تركيا «تقلّع» شوكها بيدها

حجم الخط

بقلم هاني عوكل

 

تجتهد تركيا في هذه الأيام لتوسيع دائرة النزاع المتواصل في إدلب وإدخال دول غربية إليه، في سبيل تحقيق تقدم على حساب تقدم الجيش السوري المدعوم من روسيا، والذي تمكن من السيطرة على أكثر من نصف مساحة إدلب، وهو في الطريق للسيطرة على باقي المناطق في شمال المحافظة.
حديثاً وبعد أن فقدت خمسة جنود في قصف مدفعي استهدف نقطة مراقبة تركية، بحثت أنقرة موضوعين مع الولايات المتحدة الأميركية، الأول طالبت فيه حلف شمال الأطلسي "الناتو" بالتدخل لمساعدتها في إدلب، والثاني طلبت فيه من واشنطن نصب منظومة الصواريخ المتطورة "باتريوت" لصد هجمات روسيا والجيش السوري.
قبل ذلك حاولت تركيا تخويف الجيش السوري بتعزيز قواتها في شمال إدلب، وشددت من لهجتها العدائية بضرورة أن تعود القوات السورية إلى خلف نقاط المراقبة التركية، ورسالة أنقرة لم تكن تستهدف فيها سورية الأسد، بقدر ما أنها رسالة لروسيا بوتين بأن عليها تفهم احتياجات تركيا الأمنية.
الذي دفع أنقرة لطلب المساعدة من واشنطن والدول الغربية، هو إدراكها أن ساعة الحسم قد اقتربت مع روسيا والجيش السوري، وأن الدبلوماسية قد لا تتمكن من تحقيق مصالحها في إدلب، بدليل عقد ثلاث جولات مباحثات حول المحافظة بين الطرفين الروسي والتركي و"كأنك يا أبو زيد ما غزيت".
في الموضوع الأول حاولت تركيا أن تجلب "الناتو" إلى إدلب، بهدف الضغط على روسيا وجعلها تتفهم رغبة أنقرة في البقاء هناك، هذا إلى جانب تحويل ملف النازحين واللاجئين إلى طعم للمجتمع الدولي وتسييسه من أجل القبول بإقامة تركية في إدلب.
مع ذلك فشلت هذه المحاولة وصدرت تصريحات من مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية أن الحلف سيبقى بعيداً عن ملف إدلب، وفي ذات الوقت اعتبر المشكلة ثنائية بين روسيا وتركيا. هذه الرسالة إلى أنقرة تتصل بفهم خطورة دخول حلف "الناتو" في معركة إدلب، لأن ذلك قد يعني مواجهة مفتوحة مع روسيا.
أيضاً أجاب "البنتاغون" بدبلوماسية ناعمة على طلب نصب صواريخ "باتريوت" في سورية، إذ صرح ذات المصدر الأميركي في وزارة الدفاع أن بلاده لن تنصب هذه الصواريخ، في حين أبلغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من قبل واشنطن بأنه ليس لديها صواريخ "باتريوت" في الوقت الحالي.
في نفس الوقت لم تغلق أنقرة الباب على الحوار مع روسيا، ويلحظ أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سعى إلى استبدال موضوع زج "الناتو" في معركة إدلب بطلب عقد قمة رباعية تشمل بلاده وروسيا وتركيا وألمانيا في الخامس من آذار المقبل، غير أن موسكو تدرس عقد مباحثات تجمعها وتركيا وإيران، وربما لا تعقد هذه المباحثات ارتباطاً بما يجري حالياً على الأرض.
من غير المرجح أن تتوقف معركة إدلب مع اقتراب مهلة انسحاب الجيش السوري إلى خلف نقاط المراقبة التركية شمالي إدلب، التي كان قد حددها أردوغان حتى آخر هذا الشهر، والسبب أن روسيا أولاً تدفع باتجاه التصعيد وإنهاء هذا الملف، وثانياً يمكن القول إذا كان الجيش السوري يحقق عمليات حسم عسكرية فلماذا يوقف خط النزاع؟
على الأغلب أن يدفع أردوغان بفصائل المعارضة السورية لقتال الجيش السوري، وفي ذات الوقت تزويد تلك الفصائل بأسلحة تمكن من فرملة تقدم الجيش في أسوأ الأحوال، ومؤخراً استعاد الجيش السوري بلدة كفرنبل جنوب محافظة إدلب، غير أنه فقد قرية النيرب التي تقع شرق المحافظة وملاصقة لطريق "إم 4" الاستراتيجي.
وكذلك فقد مدينة سراقب التي استعادها من قبل، وثمة معركة محتدمة بين طرفي النزاع في هذه المدينة الاستراتيجية التي تهمهما كثيراً، لأنها تقع تماماً في قلب الطريق الدولي "إم 5" الذي يربط حلب بدمشق، وكذلك تأتي تحت طريق "إم 4" الذي يربط بين حلب واللاذقية.
الفكرة أن أردوغان يريد إعادة الجيش السوري عبر حليفه فصائل المعارضة إلى جنوب إدلب، وكذلك الاستفادة من ميزة الوصول إلى طريقي حلب-دمشق- اللاذقية، ولذلك تحاول أنقرة السباق مع الزمن لترسيخ نفوذها في محيط نقاط المراقبة التي أنشأتها شمال إدلب، ومن ثم التركيز على مفاوضات سياسية تضمن الحفاظ على نفوذها هناك.
المحصلة أن تركيا تلعب وحدها في إدلب بدون الدعم الذي تتمناه من شركائها في حلف "الناتو"، وهي معركة مفصلية وصعبة لأن الخاسر فيها بالتأكيد سيتعرض لصفعة قوية على وجهه، وعلى الأغلب أن تفشل أنقرة في تحقيق أهدافها بإدلب، أو تحقيق الحد الأدنى منها على أسوأ تقدير.
قد تزداد حدة المواجهات بين أطراف النزاع في المرحلة الحالية والمقبلة، ومن غير المستبعد أن تشتغل تركيا في الظل لإقواء المعارضة السورية ودعمها، أما أن تشن أنقرة حرباً على الجيش السوري ومن معه، فهذا أمر غير وارد، لأن تبعاته قد تكون كارثية على تركيا وعلاقتها مع روسيا، ولذلك يمكن القول إن مغامرة إدلب هي محسوبة بين مختلف الأطراف الفاعلة على الأرض.