يفتتح المجلس المركزي اليوم دورته السابعة والعشرين ليقف أمام المأزق الوطني ذاته الذي لم يتخذ في دوراته السابقة القرارات الكفيلة بفتح طريق الخروج منه كمأزق بنيوي متعدد الأبعاد والأوجه آخذ بالتفاقم والاستفحال، سواء بفعل تصاعد السياسة الإسرائيلية الهجومية الشاملة والمخططة وغير المسبوقة منذ انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة لتصفية القضية والحقوق والرواية الفلسطينية وتقويض "البرنامج الوطني المرحلي": العودة والدولة وتقرير المصير، أو بفعل استمرار الانقسام الداخلي وغياب الإرادة السياسية الجادة لإنهائه واستعادة الوحدة الوطنية، أو بفعل رعاية الولايات المتحدة لسياسة العدوان والاستيطان والتهويد المتصاعدة التي تنتهجها حكومة المستوطنين القائمة في إسرائيل، بل ودعمها الثابت للشروط التفاوضية الصهيونية التعجيزية، وناظمها شرط الاعتراف بإسرائيل "دولة للشعب اليهودي"، كشرط تتبناه بصيغ مختلفة جميع الأحزاب الصهيونية باستثناء حركة ميرتس.
يعنينا مما تقدم القول: إن المجلس المركزي يقف في دورته الحالية أمام تحديات كبيرة، كان تهرب في دوراته السابقة من مواجهتها للخروج من المأزق الوطني، سواء على مستوى إدارة التناقض الأساس مع الاحتلال، أو على مستوى إدارة التناقضات الداخلية الثانوية في مرحلة التحرر الوطني التي لم تُنجز مهامها بعد، فيما تحقيق الحد الأدنى منها عبر الرهان على الوعود الأميركية ونتائج الانتخابات الإسرائيلية القادمة، هو رهان خاسر، ولن يحصد سوى الخيبة وتعميق المأزق الوطني وتفاقمه واستفحاله. أما لماذا؟
يدور التنافس في هذه الانتخابات بين معسكرين صهيونييْن أساسييْن لديهما لإنهاء الصراع والقضية الفلسطينية خصوصاً برنامج واحد، وإن بلغتيْن مختلفتيْن، أولاهما "خشنة" واضحة يتبناها المعسكر الذي يقوده ويمثله نتنياهو، وثانيهما "ناعمة" مراوغة يتبناها معسكر "التحالف الصهيوني" بقيادة هيرتسوغ وليفني الذي يدعو إلى استئناف المفاوضات الثنائية برعاية أميركية إياها التي لم تجلب سلاماً ولا استعادت أرضاً رغم أنها انطلقت في "مؤتمر مدريد" قبل نحو 25 عاماً على أساس مقاربة "الأرض مقابل السلام"، بينما تستهدف الدعوة إلى استئنافها كبح توجهات قيادة منظمة التحرير الحذرة والمترددة لتدويل القضية الفلسطينية عبر إعادة ملفها إلى هيئة الأمم المتحدة ومطالبتها بعقد مؤتمر دولي مفتوح وكامل الصلاحيات يلزم إسرائيل بتنفيذ قرارات الشرعية ذات الصلة بالصراع.
ما يعني أن معسكر "التحالف الصهيوني" إنما يستهدف إخراج إسرائيل من عزلتها ووقف ما تتعرض له من حملات مقاطعة سياسية وأكاديمية واقتصادية عالمية متنامية في ظل تزايد التعاطف الشعبي العالمي، و"الغربي" منه خصوصاً، مع الشعب الفلسطيني وحقوقه، وتراجع السيطرة الأميركية المنفردة على العالم، وتآكل قوة الردع الإسرائيلية في المنطقة، حسب تصريحات أكثر قادة الاحتلال تطرفاً وعدوانية وعنصرية، منهم ليبرمان على سبيل المثال لا الحصر.
إزاء الحقائق أعلاه لن يفيد في شيء تكرار المجلس المركزي الصياغات الفضفاضة ذاتها، سواء حول أهمية إنهاء الانقسام الداخلي ومحورية استعادة الوحدة الوطنية، أو حول المخاطر الإستراتيجية التي تهدد القضية والحقوق الفلسطينية والمشروع الوطني بفعل تصعيد الهجوم الإسرائيلي الشامل.
فكل هذا بات واضحاً ويعرفه حتى من لا يعرف من السياسة غير اسمها، فيما المطلوب تحديد الآليات العملية لاستعادة الوحدة وبناء إستراتيجية سياسية وطنية جديدة قادرة على مواجهة السياسة الإسرائيلية الهجومية التي بلغت ذروتها في العام 2014 الماضي، من حيث:
*الزيادة غير المسبوقة منذ عقدٍ لعمليات الاستيطان والتهويد، حسب "حركة السلام الآن"، ما يؤكد أن قادة إسرائيل لا يعتبرون أراضي الضفة وقلبها القدس أرضاً محتلة، بل ولا حتى "أرضاً متنازعاً عليها"، إنما "جزء من أرض إسرائيل"، بما لا يترك متسعاً لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ولو على حدود 4 حزيران 67.
*أن ينتهي حرص حكومة المستوطنين بقيادة نتنياهو على استمرار المفاوضات العقيمة إلى تجميدها منذ نيسان 2014، ورفض استئنافها إلا وفق شروطها الصهيونية التعجيزية، وناظمها شرط الاعتراف بإسرائيل "دولة للشعب اليهودي"، ذلك يعني وضع حدٍ لمقاربة تسوية الصراع على أساس "الأرض مقابل السلام".
*أن يجمد قادة إسرائيل تحويل عائدات السلطة الفلسطينية ويطالبونها في الوقت ذاته باستمرار التنسيق الأمني، ذلك يعني تكريس معادلة جديدة، جوهرها الأمن مقابل تنقيط لقمة العيش، ما ينسف حتى الشكلي من معادلة الأمن مقابل مكتسبات سياسية التي قام أساسها تعاقد اتفاق أوسلو.
*الأنكى والأكثر دلالة هو أن الولايات المتحدة، راعية مفاوضات تسوية الصراع على أساس "الأرض مقابل السلام"، تختزل عواقب عنجهية قادة إسرائيل في التحذير غير المسنود بإجراءات من انهيار السلطة الفلسطينية بفعل تجميد تحويل عائداتها المالية، بل وتضغط على السلطة الفلسطينية وتحذرها من عواقب إقدام المجلس المركزي على تفعيل التوجهات الفلسطينية لتدويل القضية الفلسطينية وإنهاء التنسيق الأمني ومقاضاة مجرمي الحرب الإسرائيليين أمام محكمة الجنايات الدولية، ما يعني موافقة أميركية ضمنية على تكريس معادلة الأمن مقابل لقمة العيش.
*أن يكتفي السيد توني بلير، منسق "اللجنة الرباعية" لرعاية المفاوضات بإطلاق تصريح يدعو فيه إلى استئناف المفاوضات من دون شروط مسبقة لتحقيق "حل الدولتين"، وإلى اعتراف حركة "حماس" بشروط الرباعية الشهيرة لتسهيل إعادة إعمار قطاع غزة المدمر، ذلك يعني أن "اللجنة الرباعية" هذه باتت في خبر كان، وتحولت بالتمام والكمال إلى مجرد أداة تستخدمها الولايات المتحدة لتمرير الشروط التفاوضية الإسرائيلية التعجيزية.
كل ذلك بينما يصمت توابع السياسة الأميركية من الحكام العرب، ويصمت المجتمع الدولي في مستواه الرسمي صمت القبور، على عنجهية قادة إسرائيل، وعلى ما يرتكبونه، برعاية أميركية، بحق الشعب الفلسطيني من جرائم حرب موصوفة وتطهير عرقي مخطط وإبادة جماعية ممنهجة، يشجعهم على ذلك استمرار الانقسام الفلسطيني المدمر، وتراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية لمصلحة قضية "محاربة الإرهاب" التي تعود مقدماتها إلى افتعال أو صناعة ما يسمى "الجهاد العالمي" بدءاً من أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي.
فمن حينه، وبعد أحداث 11 أيلول 2001، تحديداً، راحت قضية الإرهاب ومحاربته تزاحم "قضية فلسطين"، حتى صارت، بفعل حرف الحراك الشعبي العربي عن مساره وأهدافه، القضية الأولى التي تشغل العرب والمنطقة، بل والعالم بأسره.
وهذا مكسب صهيوني لا لبس فيه، كان حذر مبكراً من بلوغه قادة حركة التحرر العربية والفلسطينية ومفكريها بالقول: إن افتعال "الجهاد" ضد "الكفر" السوفييتي، ثم "الصليبي" لاحقاً، سيفضي، عاجلاً أو آجلاً، إلى تهميش القضية الفلسطينية وتراجع الاهتمام بها، كجوهر للصراع العربي الصهيوني وصراعات المنطقة، عموماً، بفعل تقاطع مصالح دعاة "الجهاد العالمي" مع مصالح دعاة "الفوضى الخلاقة" لتجزئة الدولة الوطنية العربية وبناء "إمارات" المذاهب التكفيرية الإرهابية ونظام الملل على أنقاضها.
لكن في الحالات كافة، فإن ما يتناساه كل من يحاول تهميش قضية فلسطين هو أن شعبها بمقاومته التي لم تنقطع وعدالة قضيته وتجذرها في الوجدان الشعبي العربي، ظل عصياً على الاستسلام لاختلال ميزان القوى.
إذا كانت تلك هي مسيرة الشعب الفلسطيني كما أثبت تاريخ الصراع على مدار نحو قرن من الزمان، فإن على المجلس المركزي كقيادة لهذا الشعب التجرؤ على اتخاذ ما يتطلبه راهن الصراع من قرارات مفروضة وغير قابلة للتأجيل بالمعنى السياسي للكلمة.
يعنينا مما تقدم القول: إن المجلس المركزي يقف في دورته الحالية أمام تحديات كبيرة، كان تهرب في دوراته السابقة من مواجهتها للخروج من المأزق الوطني، سواء على مستوى إدارة التناقض الأساس مع الاحتلال، أو على مستوى إدارة التناقضات الداخلية الثانوية في مرحلة التحرر الوطني التي لم تُنجز مهامها بعد، فيما تحقيق الحد الأدنى منها عبر الرهان على الوعود الأميركية ونتائج الانتخابات الإسرائيلية القادمة، هو رهان خاسر، ولن يحصد سوى الخيبة وتعميق المأزق الوطني وتفاقمه واستفحاله. أما لماذا؟
يدور التنافس في هذه الانتخابات بين معسكرين صهيونييْن أساسييْن لديهما لإنهاء الصراع والقضية الفلسطينية خصوصاً برنامج واحد، وإن بلغتيْن مختلفتيْن، أولاهما "خشنة" واضحة يتبناها المعسكر الذي يقوده ويمثله نتنياهو، وثانيهما "ناعمة" مراوغة يتبناها معسكر "التحالف الصهيوني" بقيادة هيرتسوغ وليفني الذي يدعو إلى استئناف المفاوضات الثنائية برعاية أميركية إياها التي لم تجلب سلاماً ولا استعادت أرضاً رغم أنها انطلقت في "مؤتمر مدريد" قبل نحو 25 عاماً على أساس مقاربة "الأرض مقابل السلام"، بينما تستهدف الدعوة إلى استئنافها كبح توجهات قيادة منظمة التحرير الحذرة والمترددة لتدويل القضية الفلسطينية عبر إعادة ملفها إلى هيئة الأمم المتحدة ومطالبتها بعقد مؤتمر دولي مفتوح وكامل الصلاحيات يلزم إسرائيل بتنفيذ قرارات الشرعية ذات الصلة بالصراع.
ما يعني أن معسكر "التحالف الصهيوني" إنما يستهدف إخراج إسرائيل من عزلتها ووقف ما تتعرض له من حملات مقاطعة سياسية وأكاديمية واقتصادية عالمية متنامية في ظل تزايد التعاطف الشعبي العالمي، و"الغربي" منه خصوصاً، مع الشعب الفلسطيني وحقوقه، وتراجع السيطرة الأميركية المنفردة على العالم، وتآكل قوة الردع الإسرائيلية في المنطقة، حسب تصريحات أكثر قادة الاحتلال تطرفاً وعدوانية وعنصرية، منهم ليبرمان على سبيل المثال لا الحصر.
إزاء الحقائق أعلاه لن يفيد في شيء تكرار المجلس المركزي الصياغات الفضفاضة ذاتها، سواء حول أهمية إنهاء الانقسام الداخلي ومحورية استعادة الوحدة الوطنية، أو حول المخاطر الإستراتيجية التي تهدد القضية والحقوق الفلسطينية والمشروع الوطني بفعل تصعيد الهجوم الإسرائيلي الشامل.
فكل هذا بات واضحاً ويعرفه حتى من لا يعرف من السياسة غير اسمها، فيما المطلوب تحديد الآليات العملية لاستعادة الوحدة وبناء إستراتيجية سياسية وطنية جديدة قادرة على مواجهة السياسة الإسرائيلية الهجومية التي بلغت ذروتها في العام 2014 الماضي، من حيث:
*الزيادة غير المسبوقة منذ عقدٍ لعمليات الاستيطان والتهويد، حسب "حركة السلام الآن"، ما يؤكد أن قادة إسرائيل لا يعتبرون أراضي الضفة وقلبها القدس أرضاً محتلة، بل ولا حتى "أرضاً متنازعاً عليها"، إنما "جزء من أرض إسرائيل"، بما لا يترك متسعاً لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ولو على حدود 4 حزيران 67.
*أن ينتهي حرص حكومة المستوطنين بقيادة نتنياهو على استمرار المفاوضات العقيمة إلى تجميدها منذ نيسان 2014، ورفض استئنافها إلا وفق شروطها الصهيونية التعجيزية، وناظمها شرط الاعتراف بإسرائيل "دولة للشعب اليهودي"، ذلك يعني وضع حدٍ لمقاربة تسوية الصراع على أساس "الأرض مقابل السلام".
*أن يجمد قادة إسرائيل تحويل عائدات السلطة الفلسطينية ويطالبونها في الوقت ذاته باستمرار التنسيق الأمني، ذلك يعني تكريس معادلة جديدة، جوهرها الأمن مقابل تنقيط لقمة العيش، ما ينسف حتى الشكلي من معادلة الأمن مقابل مكتسبات سياسية التي قام أساسها تعاقد اتفاق أوسلو.
*الأنكى والأكثر دلالة هو أن الولايات المتحدة، راعية مفاوضات تسوية الصراع على أساس "الأرض مقابل السلام"، تختزل عواقب عنجهية قادة إسرائيل في التحذير غير المسنود بإجراءات من انهيار السلطة الفلسطينية بفعل تجميد تحويل عائداتها المالية، بل وتضغط على السلطة الفلسطينية وتحذرها من عواقب إقدام المجلس المركزي على تفعيل التوجهات الفلسطينية لتدويل القضية الفلسطينية وإنهاء التنسيق الأمني ومقاضاة مجرمي الحرب الإسرائيليين أمام محكمة الجنايات الدولية، ما يعني موافقة أميركية ضمنية على تكريس معادلة الأمن مقابل لقمة العيش.
*أن يكتفي السيد توني بلير، منسق "اللجنة الرباعية" لرعاية المفاوضات بإطلاق تصريح يدعو فيه إلى استئناف المفاوضات من دون شروط مسبقة لتحقيق "حل الدولتين"، وإلى اعتراف حركة "حماس" بشروط الرباعية الشهيرة لتسهيل إعادة إعمار قطاع غزة المدمر، ذلك يعني أن "اللجنة الرباعية" هذه باتت في خبر كان، وتحولت بالتمام والكمال إلى مجرد أداة تستخدمها الولايات المتحدة لتمرير الشروط التفاوضية الإسرائيلية التعجيزية.
كل ذلك بينما يصمت توابع السياسة الأميركية من الحكام العرب، ويصمت المجتمع الدولي في مستواه الرسمي صمت القبور، على عنجهية قادة إسرائيل، وعلى ما يرتكبونه، برعاية أميركية، بحق الشعب الفلسطيني من جرائم حرب موصوفة وتطهير عرقي مخطط وإبادة جماعية ممنهجة، يشجعهم على ذلك استمرار الانقسام الفلسطيني المدمر، وتراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية لمصلحة قضية "محاربة الإرهاب" التي تعود مقدماتها إلى افتعال أو صناعة ما يسمى "الجهاد العالمي" بدءاً من أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي.
فمن حينه، وبعد أحداث 11 أيلول 2001، تحديداً، راحت قضية الإرهاب ومحاربته تزاحم "قضية فلسطين"، حتى صارت، بفعل حرف الحراك الشعبي العربي عن مساره وأهدافه، القضية الأولى التي تشغل العرب والمنطقة، بل والعالم بأسره.
وهذا مكسب صهيوني لا لبس فيه، كان حذر مبكراً من بلوغه قادة حركة التحرر العربية والفلسطينية ومفكريها بالقول: إن افتعال "الجهاد" ضد "الكفر" السوفييتي، ثم "الصليبي" لاحقاً، سيفضي، عاجلاً أو آجلاً، إلى تهميش القضية الفلسطينية وتراجع الاهتمام بها، كجوهر للصراع العربي الصهيوني وصراعات المنطقة، عموماً، بفعل تقاطع مصالح دعاة "الجهاد العالمي" مع مصالح دعاة "الفوضى الخلاقة" لتجزئة الدولة الوطنية العربية وبناء "إمارات" المذاهب التكفيرية الإرهابية ونظام الملل على أنقاضها.
لكن في الحالات كافة، فإن ما يتناساه كل من يحاول تهميش قضية فلسطين هو أن شعبها بمقاومته التي لم تنقطع وعدالة قضيته وتجذرها في الوجدان الشعبي العربي، ظل عصياً على الاستسلام لاختلال ميزان القوى.
إذا كانت تلك هي مسيرة الشعب الفلسطيني كما أثبت تاريخ الصراع على مدار نحو قرن من الزمان، فإن على المجلس المركزي كقيادة لهذا الشعب التجرؤ على اتخاذ ما يتطلبه راهن الصراع من قرارات مفروضة وغير قابلة للتأجيل بالمعنى السياسي للكلمة.