إسرائيل دولة واجبات لا حقوق إنسان!

حجم الخط

بقلم: أنطوان شلحت

 

تشهد إسرائيل، الإثنين المقبل، 2 آذار، معركة انتخابات ثالثة خلال أقل من سنة، تنتخب خلالها الكنيست الـ23، وسط غموض يكتنف صيرورته، وفيما إذا كان سيؤول إلى المصير الذي آلت إليه الكنيست الـ21 والـ22، أو سيكون مغايرًا عن الكنيست الـ20، في حال تيسّر إمكان استمرار ولايته.

ويعود سبب المقارنة مع الكنيست الـ20، الذي استمرت ولايته بين 2015- 2018، إلى سلسلة تشريعات ناجزة ومبادرات تشريعية شهدها، وعبّرت عن جهد محموم وممنهج بذله اليمين الإسرائيلي الحاكم لتكريس مواقعه وسلطته وتعزيزهما، في شتى المرافق والمجالات، بالأساس من خلال تضييق الحيّز الديمقراطي، كما أكدت تقارير متطابقة صادرة عن جمعياتٍ تُعنى بحقوق الإنسان والمواطن.

ومنها جمعية حقوق المواطن، التي ذكرت أن دولة الاحتلال تشهد، خلال الأعوام الأخيرة، توجهًا نحو ضرب القيم الديمقراطية، وطرح مبادرات عديدة معادية للديمقراطية.

وشدّدت الجمعية على أن أكثر ما يثير القلق حقيقة أن إحدى الساحات المركزية التي تشكل منطلقًا لدوس الديمقراطية وقيمها وللمساس بقواعد اللعبة الديمقراطية هي ساحة البرلمان نفسه الذي يفترض أن يكون رمزها وحصن الدفاع عنها، ذلك أنه لما يُقال ويُنفَّذ في هذه الساحة إسقاطاتٌ بعيدة الأثر على الجمهور ومواقفه وتوجهاته الديمقراطية بقضايا حقوق الإنسان، وحقوق الأقليات السياسية والاجتماعية أو الإثنية، وسلطة القانون وغيرها.

وتجسّد جانب رئيسيّ من جهد الكنيست الـ20 بطرح مبادرات قانونية تسعى إلى تقليص صلاحيات المحكمة العليا الإسرائيلية، بحجة أنها تخلق واقعًا جديدًا يخلّ بالتوازن الصحيح بين السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية.

ويتم هذا كله ضمن ما تشهده إسرائيل، منذ عقد ونيّف، من تبلور تيار اليمين إلى ناحية ما تسميه الأدبيات السياسية "اليمين الجديد". وهي حالة تعتبر تطوّرًا لليمين التقليدي في إسرائيل، حيث يتفق هذا اليمين الجديد مع اليمين التقليدي في توجهات حافظ عليها، وطوّر توجهاتٍ جديدة لم تكن حاضرة في اليمين التقليدي، وهذا الأخير انقطع عنها أو طوّرها في اتجاه مسارات أخرى.

وتجدر إعادة التنويه بأن اليمين الجديد في إسرائيل يدمج بين تصوراتٍ قوميةٍ مقطوعة عن تصورات ليبرالية، رفع رايتها اليمين التقليدي، سيما في الشأن المدني، وتوجهات دينية ترى في الدين جزءًا من منظومة فكره. علاوة على ذلك، نتج اليمين الجديد من جرّاء تحولات سوسيو- ديمغرافية طرأت على المجتمع الإسرائيلي، وتلاقت مع تحولاتٍ فكريةٍ طرأت على اليمين القومي والديني، إثر حرب حزيران 1967.

ويحاول هذا اليمين الجديد ترجمة سيطرته على السياسة في إسرائيل ضمن حالة من الهيمنة على المشهد العمومي في المجتمع، من خلال سلسلة طويلة من السياسات والإجراءات والقوانين التي تجسّد سيطرته، وتترجمها نحو هيمنة شاملة.

ومع ذلك، لا تلتفت جمعيات حقوق الإنسان، بما فيه الكفاية، إلى حقيقة أن ما يدفع به اليمين الجديد، فيما يتعلق بصلاحيات السلطة القضائية مثلاً، يتقوّى بما شهدته إسرائيل، بما في ذلك في الفترات التي لم يكن فيها اليمين ممسكاً بعنان السلطة، أو على وجه الدقّة في مرحلة التأسيس والجدالات التي أثيرت بشأن اعتماد دستور أو عدم اعتماده.

وستسعفنا للتمثيل على ذلك استعادة أقوال لرئيس الحكومة الأول، ديفيد بن غوريون، المؤسس الفعلي لدولة الاحتلال، لدى إجراء نقاش في الكنيست بشأن "مشروع قانون الخدمة الأمنية" في كانون الثاني/ يناير 1950، أكد فيها أنه يجب إنشاء إسرائيل على أساس وثيقة واجبات لا وثيقة حقوق.

ومما ورد في أقواله: "يبدو لي أننا عمومًا نتكلم زيادة عن اللزوم حول حقوق الإنسان، كما لو أننا نعيش في القرن الـ18، عندما حطمت شعوب معينة لأول مرة قيود الاستبداد، وأعلنت عن حقوق الإنسان.

وفي أيامنا الحالية، يجب أن نعلن أولًا وقبل أي شيء عن واجبات الإنسان. ودولة إسرائيل يجب بناؤها على أساس وثيقة واجبات، وأنه لا حقوق من دون واجبات".

عن "عرب ٤٨"