بن تبون والمرحلة القادمة

عبير بشير.jpg
حجم الخط

عبير بشير

الجزائر بلاد لها تكوين خاص في التاريخ والأرض والناس، ولها خصوصيتها المعقدة تاريخياً واجتماعياً وسياسياً، والتي تتداخل بها السلطة بالنظام بالوطن.
والجزائر هي أكثر من جزيرة، وخاصة في جغرافيا السيولة السياسية التي لا يهدأ تدفقها منذ إعلان مهندس الكيان السياسي عبد العزيز بوتفليقة الترشح لعهدة رئاسية خامسة، من على كرسيه المتحرك في شباط الماضي.
ومن ذلك التاريخ، لم تعد المطالبات تقف عند المطالبة بمغادرة عبد العزيز سدة الرئاسة، بل صارت أكبر وأكبر: تغيير النظام، ومغادرة كل رموزه، والشروع في تأسيس الجمهورية الثانية، بدستور جديد، ووجوه جديدة.
هنا صارت العملية أعقد وأكثر كلفة. فهل من السهل اقتلاع جبل السلطة الذي تصلبت أحجاره على الأرض لعقود، وتغلغل في كل مفاصل الدولة. تلك الأصوات هي أقرب إلى الرغبوية، منها إلى الواقعية، بعد ما شهده العراق بعد عملية اجتثاث البعث بعد 2003، وقانون العزل الذي فرض في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي، والذي تسبب في تفكيك الدولتين، وليس النظامين الفاسدين.
لا يكفي أن يفوز عبد المجيد تبون – وهو رئيس وزراء سابق في عهد بوتفليقة- برئاسة الجزائر، لنقول إن الأزمة الجزائرية، قد وضعت على سكة الحل. فقد توجه الجزائريون إلى صناديق الانتخابات لاختيار رئيس للجمهورية وسط طوفان الشارع الغاضب الذي يرفض إجراء الانتخابات تحت إشراف حكومة من بقايا عهد بوتفليقة، وأن يترشح لهذه الانتخابات رموز من هذا العهد، رافقها إصرار قائد الجيش أحمد قايد صالح على إجرائها في التاريخ المحدد وفقاً للدستور.
ولا يكفي أن يغازل عبد المجيد تبون الحراك في الجزائر، بدعوته للحوار بعيد انتخابه، ولا أن يتحدث عن دستور جديد وعن قانون انتخابي جديد وحتى عن «جزائر جديدة»، ليؤشر الى أن كل شيء على ما يرام، خصوصا أن هناك الكثير من يراه أنه أحد رموز بوتفليقة الذي عليه الرحيل، ولا يوجد تجاوب شعبي معه، لا في العاصمة ولا في المدن الكبرى ولا في الريف، ولا في مناطق تسمى «قبايلية» فيها أكثرية أمازيغية كان يمكن أن تستهويها أصول تبون.
ويصعب على الجزائريين تصديق خطاب ذي طابع إصلاحي يصدر عن رجل أمضى خمسين عاماً في خدمة نظام العام 1965 الذي في أساسه المؤسسة العسكرية.
ويخشى الحراك الشعبي في الجزائر بعد الانتخابات الرئاسية أن تحاول المؤسسة العسكرية إعادة إنتاج النظام نفسه الذي أسسه هواري بومدين في العام 1965، مع بعض الرتوش، والتي تتمثل في إيجاد شخص يحمل لقب رئيس الجمهورية يوضع في الواجهة، في حين أن الحاكم الفعلي يظل الجيش والمؤسسة العسكرية، حيث للجيش في الجزائر مكان عالٍ في جبل السلطة الصلب، منذ كانت حقبة حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي والتي صنعت المعمل الذي ينتج القيادات العسكرية والسياسية في الجزائر عبر حزب جبهة التحرير.
ليس سرا أن الحراك الشعبي في الجزائر حقق الكثير بدعم خفي من الجيش طبعا، وهو الذي كان وراء إفشال محاولة إعادة انتخاب  بوتفليقة لولاية خامسة.
وليس سرا أن الجيش ما زالت يحتكر السلطة، منذ عهد هواري بو مدين.
وهناك دائماً معايير محددة للجيش في اختيار رئيس جديد، فهو يجب أن ينتمي إلى طبقة سياسية او عسكرية مألوفة له، مثل هذا الرئيس الآمن، الذي يعرف حدود سلطته، سيكون أفضل واجهة مدنية لها.
هذا هو الدور المطلوب من رئيس الجمهورية الجديد، وهو دور رفض بوتفليقة تأديته في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، بسبب شعوره بامتلاك شرعية تاريخية مستمدة من كونه الشخص الأقرب لهواري بومدين. ثم جاءت المؤسسة العسكرية- مضطرة- بعبد العزيز بوتفليقة رئيساً في العام 1999 بعد العشرية السوداء.
وعمل عبدالعزيز بوتفليقة بعد انتخابه في 1999، على إضعاف النظام الأمني – العسكري. في الجزائر، كان لدى بوتفليقة حساب يريد تصفيته مع الجيش الذي حرمه من الرئاسة في بداية العام 1979 بعيد وفاة بومدين. اختار الجيش وقتذاك العقيد الشاذلي بن جديد، أقدم الضباط الذين يحملون رتبة عقيد، لتولي الرئاسة مستبعداً بوتفليقة ومحمد صالح يحياوي.
وغض بوتفليقه النظر عن نظام تسيطر عليه مجموعة موالية له، وصارت في الجزائر مافيا مدنية للبزنس والسمسرة والتهريب، بديلة من المافيا العسكرية التي كانت تتحكم بكل القطاعات المنتجة في البلد. ولم يكن بوتفليقة يسعى إلى ولاية رئاسية خامسة، ولكن أفراد الحلقة الضيقة التي كانت تحيط به، كانت تريده لولاية خامسة، رغم عجزه، ورغم كون ذلك مهزلة ما بعدها مهزلة، فقد كانت هذه الدائرة تدافع عن وجودها، وعن شبكة مصالحها.
بقيت الجزائر في عهد بوتفليقة أسيرة سعر النفط والغاز، لم يسمح النظام للبلد باستغلال ثروات البلد، خصوصا أن في استطاعة الجزائر جذب الملايين من السياح في السنة نظراً إلى أنها أحد أجمل البلدان المطلّة على المتوسط، إضافة إلى امتلاك جبال ومناطق صحراوية شاسعة.
هناك قوة جديدة في الجزائر تتكون في غالبيتها من الشباب الذي ترعرع في بيئة مختلفة عن تلك التي شكلت ثقافة وعقلية الطبقة التي قادت البلاد في سنوات الجهاد ضد المستعمر الفرنسي. الرئيس عبد العزيز بوتفليقة هو الاسم الأخير في الجيل الذي يحمل هوية المجاهد والسياسي المؤسس لدولة الاستقلال.
يعرف النظام القائم  في الجزائر بجناحيه السياسي والعسكري، ذلك  جيدا، وهو يتحرك في فضاء قلق، فهو يخشى من إسقاط النظام في الجزائر، بما يعني إسقاط الدولة بل إسقاط الوطن، وهو في نفس الوقت يدرك حتمية التغيير في الجزائر.