الفلسطينيون وسط تطورات إقليمية عاصفة

حجم الخط

بقلم مروان كنفاني

 

 تعدّ الانتخابات الفلسطينية القادمة الفرصة الأخيرة للشعب لتحقيق وحدته وقوته واحترام العالم له، أو قد تكون طعنة الموت النهائي لوجود فلسطين موحّدة وواعدة.

التداعيات الإقليمية تبقى عاملا حاسما في رسم بوصلة الكثير من التفاعلات الفلسطينية

تشهد المنطقة تطورات هامة ومتسارعة، سوف تغيّر الصورة العامة التي اتسمت بها خلال سنوات طويلة، في ظل تغيرات في دول تقع على أطراف الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، تضاف إليها أيضا أحداث في بلاد بعيدة لها تأثير على ما يدور في منطقة الشرق الأوسط. ومن المؤكد أن هذه التطورات ترخي بظلالها على ما يجري على الساحة الفلسطينية-الإسرائيلية. فأين نحن، الفلسطينيون، من تلك التطورات؟

تعيش إيران حالة من الارتباك الداخلي والإقليمي، ولا أحد يستطيع القطع إلى أين ستستقر سفينتها، وهي التي تبدي اهتماما كبيرا بالقضية الفلسطينية، ولها علاقات مع بعض الفصائل منذ زمن، في سياق حساباتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

بدأت بعض القوى الفلسطينية تعيد قراءة المشهد في المنطقة، وتتحسّب من التغيرات المتوقعة في بعض قواعد اللعبة، وما تعكسه من توازنات جديدة مع رحلة الصعود والهبوط، والتبدّل في المعادلات التي تقيمها قوى رئيسية، والتي تفضي في النهاية إلى تأثيرات على جوانب مختلفة في القضية الفلسطينية.

خلال أسابيع أو أشهر معدودات سوف تُحسم أزمة القيادة الإسرائيلية بفوز بنيامين نتانياهو وحزب الليكود، أو بيني غانتس وتجمّع أبيض أزرق. وكلاهما على صلة بالأسس المرتبطة بالأمن الإسرائيلي والتوسع الاستيطاني والسيطرة الكاملة، وبالفلسطينيين وأهدافهم وأمنهم وحريتهم واقتصادهم.

هناك بوادر سلام بين دول الخليج العربي، ومحاولات لوقف الحروب والخلافات التي أنهكت البعض، هل سيمتد هذا الصلح للأطراف الفلسطينية المتحالفة مع بعض دول الخليج

قد تتوقف حكومة أبيض أزرق عن الاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية أو بناء مستوطنات جديدة، لكنها لن تعيد ما سلبه نتانياهو من أراض أو شيّده من مستوطنات. لن تكون حكومة إسرائيل الجديدة فيما لو تمكّن غانتس من تشكيلها سهلة في التعامل مع الفلسطينيين، خاصة في قطاع غزة، لأن الرأي العام الإسرائيلي سوف يدعمها وفق استطاعتها في وقف الصواريخ التي تنهار من غزة نحو المدن والقرى الحدودية الإسرائيلية. الأمر الذي تعهّد قادة تجمّع أبيض أزرق، ذوو الخلفية العسكرية، بالتصدي له بأي ثمن.

الفلسطينيون، في ما يتعلق بانتخابات أخرى، لا زالوا ينتظرون ملاحظات الرئيس محمود عباس، على رسالة إسماعيل هنية، المسؤول الأول في حركة حماس، حول الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي لا زال الطرفان المهيمنان على ما تبقى من الأرض الفلسطينية يتفاوضان حولها منذ أكثر من عقد من الزمن.

من الواضح أن حماس تبدو مهتمة ومشغولة بمفاوضات أخرى مع إسرائيل، وليس مع حركة فتح، للتوصل إلى تسهيلات وترتيبات وموانئ وقرى في البحر. ولا يستطيع أحد أن يجزم بأن التوسع البحري المنشود هو جزء يضاف إلى الدولة الفلسطينية التي بدت بوادرها في اتفاق أوسلو، أو لمجرد توسيع إمارة غزة الحمساوية.

هناك انتخابات ثالثة قادمة ذات تأثير كبير أيضا على ما يجري في الشرق من أحداث وحروب، وهي الانتخابات الأميركية، حيث يفتتح البازار كل أربع سنوات للمزيد من الدعم لإسرائيل والقوة والتميّز لجيشها ونجاح اقتصادها.

لكن المفاجأة جاءت هذه المرة من مجلس النواب الأميركي، دون أي جهد أو مبادرة من الجانب الفلسطيني، حيث أصدر مؤخرا تأكيده لدعم حل الدولتين الذي كان مدعوما من غالبية الإدارات الأميركية السابقة والذي تجاهلته إدارة الرئيس دونالد ترامب الحالية. كيف يمكن للفلسطينيين البناء على هذا التطوّر اللافت للنظر؟

ثمة بوادر حرب إقليمية قد تنفجر في أي لحظة في البحر المتوسط، جنوب دولة قبرص اليونانية بين الجشع التركي للنفط والغاز والتواجد، وبين دول منها مصر واليونان وقبرص التي تملك الشرعية الدولية للسيطرة على تلك المياه وفق القانون الدولي للبحار. أين سيقف الفلسطينيون من هذا النزاع الأقرب الذي يختلفون في الموقف عنه؟ وما هو موقف حماس التي بدأ الأحد رئيس مكتبها السياسي زيارة لتركيا؟

هناك بوادر سلام بين دول الخليج العربي، ومحاولات لوقف الحروب والخلافات التي أنهكت البعض، هل سيمتد هذا الصلح للأطراف الفلسطينية المتحالفة مع بعض دول الخليج، مثل فتح وحماس؟ هل الفلسطينيون في حالة عداء أم سلام مع إيران، أم أن البعض مسالم والبعض الآخر غير مهتم؟

وأخيرا، الوضعان اللبناني والعراقي، ولم يتبيّن بعد مصيرهما. وهو أمر خطير قد يتجه لصدام داخلي، حيث يعيش في لبنان مئات الآلاف من الفلسطينيين المهددين بدفع ثمن تصاعد العنف. هل ستحمي حماس هؤلاء بعلاقاتها المتينة مع إيران ومع حزب الله، أم تتولى حركة فتح الدفاع عنهم، انطلاقا من علاقاتها المتينة مع غالبية دول الخليج؟

كل هذه الأمور تحيط بالقرار الفلسطيني وتتطلب المزيد من الاهتمام والمعالجة وتوفير الحلول الصائبة، بينما يبدو الفلسطينيون غارقين في محاولات التوصل إلى اتفاق طويل المدى مع إسرائيل، أو التأكد من فحوى رد حركة حماس على دعوة الرئيس عباس لها للمشاركة في الانتخابات.

بدأت بعض القوى الفلسطينية تعيد قراءة المشهد في المنطقة، وتتحسّب من التغيرات المتوقعة في بعض قواعد اللعبة، وما تعكسه من توازنات جديدة مع رحلة الصعود والهبوط، والتبدّل في المعادلات التي تقيمها قوى رئيسية

يعلم الجميع أن الخطوة الأولى لتمكين الفلسطينيين وتحقيق الأهداف الشرعية ومواجهة التطورات التي تحيط بهم، هي التوحّد ليصبح الشعب واحدا والقيادة موحدة منتخبة تعبّر عن جميع الأطياف. ويبدو هذا الأمر صعبا، لكنه ليس مستحيلا. لقد واجه الشعب الفلسطيني مصاعب وأزمات هائلة خلال مسيرته الطويلة والشاقة واستطاع هزيمتها بوحدته وتمسكه بأرضه.

تعدّ الانتخابات الفلسطينية القادمة الفرصة الأخيرة للشعب لتحقيق وحدته وقوته واحترام العالم له، أو قد تكون طعنة الموت النهائي لوجود فلسطين موحّدة وواعدة.

وعلى العكس، فإن احتمال نجاح إجراء انتخابات نزيهة وعامة لدى العديد من المراقبين والمختصّين ضعيف ويكاد يكون منعدما، والخوف من أن الانتخابات المنشودة بكاملها لن تتحقق.

تدرك حركة حماس أنها لن تتمكن من الفوز في الانتخابات القادمة ولو تمكّنت من نيل معظم الأصوات، لأن فتح سوف تطعن في نزاهة الانتخابات في ما يتعلق بقطاع غزة، ولأن إسرائيل لن تقبلها في الضفة الغربية، إلا بأوراق اعتماد مختلفة وتنازلات قد تكون أكثر مما ورد في اتفاق السلام الفلسطيني الإسرائيلي عام 1993 وملحقاته.

قد تفوز حماس في غزة لأسباب يعرفها الجميع، وسوف تطعن في نزاهة الانتخابات في ما يتعلق بالضفة الغربية، لكن سوف تستمر في السيطرة على وجودها وقيادتها في القطاع كما هي اليوم. وغاية فتح في الانتخابات الفوز بالضفة الغربية والخسارة في غزة، وتستمر في السيطرة على الضفة الغربية، كما هي اليوم أيضا، “ويا دار ما زارك شر”. لكن ستبقى التداعيات الإقليمية عاملا حاسما في رسم بوصلة الكثير من التفاعلات الفلسطينية.