الإعلام بين التخصص والفوضى ..!

حجم الخط

بقلم د. عبد الرحيم جاموس

 

تعيش الساحة الإعلامية العربية فوضى إعلامية لا مثيل لها، لكثرة الوسائل الإعلامية، من مقروءة ومسموعة، ومشاهدة، يضاف إليها فوضى وسائل التواصل الإجتماعي، وفوضى الشبكة العنكبوتية، التي تعج بالمواقع الإعلامية المختلفة، والكل من هذه الوسائل يقذف إلى سمع وبصر وعقل المتابع من الجمهور بضاعته، غثها وسمينها، فيختلط على المتلقي المفيد من المضر، والصادق مع الكاذب، والمضخم مع المقلل، كل وسيلة ولها غرضها في التأثير على رأي المتلقي، وهو الضحية لهذه الفوضى، كما الحقيقة والمعلومة الصحيحة، هذا ما يدمر ثقافة المجتمع، ويفقده القدرة على الوصول إلى الحقيقة وإلى المعلومة الصحيحة، في كل المجالات المختلفة، إقتصادية، أو سياسية، أو إجتماعية، أو صحية طبية، كما حتى المعلومات العقدية والدينية لم تسلم من تأثير هذه الفوضى الإعلامية والثقافية الرغبوية.

في ظل غياب التخصص المبني على المعلومة الصحيحة، والتحليل السليم والعلمي المبني على أسس منهجية ومعلومات حقيقية، يصبح الإعلام أداة تخريبية رغبوية، بدل أن يكون أداة توجيهية وتثقيفية سليمة.

لابد من وجود إعلام متخصص، على مستوى كافة وسائل الإعلام المسموع والمقروء والمشاهد، في مختلف المجالات التي تهم الجمهور، فهناك مثلاً الإعلام الإقتصادي يجب أن تخصص له وسائله، الإعلامية وبحرفية عالية، وغيره من المجالات السياسية والإجتماعية والثقافية والصحية، والرياضية والأسرية، وكل مناحي ومناشط الحياة، ووضع حدٍ لفوضى الإعلام الرغبوي الذي بات ضرره أكثر من نفعه.

إن الثقافة والآداب والفنون، تعكس مستوى الحضارة لأي مجتمع، فلابد من الإهتمام بها، كي نرتقي بذائقة شعوبنا الأدبية والفنية، ونرتقي بمثقفينا وأدبائنا وفنانينا ليقدموا ما يفيد المجتمع، وأن تكون هناك الرعاية الكافية لهم ونشر إنتاجاتهم الأدبية والفنية.

كذلك في المجال الإقتصادي، العمل على تكوين ثقافة إقتصادية عامة لدى المتلقي تجعل منه عنصراً مهماً في العملية الإقتصادية، لأن الفرد في نهاية المطاف هو المستهدف لأنه كائن منتج ومستهلك.

وفي المجال السياسي أيضاً نحتاج إلى متخصصين في السياسات الداخلية والإقليمية والدولية، وتقديم الوقائع السياسية على حقيقتها، وتقديم التحليل العلمي لها المستند إلى الحقائق لا للتحليل الإنطباعي الذي يضفي هواه على التحليل والإستنتاج ويخفي الحقائق الصادمة في كثير من الأحيان، إن ضبط الإعلام وبناءه على أساس التخصص يحتاج في الأساس إلى كليات إعلامية متخصصة ليس في فنون الإعلام وأدواته ووسائله فقط، وإنما في أقسام إعلام تربوي ثقافي، إقتصادي وسياسي، أدبي وفني، إجتماعي وأسري، لتنشئ جيلاً متخصصاً من الإعلاميين وحرفيين ومهنيين، يعملون في القطاعات الإعلامية المختلفة، لتحقيق رسالة الإعلام في التوعية العامة.

تلك مشكلة الإعلام العربي الذي لا زال أسير الرغبوية، بعيداً عن المهنية الهادفة إلى تشكيل وعي خاص وعام ينفع الفرد والمجتمع والدولة، على عكس الإعلام المتخصص في بعض الدول المتقدمة، مهما تعددت الوسائل الإعلامية التقليدية أو وسائل التواصل الإجتماعي التي أصبحت تأخذ حيزاً ودوراً مهماً في التأثير في المتلقي وبالتالي في تشكيل الرأي أو الموقف، أو إيصال المعلومة، فالإعلام المتخصص بالتأكيد يمثل البديل لهذه الفوضى الإعلامية الرغبوية السائدة.

لابد من العمل على إيجاد الإعلام المتخصص، في كل مجال من المجالات، لإنقاذ الإعلام من الفوضى والتردي، وإنقاذ الحقيقة من التزييف، وإنقاذ المتلقي والمتأثر بهذا الإعلام من تدني الوعي وإختلاط المفيد بالمسيئ، على مستوى الفرد والمجتمع في آن واحد.