حان الوقت لـ «ردع» ملك الأردن

حجم الخط

غزة - بقلم: كارولين غليك


عُلم، الثلاثاء الماضي، أن فكتوريا كوتس، نائبة مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، استضافت سفراء المغرب، البحرين، الإمارات، وسلطنة عُمان في البيت الابيض. طلبت كوتس منهم موقفا من إمكانية أن توقع دولهم على اتفاقات عدم قتال مع إسرائيل.
ومن خلال النبأ عن اللقاء نتعرف إلى أن ادارة ترامب تتبنى مبادرة إسرائيل لعقد مثل هذه الاتفاقات، التي هي أقل من اتفاقات سلام، ولكنها تعمل عمليا على تطبيع العلاقات بيننا وبينهم. وذلك كجزء من سياسة بعيدة المدى لرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، لقلب الترتيب السياسي. حتى الآن، اتفق الجميع على أنه يتعين على إسرائيل أولا ان تتوصل الى سلام مع م.ت.ف، وفقط بعد ذلك تتمكن من تحقيق تطبيع العلاقات مع الدول العربية. منح هذا الفهم م.ت.ف حق الفيتو على السلام الاقليمي.
من خلال بناء علاقات مستقرة مع دول المنطقة، على أساس المصالح المشتركة، يعمل نتنياهو منذ سنين على الغاء فيتو م.ت.ف. ومجرد انعقاد لقاء كوتس في البيت الابيض هو مؤشر إلى نجاح خطواته.
في الكلمة التي ألقاها نتنياهو في الكنيست بمناسبة 25 سنة على اتفاق السلام مع الأردن شرح بأن أساس السلام بين إسرائيل والأردن ومصر هو قوة الردع الإسرائيلية. وعلى حد قوله فانه «كلما كنا اقوى كانوا معنا. كلما كنا اضعف فان اتفاقات السلام هي الاخرى ستتهاوى». وكيف هو السلام معهم؟ بالفعل السلام مع مصر في وضع جيد جدا حاليا. في السنوات الاخيرة، ساعد الرئيس السيسي على تطوير علاقاتنا مع دول الخليج.
أما بالنسبة للأردن، فالوضع معاكس. عندما نقارن السلام العملي السائد بيننا وبين الدول السنية بوضع علاقاتنا مع الأردن يثور السؤال ماذا يساوي هذا السلام؟ حسنا، عندنا حدود سلام طويلة وهادئة تسمح لنا بالإبقاء على جيش إسرائيلي صغير نسبيا. ولكن حتى قبل السلام حافظ الأردنيون على الحدود. وكم يمكن الاعتماد على أن هذه الحدود ستبقى محفوظة على مدى الزمن؟ في الزمن الأخير أخذ وضع العلاقات بالتفاقم من أسبوع لأسبوع.

«اهتزاز العمود الفقري للنظام»
خذوا مثلا الاسابيع الثلاثة الاخيرة. قبل اسبوع فقط، شاهد الجيش الإسرائيلي مناورة اركان تشبه حربا مع إسرائيل. وشاركت في المناورة قوات متفوقة من الحرس الملكي التابعة للقيادة المركزية في الجيش الأردني، بمرافقة دبابات، طائرات قتالية، ومروحيات. وحسب تقرير وكالة الانباء الرسمية الأردنية «بتراء» كانت المناورة تشبه معركة دفاع لصد غزو من «الغرب» في ظل تدمير جسور العبور. بكلمات اخرى، كانت المناورة تشبه صداً لهجوم إسرائيلي.
أشرف الملك عبد الله على المناورة عن كثب، ووقف الى جانبه رئيس الوزراء، عمر الرزاز، ووزراء ملاحق عسكريين من دول غير منحازة. تجدر الاشارة الى أن اجراء المناورة، فما بالك سيرها بشكل علني هكذا، كان ظاهرا خرقا جوهريا لاتفاق السلام الذي يمنع النشاط العسكري المعادي.
قبل اسبوعين، في كلمة ألقاها الملك عبدالله في نيويورك أمام جمهور متعاطف من اليهود الأميركيين ادعى بان علاقات الأردن – إسرائيل تدهورت الى «نقطة دنيا»، واتهم إسرائيل بالمسؤولية عن ذلك.
قبل ثلاثة اسابيع أجرى عبد الله وابنه صلوات في جيبي تسوفر ونهاريم للاحتفال بتسليمهما الى الأردن من ايدي إسرائيل. وذلك بعد أن رفض الملك، بخلاف روح اتفاق السلام، تجديد اتفاق التأجير للجيبين لفترة اخرى من 25 سنة.
وهذا الاسبوع بدأت محاكمة المواطن الإسرائيلي، قسطنطين كتوف، في محكمة الأمن الأردنية. وكان كتوف اعتقل في نهاية تشرين الاول بعد أن اجتاز الحدود بشكل غير قانوني. وتوقعت إسرائيل أن يعاد اليها، الشهر الماضي، بالتوازي مع تحرير «مخربين» اردنيين كانا معتقلين في إسرائيل. هذا لم يحصل.
بالتوازي مع كل الخطوات الأردنية المعادية، كما أفيد في التقارير، ابرمت إسرائيل والأردن اتفاقا جديدا لتوريد المياه للمملكة. في اتفاق السلام، تعهدت إسرائيل بان تسلم الأردن 50 مليون متر مكعب من المياه في السنة. وضوعفت الكمية الى 100 مليون متر مكعب في 2016. وابقيت تفاصيل الاتفاق الاخير في السر. ولكن التقدير هو ان إسرائيل وافقت على ان تزيد كمية المياه المحولة الى الأردن من منشآت التحلية وعبر بحيرة طبريا.
التفسير لسلوك إسرائيل واضح. فإسرائيل معنية بالحفاظ على السلام مع الأردن. فالسلام مع الأردن يمر عبر الحفاظ على الاسرة المالكة الهاشمية، التي توجد بذاتها تحت تهديد دائم من الشارع الأردني. وفي السنة الماضية شارك مئات آلاف الأردنيين في التظاهرات ضد نظام الملك عقب الوضع الاقتصادي المتردي للمملكة. واضطر الملك الى اقالة رئيس وزرائه كي يهدئ روع جمهور المحتجين الذي ضم لاول مرة عشائر بدوية تشكل العمود الفقري للنظام.
صحيح أن سبب سلوك اسرائيل تجاه عمان المعادية واضح، ولكن حان الوقت للفحص اذا كانت ثمة حاجة حقيقية لدفع الثمن المتزايد الذي يجبيه هذا السلوك من الدولة.

ضغط سياسي معتدل
ليس للأردن الكثير من الخيارات تجاه إسرائيل. فهو لا يمكنه أن يستخدم روافع ضغط اقتصادية ضدنا، كما أن قدرته على المس بنا سياسياً محدودة في عهد الرئيس ترامب. وعليه فإنه عندما يهددنا، يتوجه دوما لسلاح يوم الدين – إلغاء اتفاق السلام.
بخلاف الأردن، لدى إسرائيل غير قليل من روافع الضغط. والدليل على ذلك رأيناه، هذا الأسبوع. يوم الثلاثاء، رفضت قوات أُردنية في معبر الحدود مع العقبة السماح لوفد من نواب رؤساء البلديات الإسرائيلية الدخول الى الأردن في رحلة يومية الى البتراء. وذلك لأن بعض الإسرائيليين كانوا يرتدون ملابس دينية.
مع صدور نبأ الحادثة الخطيرة، أبلغ وزير الداخلية، آريه درعي، الأردن بأنه كخطوة عقابية يوشك على الغاء تأشيرات عمل مواطني الأردن في إسرائيل، بما في ذلك في إيلات. وفي رد سريع الغى الأردنيون الحظر الذي فرضوه على دخول الإسرائيليين بقبعاتهم ورموزهم الدينية.
إسرائيل عمليا ضامنة لبقاء الاقتصاد الأردني، ومن المجدي لها ان تعترف بالخيارات التي تمنحها لها مكانتها. فمثلا لا تحتاج إسرائيل لتلغي توريد المياه الى الأردن. يمكنها ببساطة أن تعلن عن مراجعة لكميات المياه التي يمكنها أن توردها الى الأردن فوق الخمسين مليون متر مكعب التي اتفق عليها في اتفاق السلام.
بالمناسبة، في ضوء تحسن علاقات إسرائيل مع السعودية المعادية للفلسطينيين، وبرودة علاقاتها مع عمان المؤيدة للفلسطينيين في كل استفزازاتهم ضد إسرائيل، يمكن لإسرائيل أن تعلن أيضاً عن مراجعة للترتيبات في الحرم. إضافة الى ذلك، في ضوء التحولات الاستراتيجية الإقليمية، يجدر بوزارة الدفاع أن تفحص إمكانيات زيادة حجم قوات الجيش الإسرائيلي. كان ينبغي لمثل هذا الفحص ان يجري منذ زمن بعيد. يمكن عمله الآن، في ضوء المناورة المعادية للجيش الأردني.
السلام مع الأردن، مثلما هو بقاء الأسرة المالكة الهاشمية، هما مصلحة استراتيجية لإسرائيل. ومع ذلك نتنياهو محق. سلامنا مع جيراننا يقوم أولا وقبل كل شيء على قوة ردعنا. من شدة القلق على الملك، يبدو أننا نسينا أنه هو أيضا ينبغي ردعه. حان الوقت لاصلاح الوضع.

عن «إسرائيل اليوم»