في خطوة التفافية اتخذها الإحتلال الإسرائيلي لضم منطقة الأغوار من بوابة "المحميات الطبيعية"؛ كي لا تتم مسائلته أمام محكمة الجنايات الدولية، تتوالى إعلانات الفريق الوزاري الإسرائيلي المشترك، الذي شكله رئيس بنيامين نتنياهو؛ بضم وتطبيق السيادة الإسرائيلية على مناطق وادي الأردن، منذ 5 يناير الجاري؛ لتتوج بمصادقة دولة الاحتلال على إقامة سبع محميات طبيعية للمستوطنين في الأغوار، للمرة الأولى منذ توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير وإسرائيل في العام 1993.
وقسم اتفاق أوسلو الضفة الغربية إلى منطقة "أ"، وهي تخضع للسيطرة الفلسطينية الكاملة، ومنطقة "ب" تحت السيطرة المدنية الفلسطينية والأمنية الإسرائيلية، فيما تقع المنطقة "ج" تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة.
وبحسب ما أعلنه وزير جيش الاحتلال نفتالي بينيت، فإنّ المناطق التي شملها هذا المشروع الاستيطاني هي مغارة سوريك أو "مغارة الشموع" القريبة من قرية بيت سوريك؛ ووادي المقلق عند المنحدرات الشرقية لجبل الزيتون
ووفق بينيت، فإنّه سيتم توسيع 12 "محمية طبيعية" تم الإعلان عنها في الماضي، وهي: "قمم الجبال الواقعة غرب البحر الميت، وفي جنوب شرق نابلس، وفصايل في غور الأردن، وأم زوكا في الأغوار، ومنطقة أخرى في البحر الميت، وقرية خروبة الفلسطينية المهجرة شرق الرملة، وداخل الضفة، وشمال البحر الميت، وشرق طوباس في الأغوار، وشمال البحر الميت، ووادي مالحة وسط الأغوار، وفي منطقة أريحا".
"المحميات" بيئة طاردة لمزارعي الأغوار
أكّد مدير عام نشر وتوثيق الانتهاكات الإسرائيلية في هيئة مقاطعة الجدار والاستيطان قاسم عواد، على أنّ "خطوة بينت تُعد تهجيراً قسرياً لسكان الأغوار، تحت مُسمى الحفاظ على البيئة"، لافتًا إلى أنّها وسيلة من الوسائل التي انتهجها الاحتلال على مدار السنوات السابقة؛ لإنشاء عدد كبير من المستوطنات وصلت تقريبًا لـ"31" مستعمرة، حيث كانت تحت مُسمى "محميات طبيعية" مثل "مستوطنة حلميش".
واعتبر عواد خلال حديثٍ خاص بوكالة "خبر" أنّ خطوة بينت، بمثابة إعلان إغلاق مساحات "الرعي" في وجه الرعاه الفلسطينيين في الأغوار، الأمر الذي سيؤدي إلى محاربة الرعاة والمزارعين في لقمة عيشهم بإعدام مواشيهم.
وشدّد على أنّ الاحتلال يسعى لجعل الأغوار" بيئة قسرية طاردة" بتقليل المساحة الرعوية للسكان الذين يعتمدون على الرعي والزراعة؛ مستدركًا: "لكنّ الاحتلال في نفس الوقت سيفتح المجال أمام المستوطنين لإقامة بؤر استيطانية لمواشيه للاستفادة من خيرات المنطقة".
كما كشف أنّ ضم الأغوار، يأتي ضمن خطط استراتيجية إسرائيلية؛ لتخصيص مساحات ضامنة للأجيال القادمة؛ وبالتالي فإنّ ما يجري مشروع احتلالي ضخم عبر تزوير لروية لفلسطينية.
من جانبه، حذّر الخبير في شؤون الاستيطان والانتهاكات الإسرائيلية بالأغوار، عارف دراغمة، من خطورة خطوة "بينيت" التي ستنهي أي وجود "للكيان الاقتصادي الفلسطيني في الأغوار"؛ وذلك لأنّ الحديث يدور عن مناطق مفتوحة سيتم الاستيلاء عليها، تُقدر بحوالي 60 ألف دونم من أراضي مراعي الثروة الحيوانية الفلسطينية بالمنطقة.
وبيّن دراغمة لـ"خبر" أنّ الاحتلال سيقوم بترحيل أكثر من 150 عائلة فلسطينية، تسكن بالقرب من "المحميات الطبيعية" حال الاستيلاء عليها؛ الأمر الذي سيترتب عليه تدمير مصدر رزقها القائم على الزراعة والرعي.
ولفت إلى أنّ المحميات الطبيعة "مناطق زراعية فلسطينية يحمل أصحابها أوراق رسمية تُثبت ملكيتهم لها"، حيث استولى الاحتلال على بعضها منذ العام 1967؛ بذريعة أنها "محميات طبيعية" وقام بتحويلها " لبؤر استيطانية" لاحقًا، مُحذّراً في نفس الوقت بأنّ ما يجري سيقضى على آمال الفلسطينيين في الأغوار قطعيًا؛ لأنّ غالبية المحميات تقع في الأغوار.
الجدير ذكره أنّ إسرائيل تمنع الفلسطينيين من البناء في المناطق التي تُصنفها "محميات طبيعية" وتُصادرها من أصحابها في الضفة الغربية المحتلة منذ عام 1967.
ضم الأغوار متواصل منذ 67
من جهته، أوضح مدير دائرة الخرائط في بيت الشرق للخرائط خليل التفكجي، أنّ عمليات الضم والمصادرة تتم في كل جزء من الأرض الفلسطينية وليس في الأغوار فقط؛ مستدركًا: "لكنّ الأسلوب مختلف في الأغوار".
وأكّد التفكجي لـ"خبر" على أنّ مشروع ضم الأغوار ظهر بعد العام الـ1967، ولكنّه تركز بعد اتفاقية "أوسلو" عام 1995، حيث تم الإعلان عن 12 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية كمحميات، لافتًا إلى أنّه كان هناك أكثر من نصف مليون دونم منذ العام 67 حتى اليوم تم إعلانها كـ"محميات طبيعية".
وأوضح أنّ ما نُسميه "محميات طبيعية" هو فعليًا سيطرة وضم؛ كي يتهرب قادة الاحتلال من المثول أمما محكمة الجنايات الدولية؛ ولا تُستعمل ضده كبناء استيطاني لاحقًا، وهو ما حدث داخل مدينة القدس سابقًا عندما تم تحويل منطقة جبل أبو غيم كـ"محيمة طبيعية " ومن ثم إلى منطقة مصادرات ومستوطنات.
ونوّه التفكجي إلى عدم وجود دولة فلسطينية في الرؤية الإسرائيلية على خلاف ما تتبناه السلطة الفلسطينية وفقًا لقرارات المجتمع الدولي، بل ترى بأنّها دولة تمتد من النهر إلى البحر، ويجري الحديث عن دولة فلسطينية في الأردن، مُضيفاً: "الإسرائيليون يفعلون أكثر مما يقولون".
ماذا بعد الإدانات؟
بدوره، أدان الأردن إعلان بينيت، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأردنية، ضيف الله الفايز، إنّ "هذه الخطوة المدانة تُمثل خرقاً للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، من خلال تعزيز الاستيطان ومصادر الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة".
وجدّد التأكيد على "ضرورة تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته لوقف سياسة الاستيطان الإسرائيلية، التي تقوض جهود حل الصراع وتحقيق السلام الشامل، وإلزام إسرائيل بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وعلى رأسها قرار مجلس الأمن رقم 2334".
وتبنى مجلس الأمن الدولي في 2016 القرار رقم 2334 بإدانة الاستيطان، وطالب أيضاً بوقفه في الأرض الفلسطينية المحتلة.
كما ندّدت الخارجية الفلسطينية بالقرار الإسرائيلي، وقالت: إنّه يعني "وضع اليد على مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية المصنفة (ج)، ونصب مظلة استعمارية جديدة لمحاربة الوجود الفلسطيني في تلك المناطق"، مُعتبرةً أنّ مسمى المحميات الطبيعية هو "شكل من أشكال الاستيلاء على الأرض الفلسطينية".
فيما اعتبر المتحدث باسم حركة فتح حسين حمايل في حديث سابق مع "وكالة خبر"، قرار بيبنت بضم مناطق "ج" جنوناً إسرائيلياً سيقود المنطقة إلى الجحيم"، داعياً في نفس الوقت إلى تفعيل المقاومة الشعبية ولجان الحراسة الليلة.
وبالعودة إلى مدير عام نشر وتوثيق انتهاكات الاحتلال في هيئة مقاطعة الجدار والاستيطان، شدّد على ضرورة تفعيل المقاومة الشعبية؛ لتثبيت الحق الفلسطيني في الأغوار ومساندة من يتواجد في محمياتها منذ عقود كالفارسية وسمرة وغيرها من التجمعات.
وأضاف: "لابد من محاكمة بينيت، في محكمة الجنايات الدولية على قراراته السابقة التي تأتي في إطار الحملة الانتخابية الشرسة؛ لتنفيذ أكبر العناوين الاستيطانية ضراوة وتأثير، سواءً ببناء مستوطنة في قلب الخليل أو ضم الأغوار؛ كثمن انتخابي".
ويبقى التساؤل مطرحاً حول خطوة السلطة الفلسطينية القادمة للرد على ضم الأغوار في ظل القضاء فعليًا على حلم الدولة الفلسطينية المترابطة الأطراف؟، أم أنّه لا خيارات أمامها؛ خاصة أنّ الاستيطان في مراحله الأخيرة.