بعد إعلان الولايات المتحدة اغتيال قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني باستهداف سيارته في مطار بغداد فجر الجمعة الماضية، تترقب المنطقة "الرد الإيراني" الذي من المتوقع أنّ يتسع باتساع أذرعها في المنطقة سواءً في مياه الخليج أو العراق أو اليمن أو لبنان وصولاً إلى فلسطين التي أمدت فصائل المقاومة باختلاف أيدولوجياتها بالمال والسلاح في مواجهة العدوان الإسرائيلي.
التخوف من رد فلسطيني على عملية الاغتيال، دفع إسرائيل لنقل رسالة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي عبر الوسيط المصري، تُحذّر فيها من التدخل للرد على اغتيال سليماني، وذلك وفقاً لوسائل إعلام عبرية نقلت الخبر أمس.
كما أعلنت وزارة الخارجية وأجهزة الأمن الإسرائيلية رفع حالة التأهب الأمنية، وتعزيز الحراسة في كافة سفاراتها وممثلياتها حول العالم خشية أعمال انتقامية إثر اغتيال سليماني.
ولم تُشر إسرائيل إلى تهديدات محددة، لكنّها ألمحت بعد عمليات اغتيال مشابهة إلى إمكانية شنّ هجمات من الأراضي الفلسطينية ولبنان وسوريا من قبل حزب الله اللبناني ومجموعات إيرانية.
موقف محسوب
استبعد الكاتب والمحلل السياسي عبد المجيد سويلم، أنّ ترد الفصائل الفلسطينية على عملية اغتيال سليماني حتى لو طلبت إيران الرد، مُعللاً ذلك بأنّ الفصائل تُدرك العواقب الكبيرة التي لا تستطيع تحملها، وإنّ كانت تدعي عكس هذا الأمر.
من جهته، رأى الباحث والمحلل السياسي حمزة أبو شنب، أنّ "التحذيرات التي صدرت عن الإعلام الصهيوني للمقاومة الفلسطينية، لا يمكن البناء عليها؛ ما لم يتم تأكيدها من أي مصدر فلسطيني"؛ مُوضحاً أنّ الفصائل أثبتت على مدار الفترات السابقة أنّها لا تكترث لأي رسائل، ما لم يوجد شيئ يتعلق بمصلحة المقاومة.
وبيّن سويلم خلال حديثه لوكالة "خبر" أنّ الانشغال الرئيسي للفصائل الآن هو "التهدئة" والإبقاء على الحكم في قطاع غزّة، مُرجحاً عدم وجود خطط لدى الفصائل للانخراط في أي عملية عسكرية كبيرة قد تندلع في المنطقة، لأنّها ستقضي على طموحاتهم وأحلامهم، خاصة إنّ كانت الأمور تتعلق بحركة حماس، وفق حديثه.
وأكّد أبو شنب لـ"خبر" على أنّ استراتيجية العمل الوطني الفلسطيني لا تعمل وفق رؤى محدودة؛ بل وفق رؤى شاملة متكاملة مبنية على مصالح واستراتيجيات عمل المقاومة الفلسطينية، حيث تتحرك الفصائل بناءً عليها بما يخدم أهدافها.
الفصائل تُقيم بيت عزاء في غزّة
أقامت الفصائل الفلسطينية أمس السبت، بيت عزاء بمقتل سليماني في مدينة غزّة، بمشاركة عدد كبير من الفصائل بينها حماس والجهاد الإسلامي.
وانضم قادة حركتي "حماس" التي تحكم غزّة، والجهاد الإسلامي، المدعومتين من إيران، إلى المعزين في سرادق أقيم لتلقي العزاء في سليماني بوسط مدينة غزّة.
كما وضع المتواجدون ببيت العزاء أعلام الولايات المتحدة وإسرائيل على الأرض ليسير عليها الزائرون عند دخولهم، وعُلقت صور سليماني على الجدران، وأُضرمت النار فيما بعد بتلك الأعلام.
وفي الإطار ذاته، أصدر رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، تعميماً داخلياً جاء فيه أنّ اغتيال سليماني "سيكون له تداعيات خطيرة على المنطقة وفلسطين".
وذكر هنية: "أنّ قيادة حماس تُتابع التطورات والتداعيات وستتخذ المواقف اللازمة"، مُطالباً الهيئات ذات الصلة في الحركة بالالتزام بالمواقف الصادرة عن قيادة الحركة بهذا الخصوص.
علاقية ليست وليدة اللحظة
قال سويلم: "إنّ الانخراط في أي معركة قابل للنقاش من وجهة نظر حركة الجهاد الإسلامي؛ لكنّ ليس من خلال معارك شاملة وغير واضحة"، مُنوّهاً إلى أنّه من الممكن أنّ تندلع معارك في لحظة معينة تتحول إلى حرب كبيرة، وتُصبح فيها المشاركة إقليمية وليس بين إيران والولايات المتحدة، حيث تضطر قوى في العراق ولبنان إلى الدخول في المعركة وفي هذه الحالة من الممكن أنّ تكون الحركة طرفاً بهذه الحرب.
وحول اكتفاء الفصائل برفض عملية الاغتيال من خلال بيت عزاء في مدينة غزّة، اعتقد أبو شنب أنّ "علاقة الفصائل والجنرال سليماني ليست وليدة اللحظة؛ لأنّ كل المهتمين بشأن المقاومة يُدركون أنه لعب دورًا مهماً خلال العدوان على غزة عام 2008 من خلال مده بالسلاح"، مُشيراً في ذات الوقت إلى أنّ سليماني قدّمَ خلال عدوان 2014 كل ما لديه من خبرات لإسناد المقاومة، لذلك أقيم بيت العزاء.
فيما اختلف سويلم مهع سابقه، حيث اعتبر أنّه لم يكن من الضروري إقامة بيت عزاء لسليماني في غزة، موضحاً أنّ ذلك ليس تقليلاً من شأن الرجل أو الوقوف مع طرف على حساب الآخر، بل من منطلق سياسة النأي بالنفس، وعدم إضعاف المواقف السياسية، حيث تقتضي المصلحة الفلسطينية إنشاد برنامج وطني وإعلاء المصالح العليا للشعب الفلسطيني التي تتجسد بالتحرير والاستقلال وإنهاء الانقسام.
كما لفت سويلم إلى أنّ السلطة الفلسطينية لم تُعقب على اغتيال سليماني إلا من منطلق رفض الاغتيالات والبلطجة لتخفيف حدة التوتر الراهنة، مُعتقداً أنّ السلطة غير راغبة بتسجيل أي موقف لا يخدم الشعب الفلسطيني.
التهدئة وسليماني
أوضح سويلم لـ"خبر" أنّ ملف التهدئة مرتبط باجتماع المجلس الوزراي الإسرائيلي المصغر "الكابنيت" المقرر عقده اليوم، مُبيّناً أنّ للتهدئة معالم واضحة، حيث بدأت وسائل الإعلام العبرية، بتسريب بنودها قبل الاجتماع، والتي تتضمن قرارات حاسمة مثل فك الحصار، ولكنّ ليس بالمعنى الذي تطلبه حركة حماس، بل تخفيفاً تدريجياً بدون أي ضجة إعلامية.
ونوّه سويلم إلى أنّ التهدئة لها محددات واضحة، فهي ليست طويلة الأمد، ولكنّها ستتطور من تهدئة متوسطة إلى طويلة، وذلك بعد أنّ يتم إنجاز ملف الأسرى "الإسرائيليين" وبعض الملفات الحساسة الأخرى كتهريب السلاح والرقابة على هذا الملف، مُرجحاً أنّ التهدئة لن تتطور من متوسطة إلى طويلة تُكرس غزّة ككيان منفصل عن الجسد الفلسطيني "وهو مطلب إسرائيلي مؤجل" إلى ما بعد إنجاز الملفات السابقة الذكر.
فيما اختلف أبو شنب مع سويلم حول محددات التهدئة، حيث اعتقد أنّ ما يجري الحديث عنه هو تفاهمات جزء منها ما يزال قائماً والآخر معطلاً، مُشيراً إلى أنّه ما لم يتم إنجاز شيئ ملموس على أرض الواقع، فإنّ التصعيد خلال الأيام القادمة مرتبط برؤية المقاومة وسلوك الاحتلال.