واشنطن ترسخ إسرائيل في الضفة

حجم الخط

بقلم هاني عوكل

 

لم يحدث في تاريخ الدولة العبرية أن توقفت الولايات المتحدة الأميركية عن دعمها بكافة الوسائل والإمكانيات لتحقيق هدفها بتصفية القضية الفلسطينية وضمان تفوق إسرائيل إقليمياً وتأمين الحماية الكاملة تحت المظلة الأميركية، مهما كلفها ذلك من أموال أو خسارة سمعتها بين دول العالم.
مؤخراً صدرت تصريحات عن وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو مفادها أن بلاده لم تعد تعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية مخالفة للقانون الدولي، وأن هذا الملف ينبغي أن يبحث بين طرفي الصراع الفلسطيني والإسرائيلي وليس في المحاكم الدولية.
المتابع للعلاقات الاستراتيجية التي تجمع الولايات المتحدة بإسرائيل، يعتبر هذا الموقف الأخير تحصيل حاصل سياسة واشنطن التي تدعم تل أبيب في كافة المسارات، وسبق أن اعترف الرئيس دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إليها.
كل الإجراءات والمواقف الأميركية الأخيرة الصادرة عن إدارة ترامب تمس بقوة مبدأ حل الدولتين الذي طرحه الرئيس الأسبق جورج بوش في 24 حزيران 2002، على الرغم من أن الأخير لم يفعل شيئاً للاستيطان الإسرائيلي الذي ظل يتوسع عاماً بعد عام إلى درجة محاصرة الضفة بالمستوطنات الإسرائيلية.
حتى أن إدارة باراك أوباما السابقة انتقدت إسرائيل لمواصلتها الاستيطان، وسكتت عن هذا الفعل، والساكت عن الحق شيطان أخرس، ولم يتمكن أوباما وقتها من الوقوف في وجه إسرائيل، إدراكاً منه أن هناك الكثير من الداعمين الأميركيين واليهود لها، بما فيهم اللوبي اليهودي.
مغزى القول إن "هذه الطينة من تلك العجينة"، وبالعربي الفصيح أن نسخة ترامب تكررت في الكثير ممن سبقوه من الرؤساء، اللهم أن ترامب كان أكثر جرأة في ما يتعلق بالتعبير عن علاقة بلاده بتل أبيب، مع فارق أنه رجل اقتصادي وينظر في مسألة التحالفات وتأثير المال على السياسة، وهذا ربما يحضر في تأثير المال الأميركي اليهودي على سياسة صنع القرار في واشنطن.
أيضاً هناك فارق آخر يتعلق بعلاقة الصداقة القوية التي تربط الرئيس الأميركي بنتنياهو، فضلاً عن نسبه من اليهود والدائرة الضيقة من حوله، ولذلك تلحظه نشيطا في الدفاع عن إسرائيل، حتى أنه صاغ لها صفقة تناسبها وتنسجم مع متطلباتها الأمنية، وهي صفقة يغلب عليها الطابع الاقتصادي لتكريس سياسة السلام الاقتصادي على حساب ملفات حساسة.
أغلب دول العالم ومنظمة الأمم المتحدة، اختلفت مع الموقف الأميركي من الاستيطان الإسرائيلي، واعتبرت أنه غير قانوني ويتعارض مع القوانين الدولية، لكن على الرغم من هذا الموقف الجميل الذي يدعم حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، إلا أنه "لا يسمن ولا يغني من جوع".
المجتمع الدولي لم يمارس الضغط الكبير لمنع الاستيطان الإسرائيلي، ولم يتدخل لتفكيك مئات المستوطنات المنتشرة في الضفة الغربية، إلى درجة أن الفلسطينيين يشعرون بأن ثمة نسخة ثانية من الدولة العبرية في الضفة، والمشكلة أن الاستيطان يتسارع بوتيرة هندسية وهناك تكالب إسرائيلي لتهويد القدس المحتلة.
رئيس الحكومة الإسرائيلية المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو "منشكح" للدعم الأميركي الذي يوظفه في معركته السياسية للبقاء رئيساً للحكومة، ووظيفته التالية تتصل بضم الأغوار ودعم واشنطن للاعتراف بهذه الخطوة، وهو الآن بصدد دعوة مختلف فرقاء الأحزاب السياسية للتوحد وتشكيل حكومة وحدة يقودها، تمهد لضم غور الأردن لإسرائيل.
لا عجب أن يحمل نتنياهو الموقف الأميركي إلى صديقه بالأمس وعدوه اليوم أفيغدور ليبرمان رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، إذ يعتبر زعيم حزب "الليكود" أن موقف واشنطن هذا امتداد لسياسته وصحبته مع ترامب، وأنه إذا حظي بدعم ليبرمان في حكومة وحدة، فإنه سيرضيها برفع وتيرة الاستيطان وضم غور الأردن.
من غير المستبعد أن يستثمر نتنياهو الإعلان الأميركي بشأن الاستيطان للظفر مرةً أخرى برئاسة الحكومة، وكذلك من الجائز أن ترامب رمى طوق النجاة لصديقه زعيم حزب "الليكود" من أجل إنقاذه، على اعتبار أن إعلان واشنطن يعكس دبلوماسية نتنياهو الخارجية في تحصيل الدعم من الأولى، وأيضاً من المحتمل أن يترجم نتنياهو أقواله إلى أفعال ويضم غور الأردن إذا أصبح رئيساً للوزراء.
ثم ما الذي يمنع ترامب من الاعتراف بضم غور الأردن إذا أقدمت إسرائيل على ذلك؟ لقد فعل كل ما يرضي الأخيرة واعترف بسيادتها على مرتفعات الجولان المحتل، وتحدى المجتمع الدولي الذي اكتفى بالتنديد ورفض كل الإعلانات والخطوات الأميركية، والسلام ختام!
حتى أن العرب من خجلهم من شعوبهم، اكتفوا باستنكار كل الخطوات الأميركية ولم يكشّروا عن أنيابهم في وجه إسرائيل، ولم ولن يفعلوا ذلك إلا مع بعضهم البعض، وماذا حصل؟ حققت إسرائيل كل ما تريده وترجمت قوتها بتكريس الأمر الواقع، هذا الذي يقضي مع الزمن على حل الدولتين.
نتيجة عجز المجتمع الدولي عن إنصاف الفلسطينيين بالفعل قبل القول، وبسبب وضع العرب القضية الفلسطينية خلف ظهورهم، وكذلك بسبب الانقسام الفلسطيني الملعون، تجد إسرائيل تستأسد وتأخذ راحتها في ارتكاب ممارسات غير إنسانية ولا أخلاقية وتخالف القوانين والأعراف الدولية.
الولايات المتحدة أعلنت عن هذه المواقف إدراكاً منها أن لا أحد سيمنعها أو حتى يقلق منها، وإسرائيل تواصل سياساتها العنصرية والتعسفية لأنها تعلم أن العالم غير مكترثٍ إذا ما صُفيت القضية الفلسطينية أو لحقها أذى كبير، وواشنطن بإعلانها الأخير ستفتح شهية الاحتلال لتسمين الاستيطان والذهاب إلى أقصى اليمين في التطرف ضد الفلسطينيين. 
Hokal79@hotmail.com