطينية. ولذلك عمل الفلسطينيون على تحويل هذه السلطة إلى واقع سياسى غير إسرائيلى ، وان يكون لها تمثيل ديبلوماسى خارجى ، وقد يكون هذا هو السبب لإيلاء السلطة كل الأهمية في المرحلة الإنتقالية ، حاولوا منحها الروح الفلسطينية ، لكنهم تناسوا ان هناك إحتلال على الأرض، ولا سلطة حقيقية بلا إحتلال، وهذا يفسر لنا مظاهر وصور الصراع والخلاف بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، ألتى أرادت سلطة خدماتية أمنية فقط. سلطة بوظيفة أمنية ، وبتحمل كل الأعباء ورفعها عن كاهلها في تقديم الخدمات لأكثر من خمسة ملايين من السكان. وبقيت إسرائيل تتحكم في مظاهر السياده التى تمارسها السلطة في أي دولة مستقله ، وخصوصا سلطة المال، والتحكم في المنافذ البرية والجوية إن وجدت، ومن تتحكم فيمن يدخل وفيمن يخرج، بل تتحكم حتى في إصدار الهوية الفلسطينية.هذا الواقع أوقع الفلسطينيون في مأزق سياسى كبير في تحديد خياراتهم وكيفية التعامل مع السلطة وما مصيرها في القرارات الأخيرة بوقف التعامل مع كل الإتفاقات الموقعة مع السلطة وفى مقدمتها السلطة ذاتها التي أنشاتها هذه الإتفاقات. الملاحظ انهم يفصلون بين واقع السلطة والتى يعتبرونها أنها لم تعد مقيده بإتفاقات أوسلو من عدمها. وباتوا امام خيارين إما حل السلطة ، وهذا الخيار مستبعد لأسباب كثيره: أولا التعامل مع السلطة بإعتبارها أحد مكونات الدولة الفلسطينية والتي نجح الفلسطينيون في الحصول على إعتراف بها كدولة مراقب في ألأمم المتحده،وحيث الدولة ناقصة أيضا السلطة ناقصة والعلاقة هنا طرديه بين ألأثنين، إكتمال الدولة بإنهاء الاحتلال يعنى إكتمال السلطة السياسية . وهذا واقع لا ينكرونه، لكن لا بد من المحافظة عليهـا. المطلوب هو العمل على تحررها من قيود أوسلو وتحويلها لسلطة دولة. ثانيا السلطة الفلسطينية باتت المسؤولة عن أكثر من خمسة ملايين بل عن كل الفلسطينيين في الخارج والمخيمات بما تقدمه من خدمات، وكونها المسؤولة عن المال الفلسطيني . ثالثا السلطة اليوم ومن خلال وزارة خارجيتها تملك جهازا ديبلوماسيا له علاقات مع اكثر من مائة وثلاثين دولة ، وهذا التمثيل الدبلوماسي من صور الممارسة السيادية والشخصية الدولية للدولة الفلسطينية ، ولذلك الحرص عليه بالحرص على السلطة. رابعا التمسك بهذا الخيار يعزى ان الرئاسة الفلسطينية باتت هي مصدر القرار السياسيى الفلسطينى ،وليس رئاسة منظمة التحرير التي توفر المرجعية السياسية الشرعية لأى قرار. وتستمد الرئاسة قوتها كونها جاءت بالإنتخابات الفلسطينية ، ومن ثم تستمد شرعية من إرادة أكثر من خمسة مليون من الشعب الفلسطيني في الداخل، وتستمد بقية تمثيلها لمن هم في الخارج والمخيمات من رئاستها لمنظمة التحرير، وهنا الإصرار بالتمسك بالمنصبين.وخامسا المقصود بالسلطة الفلسطينية السلطة التنفيذية الممثلة في الرئيس ورئاسة الحكومة والسلطة التشريعية والقضائية ، ونظرا لحالة الإنقسام السياسى وتجميد عمل السلطة التشريعية فالقرار وكل السلطة تتركز في يد الرئيس، وهنا الربط بين الرئاسة وبقاء السلطة. وسادسا الرئيس محمود عباس يعامل ويستقبل كونه رئيسا للسلطة الفلسطينية وأحيانا يعامل كرئيس دولة ، وهذا الإعتراف الإقليمى والدولى للسلطة يدعم خيار بقاء السلطة.ويضاف إلى هذه ألأسباب أيضا تبعية منظمة التحرير لقرار السلطة التي أصبح لها ألأولوية لأنها من تشكل إطار صنع القرار السياسى الفلسطيني الذى يشمل الداخل والخارج. لهذه ألأسباب يتم التمسك ببقاء السلطة كخيار فلسطينى كمصلحة وطنية عليا، بإعتبارها احد المنجزات والمكتسبات التي ينبغي الحفاظ عليها، وبالمقابل هذا يعنى إستبعاد خيار حل السلطة الفلسطينيى الذى يعنى خسارة كل ما سبق والدخول في حالة من الفوضى والصراع السياسى الفلسطينى ، والتخوف من وجود سلطات محلية بديلة تسعى إليها إسرائيل. لكن السؤال يبقى دائما وأى سلطة ؟ وماهية السلطة الفلسطينية؟ فعلى الرغم من أهمية الحفاظ على السلطة الفلسطينية كأحد أهم مكونات الدولة ، لكن المطلوب مرعاة وظائف السلطة ، والإتفاقات التي تحكمها بإسرائيل، فليس بالضرورة الإعلان عن حل السلطة وفقا لإتفاقات أوسلو، بل من حق السلطة وبتأييد دولة أن تطالب وتتفاوض مع إسرائيل لمراجعة كل الإتفاقات المعقوده ، وعقد إتفاقات جديده في إطار سلطة الدولة وفى إطار إنهاء الاحتلال. السلطة في حاجة لتحقيق التوازن السياسى وألأمنى والإقتصادى، وأن تتحول لسلطة كفاحية بعيدا عن ترف السلطات ، وهذا يستوجب منها وعليها الإلتزام بالشفافية ومحاربة الفساد، والتقشف الحكومى، والمساءلة الحكومة ومحاربة التضخم الوظيفى وإفساح المجال امام القطاع الخاص ليأخذ دوره، ووضع حد للإزدواجية المالية بين منظمة التحرير موازنة السلطة ، والترشيد في ألإنفاق والبذخ الحكومى ، والعمل على وحدانية تمثيل السلطة وتجسيدها للكل الفلسطينى ، والعودة بها لأساسها الشعبى بتجديد شرعيتها عبر الانتخابات، وتفعيل الدور المؤسساتى والحد من الدور الشخصانى الفردانى. وأخيرا بالإعلان عن سلطة دولة وليس سلطة أوسلو.