خط أحمر أمام إيران

حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل



اتبعت الولايات المتحدة على مدى سبعة اشهر سياسة ضبط النفس الزائدة في الرد على هجمات ايران في الخليج الفارسي. أميركا ضبطت نفسها عندما قام حرس الثورة الايراني بتخريب السفن وناقلات النفط المرتبطة بصناعة النفط في الخليج في شهر أيار الماضي، وعادت إلى الروتين اليومي عندما دمروا منشآت نفط سعودية في شهر أيلول الماضي (الرئيس ترامب قال في حينه إن هذه مشكلة سعودية) وامتنعت عن الرد حتى عندما اسقطت ايران طائرة أميركية بدون طيار (الرئيس اوضح بمنطق أن أحدا لم يكن على متن الطائرة).
ولكن كان للأميركيين خط احمر واضح، كرروه عدة مرات. فقد هددوا بأنهم سيردون مباشرة اذا أضر الايرانيون برجالهم.
وفي نهاية الاسبوع الماضي حدث ذلك عندما قامت مليشيا شيعية مدعومة من ايران باطلاق 30 قذيفة تقريبا على قاعدة في مدينة كركوك في شمال العراق وقتل مواطن أميركي كان يعمل في المكان. الرد الأميركي المدوي سجل في يوم الاحد. قُصفت خمسة اهداف للمليشيات الشيعية، ثلاثة في العراق واثنان في سورية. وقتل على الاقل 25 شخصا في هذا الهجوم.
استهدفت العملية الأميركية اعادة اصلاح الردع امام ايران والتأكيد من جديد على الخط الاحمر. ولكن رغم الآمال في اسرائيل، هناك شك كبير اذا كانت هذه العملية ستؤدي الى تغيير السياسة الأميركية تجاه ايران.
تؤمن الادارة الأميركية بنظرية «الحد الاقصى من الضغط الاقتصادي» على طهران. وحتى الآن لم يظهر الرئيس أي دلائل على أنه مستعد لاستبدال العقوبات الاقتصادية بخطوات عسكرية، رغم الخطوات الواضحة التي قام بها الايرانيون. تدل التجربة المتراكمة مع ترامب على أن عملية عسكرية حاسمة لا تعبر بالضرورة عن تغيير السياسة.
أمر ترامب في ربيع العام 2017 بعد ضبط نظام الاسد وهو يستخدم بشكل فظ السلاح الكيميائي ضد المدنيين، بالقيام بهجوم عقابي بواسطة اطلاق صواريخ كروز على سورية. حظيت هذه العملية التي تم اعدادها بشكل متعمد كنقيض لضبط النفس الزائد الذي اتبعته ادارة اوباما في ظروف مشابهة، بالمديح والثناء في اسرائيل وفي دول الخليج. ولكنها لم تستمر. وترامب اكتفى بذلك. ومنذ ذلك الحين لم يتوقف عن التأرجح حول التواجد الأميركي في سورية. وفي مناسبتين في هذه السنة حسم الامر كليا الى أن استجاب لضغط جنرالاته وقام بتقليص عدد القوات التي انسحبت.
يواجه الأميركيون والايرانيون في العراق معارضة بسبب استمرار تواجدهم العسكري.
وفي البرلمان العراقي استمرت الجهود لتمرير قرار اخلاء 5 آلاف جندي أميركي من العراق، وهذه الجهود حظيت بزخم ما بعد القصف الجوي الذي نسب لاسرائيل ضد اهداف ايرانية في العراق في الصيف الماضي.
يواجه الايرانيون موجة مظاهرات عنيفة ضد الحكومة في بغداد، والتي رافقتها مشاعر صارخة مناهضة لايران. ومنذ بدء المظاهرات في شهر تشرين الاول الماضي قتل اكثر من 300 شخص في العراق، معظمهم من المتظاهرين.
وفي هذه الاثناء حدثت اضطرابات مناهضة لايران في جزء منها. ايضا في لبنان وفي ايران نفسها اندلعت موجة احتجاج شديدة ضد النظام الايراني.
السؤال هو من هو الطرف المصمم اكثر على الحفاظ على السيطرة في العراق، الذي تصفه اجهزة الاستخبارات الغربية كلبنة أولى للمحور الذي تحاول ايران ايجاده في المنطقة.
يوجد العراق في مركز الممر البري الذي يصل بين ايران وسورية ولبنان الذي بدأت ايران باستغلاله بشكل اكبر لنقل القوات والوسائل القتالية غربا منذ قام التحالف الدولي برئاسة الولايات المتحدة بطرد قوات داعش من المناطق الحدودية بين سورية والعراق.
هددت  المليشيات الشيعية في العراق بالرد الشديد على قتل رجالها في هجوم أميركا العقابي. وايران يمكنها الآن تفعيل المليشيات لتنفيذ هجمات اخرى ضد القوات الأميركية في العراق وتجديد الهجمات ضد السعودية ودولة الامارات، وحتى محاولة جر اسرائيل الى هذه المواجهة.
في الخلفية يجب أن نذكر بأنه يجري احتكاك مستمر بين اسرائيل وايران في سورية. وحسب التقارير في وسائل الاعلام العربية وتلميحات اسرائيل العلنية، هذا الصراع ينزلق ايضا نحو العراق. توقع رئيس الاركان افيف كوخافي في الاسبوع الماضي تفاقم المواجهة مع ايران في المنطقة الشمالية في السنة القادمة. بالنسبة لايران بقي هناك حساب مفتوح مع اسرائيل بعد الهجمات في سورية التي قتل فيها رجالها دون أن تنجح عمليات الرد التي قاموا بها بالحاق ضرر حقيقي باسرائيل.
لا تعكس العملية الأميركية في العراق قبل بضعة ايام على انتهاء السنة، حتى الآن أي تغيير في سياسة واشنطن على المدى البعيد، لكن طالما أنه لا يتم الابلاغ عن اختراق في الاتصالات غير المباشرة التي كما يبدو تستمر بين الطرفين بواسطة قنوات مختلفة، فان المواجهة العسكرية في الساحات المختلفة في الشرق الاوسط يتوقع أن تستمر. ويبدو أنها، باحتمال عال، ستشمل بدرجة ما اسرائيل.

عن «هآرتس»