الحل في غزة: «جرف صامد» قصيرة نذهب بعدها إلى التسوية

حجم الخط

بقلم: عاموس غلبوع


حركت النار في قطاع غزة موجة من الهجمات، الشتائم، والسباب على الحكومة "عديمة الوسيلة"، في أنها فقدت الردع، في أن قوتها ليست إلا بالتبجح. وبالتوازي استيقظت من جديد عقيرة الإبداع – في أنه ينبغي على الفور اقتلاع "الارهاب" الغزي من الجذور وان لا مفر من شن الحرب. انطباعي، على الأقل، كان انهم يحرضون نتنياهو تماما على شن الحرب عشية الانتخابات. وشرح بعض المحللين في الاستديوهات لشعب إسرائيل بأن "الجهاد الاسلامي" (الفلسطيني) في القطاع يعمل من اجل احباط التسوية مع "حماس"، وهو بالاجمال تنظيم "مارق" صغير، يمكن لـ"حماس" أن تلجمه إن شاءت.
أنا معني بأن أعرض هنا تقديري حول ما يجري في القطاع. أبدأ بإسرائيل: الواقع غير البهيج هو أن إسرائيل توجد في فخ 22 على نمط غزة: من جهة، تدير حوارا شبه متواصل مع "حماس"، بوساطة مصرية، في نهايته تحصل "حماس" على جملة من الهدايا الاقتصادية والمادية (بما في ذلك مناطق صناعية، ولكن ليس ميناء أو مطارا) مقابل الهدوء. من جهة اخرى، لا تريد "حماس" ان تفرض إمرتها على "الجهاد الاسلامي". في هذا الوضع، فان كل تسوية مع "حماس" هي عمليا "على الجليد"، وكل الوقت نشهد فتح المعابر، إصدار تصاريح لآلاف العمال، توسيع مجال الصيد، تقليصه، والعودة عن ذلك.
ان السبب المركزي لهذا يكمن في الفوارق بين "حماس" و"الجهاد الاسلامي". "حماس" هي بلا شك الجسم الاكبر والاقوى في قطاع غزة، ولكن "الجهاد" ليس جسما تافها. صحيح أنه أصغر من "حماس"، ولكن لديه قدرات عسكرية، وهو قادر على أن يطلق مئات الصواريخ في اليوم، بما في ذلك على تل أبيب ووسط البلاد. ومقارنة بـ"حماس"، فانه أكثر راديكالية وكفاحية منها. ثانيا، "الجهاد" ليس منقطعا عن السكان المدنيين. فهو يحرص عليهم من خلال الجمعيات الخيرية المختلفة. يهمه وضعهم ومعاناتهم. ولكن كفاحيته، نهجه الايديولوجي "المتطرف"، رغبته في تمييز نفسه عن "حماس"، وعلاقته الوثيقة مع إيران تؤدي لتكون رفاهية السكان لديه في أولوية متدنية وليس مركزية، مثلما لدى "حماس". ثالثا، بينما تتحرك "حماس" في مسار التسوية (قصيرة المدى، لبضع سنين فقط)، فان مسار "الجهاد" هو مسار كفاحي مستمر. وهو لا يعمل فقط على إحباط التسوية، بل إن اعتبارات التسوية ليست في أجندته.
إذا نظرنا إلى الرسم البياني للعمليات من القطاع في السنة الاخيرة، سنرى الصورة التالية: في ايار 2019 اطلق "الجهاد" 691 صاروخا بمبادرته، وأطلق في تشرين الثاني 2019 560 صاروخا، انتقاما لتصفية مسؤوله الكبير، ابو العطا. والان اطلق عشرات الصواريخ انتقاما لقتل اثنين من مقاتليه. وبين هذا وذاك فانه كفاحي كل الوقت: يقنص، يطلق النار، يطلق صاروخا، يحاول زرع عبوات على الجدار.
"حماس" قادرة على ان تلجم "الجهاد" جزئيا. والدليل هو أنها فعلت ذلك على مدى ثلاث سنوات بعد "الجرف الصامد"، مقابل الخسائر الفادحة والدمار العظيم. ولكن من الصعب عليها جدا الآن أن تصطدم به جبهويا كي تهزمه إلا إذا كانت مستعدة لتدفع ثمنا باهظا بحرب أهلية فلسطينية، تدعم فيها إيران "الجهاد"، مثلما سيفعل قسم كبير من السكان المدنيين.
إذاً ما العمل؟ برأيي "جرف صامد" محسنة وقصيرة، بعدها فقط تأتي التسوية، حين يكون أسهل على "حماس" فرض إمرتها على "الجهاد".

 عن "معاريف"