بقلم: زلمان شوفال
معنى التصفية المركزة لقاسم سليماني – رأس أفعى الأعمال الإرهابية والتآمرية الإيرانية في الشرق الأوسط والمُنفّذ للجهد الجغرافي – الديني لتثبيت الهيمنة الإيرانية في المنطقة وإقامة قوة عظمى شيعية فيها – أكبر بكثير من مجرد طرده من المنطقة.
ولا يزال من السابق لأوانه أن نقول إذا كان ينبغي أن نرى في ذلك تغييرا أساسيا في السياسة التي اتخذها الرئيس ترامب في السنوات الأخيرة مقابل الخط الانسحابي للرئيس أوباما بشأن الشرق الأوسط.
إن الإخلاء الجزئي للجنود الأميركيين من سورية وما بدا كترك لحلفائهم الأكراد لمصيرهم، وعدم الرد على الهجوم على منشآت النفط السعودية وعلى الناقلات في الخليج الفارسي، وغياب الرد على إسقاط الحوامة الأميركية، كل هذه شجعت طهران على مواصلة استراتيجية تحدي الأميركيين.
ومن خلال ذلك، تظهر إيران وزنها المتعاظم تجاه حلفاء الولايات المتحدة وخصومها أمام انبطاح أميركا المزعوم. فالمناورة البحرية المشتركة لإيران، روسيا، والصين قبل نحو أسبوعين في خليج عمان جاءت لتؤشر على أن نفوذ أميركا في الشرق الأوسط، وربما في العام بأسره، آخذ في الانحسار، وهو هدف يخدم مصالح هذه الدول الثلاث خارج السياق الشرق أوسطي. وذلك إلى جانب سعي روسيا، رغم ضعفها، إلى أن تبدو في صورة قوة عظمى عالمية وتحولها في السنوات الأخيرة لتصبح لاعبة ذات مغزى في المنطقة.
إن عملية التصفية الأميركية، بل قبل ذلك الهجوم على قاعدة الميليشيات الشيعية في العراق وفي سورية وإرسال مزيد من الجنود إلى العراق، جاءت، بالتالي، لوضع الإيرانيين أمام الخطأ الكامن في تقديرهم الاستراتيجي.
إضافة إلى ذلك، سمحت العملية لدول الخليج العربية، حلفاء أميركا التقليديين، برفع قاماتهم في فترة من القلق حول تصميم ونجاعة الحائط الوقائي الأميركي.
رسالة أخرى من ترامب هي أن المس بالسفارة الأميركية سيعد مسا بأميركا نفسها، مقابل القصور الأميركي في موضوع الهجوم الإرهابي على القنصلية الأميركية في بنغازي في عهد أوباما ووزيرة الخارجية كلينتون والذي قتل فيه سفير الولايات المتحدة في ليبيا.
في هذه الأثناء، فإن الأوروبيين (بريطانيا، فرنسا، وألمانيا) مثلما هو حال الأوروبيين دوما، بدلا من أن يقفوا إلى جانب الأميركيين دعوا "الطرفين" للامتناع عن التصعيد.
كما أن وقوف المرشحين الديمقراطيين للرئاسة ضد تصفية سليماني خطأ سياسي ونفسي سيضاف إلى أخطائهم الأخرى.
قبل العملية الأميركية سارع المحللون، بما في ذلك في إسرائيل، إلى البكاء على ما بدا في نظرهم كانصراف متواصل للولايات المتحدة من المنطقة، بينما كانوا ينثرون العلامات الجيدة على الاستراتيجية الإيرانية.
ولكن يتبين أن تقديراتهم كانت مغلوطة، جزئيا على الأقل، وفي تلك الأحوال فإنها كانت سابقة لأوانها جداً.
إضافة إلى ذلك، لا ينبغي أيضا المسارعة إلى الاستنتاج بأن إدارة ترامب ستدرج من الآن فصاعدا في سياسة العقوبات تجاه إيران بعدا عسكريا دائما ضد استفزازات طهران، إذ إن الرئيس مصمم بالفعل ألا يعلق في حرب شاملة أخرى في الشرق الأوسط.
ولكن القيادة الإيرانية أيضا سيتعين عليها أن تعترف بأن استراتيجيتها فشلت، بعلمها، رغم التبجحات، بأن المواجهة العسكرية الحقيقية مع الولايات المتحدة عديمة الفرصة من ناحيتهم تماما.
يحتمل بالطبع أن نرى أعمال ثأر إيرانية كهذه أو تلك ضد ممثليات أميركية مختلفة وضد حلفاء الولايات المتحدة، بمن فيهم إسرائيل، ولا سيما من خلال وكلائهم، ولكن الوضع السياسي المشوش في لبنان والتهديد الحقيقي برد إسرائيلي مكثف كفيلان بأن يقلصا بل يلغيا حرية عمل "حزب الله" في هذه اللحظة.
وفقاً لتقارير مختلفة، كان سليماني على بؤرة استهداف إسرائيل منذ أكثر من عقد.
ولكن حكومة أولمرت امتنعت عن ذلك بضغط الأميركيين، ويحتمل أن يكون هذا في نظرة إلى الوراء خطأ من ناحية الولايات المتحدة ومن ناحيتنا، إذ إن سليماني أصبح في هذه السنوات الشخصية السائدة والفاعلة في كل مكان ظهرت فيه البصمات العدوانية لإيران: بقاء بشار الأسد في سورية، السعي الإيراني للسيطرة في العراق، الحرب الأهلية في اليمن،