نحو دورة ناجحة للمجلس الوطني الفلسطيني

Hamada-Farana
حجم الخط

قرار حكيم اتخذته اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بالتراجع عن مطالبتها المستعجلة لعقد دورة عادية للمجلس الوطني يوم 14 أيلول الجاري وتأجيل ذلك إلى موعد لاحق غير محدد حتى تتوفر الظروف الملائمة لعقد دورة ناجحة تشكل بالضرورة رافعة لمواصلة النضال الفلسطيني متعدد الأشكال والأفعال والأدوات، على الطريق الطويل التدريجي بهدف دحر المشروع العدواني الاستعماري التوسعي الإسرائيلي وهزيمته، واستعادة حقوق الشعب العربي الفلسطيني كاملة غير منقوصة: حقه في المساواة في مناطق 48، وحقه في الاستقلال في مناطق 67، وحق عودة اللاجئين إلى المدن والقرى التي طردوا منها واستعادة ممتلكاتهم فيها وعليها، وانتصار المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني. 
إجراء صائب مارسته اللجنة التنفيذية، بعد أن تلقت مطالبات فصائلية وشعبية وفدت من كل مكان سواء من داخل الوطن الفلسطيني بشقيه من مناطق 67 ومناطق 48، أو من خارج فلسطين، من الفلسطينيين أنفسهم الذين يؤيدون منظمة التحرير وينحازون لها، باعتبارها ممثلهم وقائدة نضالهم، أو من أشقاء عرب قريبين، ومن أصدقاء أجانب ولكنهم يحملون الود والإسناد للشعب الفلسطيني ولقيادته الشرعية ولخياراتها السياسية. 
في التقاليد الفلسطينية أن عقد دورة عادية أو غير عادية للمجلس الوطني، يتطلب سلسلة من التفاهمات المسبقة بين أطراف العملية السياسية الفلسطينية وصناع القرار ومن قوى الائتلاف السياسي الذي يقود الكل أو على الأقل الأغلبية العددية لضمان توفر النصاب القانوني وبما يوازي توفر الأغلبية السياسية، في إطار منظمة التحرير ومؤسساتها التمثيلية، تلك التقاليد المبنية على التفاهم والشراكة والائتلاف الوطني العريض من مختلف التجمعات والاتجاهات الفكرية الوطنية والقومية واليسارية والليبرالية والإسلامية، هي التي أدت إلى نجاح منظمة التحرير باعتبارها البيت الفلسطيني الجامع والمؤسسة التمثيلية الشرعية للشعب الفلسطيني والمعترف بها أمام الفلسطينيين أنفسهم وأمام العرب وأمام المجتمع الدولي، وبهذا كانت قوة انتصار المؤسسة وتدرج إنجازاتها، فقوة الشعب العربي الفلسطيني في وحدته وتماسكه أولاً، وفي عدالة قضيته ومطالبه ثانياً، وفي نضاله وعمله ثالثاً، وفي تضامن ودعم وإسناد المجتمع الدولي من عرب ومسلمين ومسيحيين وقوى مستنيرة رابعاً، ولهذا تعتمد العوامل الثلاثة اللاحقة على العامل الأول الأهم وهو وحدة الشعب عبر وحدة مؤسسته التمثيلية، والمجلس الوطني هو قاعدة هذه الوحدة والتحالف والائتلاف بين مختلف قواه الفاعلة الحزبية والجماهيرية ومعهم الشخصيات المستقلة الوازنة ذات الحضور النوعي. 
لم تتوفر الأرضية الملائمة لعقد دورة المجلس الوطني، فتراجع المطالبون، وطالبوا رئيس المجلس بقرار آخر بإلغاء قرار الدعوة وتأجيل الانعقاد، وعلى الرغم من التسرع الذي تم ولكنه تجربة جديدة تضاف لسجل التفاهم المشترك بين الرئاستين التنفيذية والتشريعية في منظمة التحرير.
يتطلع الشعب العربي الفلسطيني نحو عقد دورة ملائمة لمجلسهم الوطني يضمن مسألتين: النصاب القانوني والنصاب السياسي حتى تسير المؤسسة التمثيلية الفلسطينية بقوة ووحدة تقترب من الإجماع، والإجماع هنا بحضور ومشاركة كل من حركتي حماس والجهاد ولكنهما إن واصلتا الاستنكاف، فتبقى قوة منظمة التحرير بوحدة الفريق السياسي الذي يقودها وأساسه حركة فتح مع الشعبية والديمقراطية وشخصيات مستقلة وازنة. 
لقد تحققت خطوات ملموسة وتفاهمات عميقة في الاتفاقات التي تم التوصل إليها والتوقيع عليها في القاهرة وولدت الإطار القيادي المؤقت الذي شاركت فيه وخلاله كافة الفصائل وخاصة «حماس» و»الجهاد» و»الصاعقة» و»القيادة العامة» إضافة إلى فصائل التيار القومي المشارك في مؤسسات منظمة التحرير، وما تم التوصل إليه يجب الحفاظ عليه وتطويره، لأنه الملاذ السياسي والرافعة التنظيمية لمواصلة العمل ومواجهة التحديات وتفوق المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي الممعن في مواصلة مشروعه التوسعي في التهويد والأسرلة وعدم الاستجابة لحقوق الشعب الفلسطيني سواء بالمساواة في 48 أو الاستقلال في 67 أو العودة للاجئين واستعادة ممتلكاتهم في اللد ويافا وحيفا وصفد وبئر السبع. 
قد يُسجل البعض الفشل والإخفاق على مبادرة الدعوة لعقد المجلس الوطني، ولكن ذلك يمكن أن يتحول إلى قوة قرار وحُسن اختيار إذا تمت الاستجابة لمتطلبات الوحدة، والوحدة هنا تبدأ بالحفاظ على وحدة الفريق السياسي الذي يقود منظمة التحرير، وصولاً نحو التفاهم والشراكة والائتلاف الواسع الذي يجمع ويضم الفصائل والاتحادات والشخصيات وممثلي الجاليات الفلسطينية في العالم، ليكون الجميع أمام أنفسهم ويتحملوا معاً المسؤولية ويواصلوا الطريق ضد الاحتلال والعمل على هزيمته.