الاستيطان والمقاطعة

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

صلاح هنية

بات ملف الاستيطان والمستوطنات ملفا لرسم الخرائط والاحتفاظ بقاعدة بيانات يتم تحديثها من آن لآن وحلقات بحث ودراسة، وفي كل لحظة يخرج علينا خبراء الاستيطان ليقولوا لنا: تلك هي الخارطة وانظروا ما الذي حدث على الأرض، واحيانا يخرجون علينا ليحصوا أشجار الزيتون التي تم اقتلاعها والسيارات التي خطت عليها شعارات من قبل المستوطنين.
وهذا لا يقلل من أهمية العمل الميداني باتجاه مقاومة الاستيطان وانتشار الأطر التي تقوم بهذه المهمة رغم تراجع المد الكفاحي بشكل عام ومنه مقاومة الاستيطان، إلا أنني لا اقلل من أهمية الفعل على الأرض رغم انه لم يتحول إلى حالة نضالية كفاحية شاملة ومتصاعدة على المستوى الوطني.
عمليا، اعلن في أواسط العام 2009 وخلال العام 2010 عن مقاطعة منتجات المستوطنات وحظرها إلى أن صدر القانون بمرسوم في نيسان 2010، قانون حظر ومكافحة منتجات المستوطنات وإصدار قائمة بتلك المنتجات رغم سرعة تغيرها عبر إعادة التغليف، وتم إنشاء صندوق الكرامة لهذا الغرض.
ولا اقلل من أهمية الجهد الحكومي باتجاه إنشاء وزارة الدولة لمقاومة الجدار والاستيطان.
عمليا، بات ملحا وأساسيا موقف وطني شامل باتجاه منع العمل في المستوطنات، ليس كشعار بل كقرار ملزم وضمن آليات تساهم في إنفاذه وتكون وزارة العمل مكونا أساسيا من هذا القرار وإنفاذه، لأنه لم يعد منطقيا بالمطلق الإبقاء على العمل في المستوطنات ولا طبيعيا، ولم يعد مقبولا أن يكون هناك استثمار في المستوطنات بغض النظر عن حجمه تارة بحجة أنه لا يوجد بديل للاستثمار وأخرى أن التسهيلات اكبر وهنا لا نتحدث عن ظاهرة كبيرة في الاستثمار إلا أنها حاضرة، ولا يجوز لمن شاء أن يصنف حسب أهوائه أن تلك مستوطنة صناعية وليست استيطانا بالمعنى الحرفي!!!!
اعلم أن الدنيا ستقوم ولن تقعد إذا فتح بشكل جدي ملف منع العمل في المستوطنات، خصوصا أننا خضنا تجربة عدم شراء العجول من السوق الإسرائيلية والتوجه نحو الاستيراد المباشر فلم يعد هناك من لم يضع تدخلا في هذا الملف لضربه سواء من عيار «أين هي مزارعنا؟!!!»، «لا يوجد لدينا عجول؟!!!»، «لماذا بدأتم بالعجول؟!!!!»، وسينسحب الأمر على العمل في المستوطنات ويخرج علينا المتعجبون المذهولون ليقولوا، «وفروا لهم عملا!!!»، «اوجدوا لهم بديلا»، ولكن قرارا حكوميا تسنده كل مكونات المجتمع يتمكن من ذلك بعد أن تقود وزارة العمل هذا الجهد مع الاتحادات العمالية والكتل النقابية والشركاء الاجتماعيين من قوى الإنتاج وجمعيات حماية المستهلك الفلسطيني ومؤسسات الإقراض الصغير والمتوسط وغيرهم.
يجب أن نكون واثقين عندما نذهب صوب هذا القرار بأننا أصحاب إرادة صلبة وأنه ليس قرارا تخويفيا ومن ثم نخفف من أثره يوما بعد يوم لأن مقاول عمال هنا قدم مبررا، وان تجمعا هناك قاد حملة ضغط، إضافة لتوجه حقيقي بأن نتحمل معا سياسة الاحتلال ضدنا إذا ما خضنا في هذا الملف.
ولا بد من القيام برصد أي تعامل تجاري مع المستوطنات سواء من عيار تكميل الإنتاج في المستوطنات كونه أقل تكلفة أو شراء المادة الخام من المستوطنة ونحن نعلم ونبرر أننا ابتعناها ضمن المقاصة!!!!، وعمليات تبييض تمور المستوطنات وهذا أمر بالغ الأهمية، وشراء المبيدات الزراعية من محلات المستوطنات، والعلاقات الطبيعية مع متاجر ومولات المستوطنات بحجة أنها أرخص!!!!!!!!!!!
من الأهمية بمكان، أن يكون مديرو ملف مقاطعة منتجات المستوطنات والعمل فيها وغيره على قناعة بهذه المهمة الوطنية وأن يكونوا على ارتباط ضمن لجنة مركزة في وزارة الاختصاص ولجنة تنسيقية بين مجموع الوزارات المختصة والمؤسسات الشريكة، وعدم الدخول في نقاشات قد تفضي إلى استحالة إنجاز المهمة من عيار «ماذا سنفعل بمنتجات المستوطنات التي يتم ضبطها؟!!!!»، «هل يشمل القانون مستوطنات هضبة الجولان عندما نقول الأراضي الفلسطينية؟!!!!!».
عندما توفرت إرادة شعبية في العام 1999 وأطلقت مؤسسة تشاركية بين عدد من مؤسسات المجتمع المدني لمقاطعة منتجات المستوطنات تم إخراج ثلاثة عشر صنفا من تلك المنتجات من السوق وتم إغلاق بعض المصانع، ولم يكن الأمر سهلا فقد تمت ممارسة ضغوط، وفي ذات الوقت حوافز من نوع أننا جاهزون للتبرع للمستشفيات الفلسطينية باسم تلك المصانع، وأننا على استعداد لفتح مصانعنا بدلا من المستوطنات داخل المدن الفلسطينية، وكان هناك تلويح من باب أين ستذهبون بالعمال؟ حتى أن احد أصحاب تلك المصانع نشر إعلانا بحجم نصف صفحة في صحيفة أوضح فيه الآثار السلبية للمقاطعة على العمال الفلسطينيين واسرهم.
اليوم، نحن أحوج ما نكون إلى إعادة الاعتبار والحزم القانوني وتشديد العقوبات بخصوص منتجات المستوطنات، والعمل على منع العمل في المستوطنات، أكثر من حاجتنا لتكرار الحديث عن أخطار الاستيطان.
دعونا نبدأ يدا بيد، وليكن هناك قرار حكومي وتكليف وزارة العمل بالأمر وتشكيل فريق مركز لهذا العمل، وفي ذات الوقت الاستمرار بالتشدد في مقاطعة منتجات المستوطنات سابقا لمراجعة القانون.