في جادة أعلام الدول التي ترفرف في مدخل مبنى الامم المتحدة في نيويورك سيجد علم فلسطين مكانه أيضا. موضوع رمزي بالاجمال، وكأني بأمم العالم ترغب في أن تقول اذا لم يكن بوسعنا ان نمنح مكانة دولة حقيقية لفلسطين، فسنكتفي بالاعتراف برمزها. هذا رمز آخر لمعركة طويلة، دامية ومستمرة بين اسرائيل والفلسطينيين. على مسافة بضعة آلاف الكيلومترات من المبنى الزجاجي عديم الوسيلة، والذي سيجتمع فيه، هذا الشهر، زعماء العالم كي يطلقوا تمنيات الهراء للسلام العالمي، يواصل الطرفان سفك دم حقيقي. فالدولة الاستعمارية الاخيرة، التي تحتفل اليوم برأس السنة الـ 48 للاحتلال، تواصل الايمان بأن السيطرة على شعب آخر تضمن خلودها.
هذا الايمان التافه، الذي هزم في الماضي قوى عظمى هائلة مثل فرنسا، بريطانيا والامبراطورية العثمانية، هزته قبل بضعة ايام صورة رمزية بارزة. ففي قرية النبي صالح الصغيرة قرب رام الله هاجم جندي اسرائيلي مسلح وملثم محمد التميمي، طفل ابن 12 سنة ملفوفة احدى ذراعيه بالجبس. امه ونساء اخريات من عائلة الطفل ممن سعين الى تحريره من قبضة الجندي الخانقة، هاجمن الطفل.
إذا كان ثمة رمز يلخص ويوجز الواقع الذي تعيشه اسرائيل في «المناطق»، فهو الصورة من النبي صالح والتي انتشرت في العالم كانتشار النار في الهشيم. في اسرائيل كان هناك من أعربوا عن الغضب وتساءلوا لماذا لم يطلق الجندي النار على الطفل، والى جانبه كان ايضا من تأثروا بانسانية الجندي الذي قرر بأمر من ضميره، أو بسبب كاميرات التلفاز، تعطيل سلاحه. هذا منظر مشوه ما كان يمكن أن يوجد لو فهمت اسرائيل ان الاحتلال والاخلاق، الاحتلال والبطولة، الاحتلال والديمقراطية، لا يمكنهما ان يتعايشا معا.
«في اللحظة ذاتها فهمت انه عندما يصبح الرجل الابيض طاغية، فإنه يلغي حريته فقط. يصبح نوعا من الدمية العليلة التي تجمدت في وضعيتها، يصبح صورة مجمدة. في هذا يتعلق حكمه، الذي سيقضي حياته في محاولة للتأثير على «الاطفال». في كل نقطة حسم لا يمكنه أن يفعل إلا ما يتوقع منه «الأطفال» ان يفعله»، كتب جورج اورول في كتابه الشهير «إطلاق النار على الفيل».
طالما تمسكت اسرائيل بالاحتلال فإنها تحكم على نفسها بالغاء حرية الفلسطينيين وحريتها هي نفسها. تحكم على نفسها بالحبس في صورة النبي صالح.
عن «هآرتس»