ضرره أكثر من نفعه

حجم الخط

بقلم د. أسامه الفرا

 

 منذ تشكيل لجنة التواصل مع المجتمع الاسرائيلي في ديسمبر 2012 بإعتبارها جسماً يتبع منظمة التحرير الفلسطينية وهي محط جدل واتهام، حيث يرى الرافضون لوجودها بأن عملها يصب في خانة التطبيع ويأتي متناقضاً مع الرؤية المتعلقة بضرورة العمل على عزل دولة الاحتلال وتوسيع رقعة المقاطعة لها، وطالبت حركة المقاطعة العالمية "BDS " مراراً وتكراراً بحل لجنة التواصل مع المجتمع الاسرائيلي، وتتعرض اللجنة إلى هجوم يصل أحيانا لدرجة التشهير بأعضائها بتهم تصل إلى حد الخيانة من قبل مشارب فكرية مختلفة كلما طفا على السطح نشاط لها عبر لقاء يجمع بين فلسطينيين واسرائيليين، في المقابل يرى المؤيدون لأهمية التواصل مع المجتمع الاسرائيلي أن هذه السياسة لم تكن وليدة اللجنة، بل تم تبنيها منذ بداية السبعينات من خلال التواصل مع شخصيات اسرائيلية في محاولة لخلق افق للسلام في المنطقة، وأن اللجنة في عملها تهدف لتوسيع دائرة المؤيدين لحل الدولتين داخل المجتمع الاسرائيلي.

قدم الأخ محمد المدني مؤخراً استقالته من رئاسة اللجنة على اثر حملة الانتقاد التي وصلت لتجريم اللقاء الأخير الذي جمع أعضاء من اللجنة باسرائيليين، لم تكن المرة الأولى التي يتعرض فيها رئيس اللجنة واعضائها إلى الانتقاد الجارح لكنها المرة الأولى التي تشارك فيها اطر حركة فتح بهذا القدر من الهجوم على عمل اللجنة، واستقبال الرئيس للجنة ورفضه لاستقالة رئيسها وتأكيده على أن العمل التي تقوم به اللجنة هو عمل وطني بكل المقاييس ويجب احترامه لن يوقف حالة الجدل حياله بين إعتباره عملاً وطنياً أم عملاً تطبيعياً، المؤكد أن عمل اللجنة لم يكن بإجتهاد من الأخ "ابو يافع" ولجنته، ولا أعتقد أنه مرتاح البال بتولي رئاسة هذه اللجنة، وبالتالي بعيداً عن شخصنة الأمور علينا اخضاع فلسفة التواصل مع المجتمع الاسرائيلي لمراجعة نقدية بما لها وما عليها سيما في هذه المرحلة التي تتداخل فيها المفاهيم.

فلسفة التواصل مع المجتمع الاسرائيلي في السابق لاقت قبولاً لعدة أعتبارات أهمها أن معسكر السلام الاسرئيلي أخذ بالتبلور مطلع الثمانينات وبات يفرض حضورة على الخارطة السياسية الاسرائيلية، وكي لا نجافي الحقيقة بأن الثقل الذي اكتسبه هذا المعسكر لم يكن بفعل لقاءات نخبوية فكرية جمعت الفلسطينيين بالاسرائيليين، بقدر ما جاءت بفعل التماس الواسع اليومي في العمل بين عشرات الآلاف من الفلسطينيين العاملين داخل الخط الأخضر وأرباب العمل من الاسرائيليين، ثم جاء اتفاق اوسلو ليعزز من فرصة تحقيق السلام في المنطقة، في تلك المرحلة كان من المنطق أن نجد داخل المجتمع الفلسطيني قبولاً بل وتأييداً لفكرة التواصل مع المجتمع الاسرائيلي، لكن الحال اليوم جد مختلف، فمعسكر السلام داخل المجتمع الاسرائيلي الذي كنا نسعى لأن نتقاطع معه لتعزيز فرص السلام في المنطقة لم يعد له حضوراً يذكر، وافرزت الانتخابات الاسرائيلية المتعاقبة ميلاً كبيراً نحو اليمين المتطرف، وتتسابق الاحزاب الاسرائيلية فيما بينها نحو المزيد من التطرف حيال الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

الدوافع التي بنيت عليها فلسفة التواصل مع المجتمع الاسرائيلي في السابق لم تعد صالحة اليوم، ليس بفعل اخفاقها في تحقيق اختراق يذكر نحو الهدف منها على مدار السنوات السابقة بل لأن البيئة اليوم تحف عملها بالكثير من المخاطر وتجعل ضررها يفوق بكثير نفعها، ، ولعل أخطرها أن البعض في محيطنا العربي سيجد من عمل لجنة التواصل ورقة توت يخفي بها عورة تطبيعه، يضاف إلى ذلك أننا في الوقت الذي نسعى فيه لمزيد من العزلة لدولة الاحتلال والانفكاك عنها نبقي على التواصل مع المجتمع الاسرائيلي ونكون بذلك كمن يحاول أن يوفق بين فكرتين متناقضتين لا قواسم مشتركة بينهما.