الميثاق الوطني الفلسطيني لم يلغَ فعلياً

حجم الخط

وكالة خبر


ادعى عكيفا إلداد ، أن الميثاق الفلسطيني قد أُلغي «هآرتس» 22/12). أود أن أقدم الوقائع في هذا الشأن.
أجري عشية يوم الاستقلال في 1996  مثلما في كل عام في مقر وزارة الدفاع في تل أبيب حفل استقبال لآلاف المشاركين.
 تجمع في  الوقت نفسه في غزة المئات من أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني الذي انعقد في جلسته العشرين. فقط هذا الجسم، وبأغلبية ثلثي أعضائه، قادر على تغيير الميثاق الفلسطيني الذي يدعو إلى تدمير إسرائيل.
حددت الانتخابات للكنيست  لتجرى في أيار 1996، بعد أن تم تبكيرها بمبادرة حزب العمل، كان إلغاء بنود تدمير إسرائيل في الميثاق الوطني قبل شهر من الانتخابات  عنصراً حيوياً لفوز حزب العمل حيث إنه في الأشهر السابقة روَّعت إسرائيل عمليات تفجير أسقطت العديد من القتلى.
 رفضت قيادة منظمة التحرير المرة تلو الأخرى تطبيق التعهدات التي أعطاها ياسر عرفات في رسالته لرئيس الحكومة إسحق رابين في 9 آذار 1993، «بتقديم التغييرات المطلوبة (في الميثاق) لمصادقة رسمية من قبل المجلس الوطني الفلسطيني».
الآن حان الوقت. حكومة إسرائيل، والتي تعلمت أنه يجب عدم الوثوق بوعود عرفات، لم تترك الأمور للصدفة:  أملت الحكومة على عرفات، حرفياً، بالانجليزية الصيغة المطلوبة لقرار المجلس الوطني بالعربية.
ولكن قبل يومين من انعقاد المجلس أبلغ عرفات حكومة إسرائيل، أنه ليس بإمكانه تمرير هذه الصيغة.
دون تأخير، اتفقت الحكومة مع عرفات على صيغة جديدة، أقل تشدداً وأقل إلزاماً من سابقتها. عرفنا عن هذه المناورة  فقط بعد سنتين، من مقال ليوئيل زينجر المستشار القانوني لوزارة الخارجية، الذي كان من بين من صاغوا القرار للمجلس الوطني الفلسطيني («الحقيقة عن الميثاق» 16/9/1998).
بمعرفتهم أن العملية منتهية ومحسومة، انتظر كبار أعضاء الحكومة في تل أبيب البيان الذي كان متوقعاً صدوره من غزة، وفي اللحظة التي صدر فيها البيان جاءت البشرى من رئيس الحكومة ووزير الدفاع: «هذا هو الحدث الأهم في الشرق الأوسط في المئة سنة الأخيرة».
انتظرت في بيتي في القدس  بيان يجئال كرمون والذي كان حتى منتصف 1993 مستشار محاربة الإرهاب لرئيسي الحكومة إسحق شامير ورابين. انتظر كرمون   البيان الرسمي لمنظمة التحرير بالعربية، عن طريق وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية «وفا».
 تأخر النشر عدة ساعات، وطلبت من البروفيسور يهوشع (شوكة بورات)، الخبير في الحركة الوطنية الفلسطينية والذي توفي قبل عدة أسابيع، أن ينتظرني في بيته حتى أحضر له البشارة. حوالى منتصف الليل، استلمت بالفاكس البيان وسارعت إليه.  قرأه بورات بعناية وقال فوراً ودون تردد: لا يوجد هنا أي إلغاء للميثاق، هذه عملية احتيال.
وهذا حقاً ما كان: خدع عرفات ثانيةً حكومة إسرائيل. من أجل أن نفهم التفافات الصيغة في بيان «م.ت.ف» أذكر القرّاء بأن العديد منهم أعلنوا طوال سنوات بأنهم «قرروا» التوقف عن التدخين ولكنهم لم يتوقفوا، وهكذا في البيان الرسمي لـ م.ت.ف، ورد بأن: «المجلس قرر تعديل بنود الميثاق الوطني».
صحيح أنه ورد في البيان أن المجلس فوّض اللجنة القانونية بصياغة قرار جديد. وهكذا - قرر التعديل.  لم تجتمع اللجنة في يوم من الأيام ولم يكن هنالك أي تعديل.
قال يورم أريدور في تلك الأيام، إن: «عرفات لا يحترم الاتفاقات، ولكنه يحترم جداً المواثيق».
هذه المهزلة بلغت ذروتها عندما سئل رؤساء «م.ت.ف» في نهاية نيسان وبداية آذار 1996، كم عدد البنود التي ستلغى من الميثاق. طبقاً لحيدر عبد الشافي- 2، وحسب ما يقول مندوب ممثل «م.ت.ف» في واشنطن - 6، نبيل شعث قال: «حسب شعوري فإن عدد البنود الملغاة هو 16»، رئيس اللجنة القانونية لـ «م.ت.ف» أعلن أنه سيلغى 21 بندا. وقد أحسن رئيس المجلس الوطني الفلسطيني سليم الزعنون عندما أعلن بعد 3 أسابيع من جلسة المجلس أنه «ليس هنالك حتى الآن بنود معينة تقرر شطبها من الميثاق».
نُشر بعد جلسة المجلس الوطني الفلسطيني مباشرةً في إعلان كبير كل القرارات باستثناء القرار بشأن القرار الفلسطيني. السبب كان بسيطاً: حكومة إسرائيل فهمت أنها خُدعت لكنها رفضت الاعتراف بذلك علناً وأجرت مفاوضات على صيغة جديدة من أجل أن تُنشر فيما بعد.
وبهذا، من الواضح أن كل الموضوع خدعة. في رسالة إلى بيل كلنتون في 1998 سجل عرفات أرقام الـ 28 بنداً في الميثاق التي ألغيت أو عدلت، لقد كان يستطيع أن يلغي كلامياً أيضاً بنوداً أخرى، ولكن لم يكن هنالك أي إلغاء والميثاق الأصلي ما زال سارياً.
العرض الكبير التالي أُخرج في كانون الأول 1998 عندما عُقد المجلس الوطني ثانيةً في غزة في جلسة بحضور الرئيس الأميركي كلينتون. القاعة كانت ممتلئة تماماً. ليس معروفاً كم من أعضاء المجلس شاركوا في استعراض التصويت برفع الأيدي على «إلغاء بنود الميثاق»، والأيدي المرفوعة لم تُحص مطلقاً. بعد مرور 20 عاماً - فإن الحقيقة الثابتة هي أنه حتى اليوم لم تُنشر صيغة مُعدلة لميثاق القتل.

عن «هآرتس»