صفقه آخر أهدافها السلام!

حجم الخط

بقلم: الدكتور ناجى صادق شرّاب

 

الصفة الوحيدة الى لا تستحق أن توصف بها خطة أورؤية ترامب للشرق الأوسط لحل أصعب واعقد صراع فشلت في حله كل الإدارات الأمريكية السابقه هي أن يطلق عليها خطة للسلام، رغم وصفه لها بانها فرصة ومكسب للفلسطينيين والإسرائيليين، وانها في النهاية ستحقق للفلسطينيين بمساحة مضاعفه دولتهم التى يحلمون بها، وانها ستحسن من حياتهم وأوضاعهم المعيشية بالخمسين مليار دولار التي سوف ستخصص للبنية التحتية اللازمة لبناء الدولة، وان الدولة الفلسطينية ستكون لها عاصمة سمها في "منطقة القدس" اي شرق القدس ومحصورة في شعفاط او ابو ديس او كفر عقب، وأن الولايات المتحده ستفتح سفاره لها فيها.

رغم هذه التصريحات المنوطة بصاحبها وبقائه في الرئاسة. فالقراءة الشاملة للخطة توضح ان هدف السلام ليس من أهدافها الرئيسة في المنظور القريب، وان للخطة أهدافا آنية ملحة مرتبطة بالتوقيت الذي أعلنت فيه. فالملاحظ ان الخطة لم يكن الفلسطينيون احد مدخلاتها في كل مراحل صياغاتها، وأن أسرائيل هي الفاعل الرئيس لكل كلمة كتبت بها، بدليل صدورها بحضور نتانياهو ، وهنا الهدف الأول يتعلق بدعم نتانياهو في الحملة الانتخابية الإسرائيلية القادمة بعد أقل من شهر، وضمان فوزه، والربط بينها وبين بقائه في الحكم، وفي الوقت الذي توجه له تهم فساد كبيرة.

والهدف الثاني يتعلق بترامب، فالإنتخابات الرئاسية ألأمريكية ستتم خلال أقل من سنة ، ويأتي الإعلان في وقت تتم فيه محاكمته في مجلس الشيوخ لعزله، وهو يتطلع لكسب أصوات الإنجيليين وعددهم لا يقل عن ستين مليون نسمة ، وكسب تأييد اليهود المحافظين، والجمهوريين المحافظين.

أما هدف السلام فإن ترامب ونتانياهو يدركان أنه لا يمكن أن يتحقق وينجز بدون موافقة الفلسطينيين ومشاركتهم. ويراهن الرئيس ترامب على أنهم في النهاية سينخرطون ويوافقون عليها.

الخطة لا تحقق السلام من أكثر من منظور ،المنظور الأول أنها تلغي كل قرارات الشرعية الدولية ، وتخلق مرجعية جديدة أساسها سياسة ألأمر الواقع والقوة ، فهو سلام بالقوة من منظور إلمصلحة ألإسرائيلية .

وثانيا تعطي إسرائيل كل شيء وكل ما تريد، ولا تعطى الفلسطينيين إلا ما تريده إسرائيل. وثالثا تخضع اي تسوية وسلام لاعتبارات ألأمن الإسرائيلي، فالسلام هنا هو سلام الأمن الإسرائيلي وفي هذا لا تختلف الخطة عن اتفاقات أوسلو .

ورابعا الهدف الرئيس من الخطة هو إنجاز السلام اٌلإقليمى بين العرب وإسرائيل، وبالتالي إفراغ القضية الفلسطينية من اهم مكوناتها، وهذا كفيل أن يدفع في النهاية لإنهاء الصراع على المستوى الإقليمي والمدخل لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. فالخطة كما أشرنا تعطي إسرائيل كل شيء، فاولا تؤكد على ان القدس هي العاصمة الموحدة لإسرائيل ، ولن تعود كما كانت، وتشرعن الاحتلال الإسرائيلي الذي لم تأت على ذكره إطلاقا، وتلغي قضية اللاجئيين وتعمل على توطينهم حيث يعيشون.

والحقيقه التي تناقض نفسها هي الحديث عن الدولة الفلسطينية المنزوعة السلاح، والتي تضم سبعين في المائة من مساحة الضفة الغربية، والحقيقه ان السيادة الكاملة ستكون لإسرائيل على كل فلسطين بحكم منحها الحق العسكري والأمني على كل الآراضي التي تخضع لسيطرة السلطة في الضفة الغربية. وتشترط نزع سلاح غزة بالكامل وربطها بنفق مع بقية الآراضي الفلسطينية. وهناك فترة إنتقاليه لمدة أربع سنوات ، وسيخضع السلوك السياسي الفلسطيني لمراقبة إسرائيل والولايات المتحده، وإسرائيل هي من تقرر وتحكم في النهاية ان الفلسطينيين يستحقون دولة أم لا.

ولعل ما يمنح الخطة فرص البقاء والنجاح الظرف الزمني الذي أعلنت فيه. ففي النهاية الخطة تشكل انعكاسا للبيئة التي صيغت وستنفذ فيها: أمريكيا تزايد قوة اليمين وقوة الإنجيليين واللوبى الصهيوني في القرار السياسى الأمريكي الداخلي والخارجي ، وفلسطينيا الإنقسام والضعف الفلسطيني وليس من المنظور إنهائه، وإسرائيليا سيطرة اليمين المتشدد على السياسة الإسرائيلية، وعربيا تراجع الدور العربي مع زيادة التهديدات الإيرانية والتركية التي تدفع لمزيد من المرونة السياسية العربية في التعاطى مع الخطه. ودوليا واضح ان فلسطين لم تعد القضية ذات ألأولوية، وان هناك ملفات كثيرة لها ألأولوية على ألأجندة السياسة الدولية ، وتزاحم العديد من القضايا كقضايا اللاجئين والإرهاب والمناخ والتجارة والحروب السيبرانية، كلها قضايا لا تجعل من فلسطين ذات أولوية وتدفع الفاعلين الدوليين الآخرين لعدم إغضاب الولايات المتحدة والدخول معها في منازعات جديدة.

وهذا كما رأينا في الترحيب الفرنسي بالخطة، والتصريحات العربية التي تقدر جهود الإدارة ألأمريكية، وتطالب الفلسطينيين بالتريث والقراءة الهادئة لها. هذه العوامل لا شك تعطي قوة وزخما للخطة، وتجعل فرص تنفيذها قوية، بل الحقيقة ان الصفقة قد تم تنفيذ الكثير من مراحلها.

ولا شك انها ستؤسس لمرحلة سياسية جديدة للإدارة الحالية والإدارات اللاحقة، وخلقت واقعا سياسيا لا يمكن تجاوزه لأي إدارة أمريكية جديدة. إلا ان هذا الواقع الذي تحكمه القوة لا يمكن ان يؤسس لسلام حقيقي قابل للتنفيذ والحياة ، وكما قال عامى آيالون، الرئيس السابق لوكالة ألأمن الداخلي الإسرائيلية، فإن خطة ترامب قد تنتهي إلى تعريض مبادرة السلام العربية إلى الإلغاء وهي التي منحت إسرائيل الإعتراف والقبول الشرعي بدولة يهودية مقابل دولة فلسطينية كاملة الحقوق. ووصفتها السيناتور الديموقراطية وارن انها لا تقدم مستقبلا حقيقيا للدولة الفلسطينية، ووصفها السيناتور كريس هولن بأنها مناهضة للسلام، وانها أحادية الجانب على حساب الفلسطينيين، فيما وصفها الصحفى بول ولدمان بالسخيفه، لأنها تعطى إسرائيل والولايات المتحده الحكم والموافقة على إنشاء الدولة الفلسطينية.

واما الباحث في مركز ألأمن ألأمريكى الجديد غولدنبرغ فيرى ان الخطة تتنازل بقوة عن حقوق الفلسطينيين وتستخدم لغة متبلدة المشاعر فى كل نقطة من نقاطها ، وتكشف نصوصها ان من أصاغوها لم يتحدثوا مع الفلسطيىنيين، الطرف الرئيس لأي عملية سلام. والخطة تراهن على الرفض الفلسطيني وهو متوقع، كمصدر للاستمرار في رفض حق تقرير المصير للفلسطينيين بدعوى ان ترامب ونتانياهو قدما خطة للسلام يرفضها الفلسطينيون.

والخطة كما يقول طارق ماركونى من مجموعة الأزمات الدولية تدوير لكل الجهود الفاشلة السابقة، وتطلب من الفلسطينيين الاستسلام وإثبات انهم قادرين على قيام دولتهم. وما يجرى الآن تحميل الفلسطينيين مسؤولية إمتطاء حصان سياسي ميت. الخطة لا تعدو ان تكون ترجمة لسلام القوة الذي تريده إسرائيل، والذي فشلت فيه عبر سبعين عاما من سياسات القوة التى تمارسها ضد الشعب الفلسطيني، فالحرب التي فشلت إسرائيل ان ترغم الشعب الفلسطيني فيها على القبول والإذعان تأتى خطة ترامب لتطالب الفلسطينيين بالقبول بها. وهذا السبب الرئيس لفشلها مسبقا، لأنه لا سلام بالقوة ولا سلام بدون الاعتراف بالحقوق الفلسطينية التي تقرها وتعترف بها الشرعية الدولية.