بعد اشتداد أزمة فيروس "كورونا" المستجد (كوفيد-19)، يشهد الدولار الأمريكي ارتفاعات متتالية مقابل الشيقل الإسرائيلي والعملات الآخرى، بعد عزوف المستثمرين في الأسواق المالية العالمية عن الأوراق المالية المختلفة؛ نتيجة تراجع الاستثمارات والإنتاج لاقتصاديات العالم، بالإضافة لانخفاض سعر إنتاج برميل النفط، مما يطرح تساؤلات عن أسباب ارتفاع الدولار والمدة الزمنية المتوقعة لاستمرار الارتفاع؟ وهل سيشهد العالم أزمة مالية مشابهه للكساد العالمي الكبير عام 1930، بعد انتهاء "كورونا"؟.
الدولار.. ملاذ آمن للمستثمرين
بدوره، استعرض الخبير في الشأن الاقتصادي، البرفسور أنور أبو الرب، الأسباب التي أدت لارتفاع سعر الدولار مقابل الشيقل والعملات الأخرى، بالقول: "إنّ ما يشهده العالم الآن من حالة هلع؛ نتيجة تفشى فيروس كورونا المستجد، أدى لتباطؤ معدل نمو الاستثمار العالمي، وعزوف المستثمرين عن الاستثمار في الأسواق المالية، ما أدى لتراجع حاد في الأسواق العالمية لم تشهدها منذ أكثر من 100عام".
وأضاف أبو الرب في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "المستثمرون قاموا بتبديل الأوراق المالية التي يمتلكونها؛ وبالتالي زاد الطلب على الدولار الأمريكي، إثر تراجع بورصة نيويورك والبورصات العالمية بشكلٍ عام".
وأوضح أنّ المستثمرين بدأوا يبحثون عن ملاذ آمن غير الأوراق المالية؛ خاصة بعد انخفاض "سعر النفط العالمي" الذي تراجع بشكلٍ حاد أيضًا؛ نتيجة العرض المتزايد من الدول المصدرة للنفط " السعودية، وروسيا".
وأشار إلى أنّ العرض الكبير في سوق النفط؛ يأتي كمحاولة من تلك الدول؛ لتعويض الخسائر التي نتجت عن انخفاض سعر النفط؛ نتيجة تراجع الطلب عليه؛ بعد تراجع الاستثمارات وتوقف العملية الإنتاجية؛ خاصة في "الصين" كبرى دول العالم وكذلك أوروبا التي تُعد "بؤرة كورونا" الآن، حسب منظمة الصحة العالمية.
وبيّن أنّ الملاذ الآمن للمستثمرين الآن، هو "تحويل تلك الأوراق المالية إلى سيولة؛ وبالتالي ارتفع سعر الدولار"، لافتاً في ذات الوقت إلى أنّ الولايات المتحدة الأمريكية، حاولت الحد من ارتفاع الدولار، من خلال تشجيع المستثمرين على الاستثمار؛ بتخفيض سعر الفائدة على الدولار؛ ليصبح تقريبًا "صفر" في المئة.
وأردف أبو الرب: "الولايات المتحدة لم تستطع أنّ تكبح جماح ارتفاع الدولار؛ لتأثيراته السلبية على اقتصادها، بتراجع الاستثمارات والعملية الإنتاجية وبالتالي النمو الاقتصادي".
من جهته، أرجع المحلل الاقتصادي مازن العجلة، الارتفاعات المتتالية للدولار، إلى أزمة "فيروس كورنا" التي أدت إلى عدم استقرار الأسواق المالية العالمية؛ الأمر الذي أدى لانخفاض الأوراق المالية بكل أنواعها.
وتابع العجلة: "بالتالي الاتجاه دائمًا يتحول إلى الدولار؛ خاصة في ظل انخفاض سعري "النفط والذهب" باعتبارهما من السلع الاستراتيجية أمام الدولار".
ونوّه العجلة خلال حديثه لـ"خبر" إلى أنّ ازدياد النفقات العالمية؛ لمواجهه " كورنا"، أدى لزيادة الإقبال على الدولار؛ وبالتالي أدى لارتفاعات متسارعة ومتتالية للدولار.
وأوضح أنّ الولايات المتحدة تُحاول من خلال "البنك الفيدرالي" ضخ مئات مليارات الدولارات في السوق الأمريكي؛ لتهدئة الاندفاع في سعر صرف الدولار أمام العملات الآخرى.
ورأى أنّ سوق الاحتلال الإسرائيلي، ليس بعيدًا عن هذه التطورات؛ خاصة أنّ هناك خسائر اقتصادية تتعلق بتوقف النشاط الاقتصادي؛ بسبب "كورونا" مع تسجيل إصابات جديدة، والإجراءات التي جرى إتخاذها لمنع انتشاره.
ولفت إلى أنّ البنك المركزي الإسرائيلي تدخل بالأمس، لضخ مئات ملايين الشواقل؛ لمحاولة وقف التدهور، الأمر الذي قد ينعكس إيجابًا على عدم وصول صرف الدولار إلى حافة "3.9"
واعتبر العجلة أنّ ما تم ذكره أعلاه عبارة عن عوامل مالية، مُستدركًا: "لكنّ قد تكون هناك عوامل سياسة واقتصادية أكثر حدة، تدفع باستمرار التفاعل إذا لم يكن هناك "سياسة نقدية" قوية، في ظل الظروف الغير مستقرة".
ارتفاع الدولار.. مرهون بكورونا
وبشأن الفترة الزمنية المتوقعة لاستمرار ارتفاع الدولار مقابل العملات الآخرى، قال العجلة: "طالما أنّ أزمة "كورونا" تتفاقم وتتطور، هناك إمكانية لحدوث مفاجئات دراماتيكية في الأسواق المالية"، مُوضحاً أنّ بعض الأسواق المالية أغلقت؛ حتى لا يتم الوصول لهذا الحد من المفاجئات.
وأضاف: "الإقبال على الدولار لا يُغلق باعتباره سلعة مهمة؛ وبالتالي هناك إقبال مهم على الدولار وتدخل البنك الفدرالي بكمية واسعة من الأدوات والإجراءات في سياق السياسة النقدية في محاولة دعم الدولار، وهو يدرك أنّ الطلب على الدولار سيستمر".
وترتبط دائماً السياسة النقدية بتغيير معدلات الفائدة والتأثير في حجم المعروض من الأموال المتداولة، وتُنفذ هذه السياسة بواسطة البنوك المركزية كالفيدرالي الأمريكي والمركزي الأوروبي وغيرهما.
ويُمكن للسلطات النقدية والبنوك المركزية تحفيز الاقتصاد بأدوات نقدية مثل التيسير الكمي لزيادة المعروض من النقد.
أما السياسة المالية تعتمد على قرارات حكومية بتغيير معدلات الضرائب ومستويات الإنفاق من أجل التأثير في الطلب، وبالتالي الانعكاس على النمو الاقتصادي.
وتُنَفذ السياسة المالية من جانب السلطات التنفيذية في الحكومات وأذرع تشريعية في البرلمانات.
وفي العقود الأخيرة، أصبحت السياسة النقدية أكثر شهرة من السياسة المالية نظراً لتدخل البنوك المركزية في أعقاب الأزمة المالية العالمية، وربما يرغب الساسة في التدخل بخفض الفائدة لإنعاش الاقتصاد قبيل انتخابات عامة أو ما أشبه.
وتعد السياسة النقدية أسرع في التنفيذ، فمن الممكن تغيير معدلات الفائدة كل شهر.
أما أبو الرب، رأى أنّه في حال عدم إرسال إشارات طمأنينة للمستثمرين، بإيجاد لقاح "لكورنا"، فستبقى الأمور كما هي؛ لحين تعافي الوضع العالمي بشكل عام.
وبالحديث عن أكثر الفئات استفادة من ارتفاع الدولار، أكّد أبو الرب على أنّ الجميع متضرر، لأنّ الاقتصاد العالمي متراجع مع توقف العملية الإنتاجية؛ مستدركًا: "من استفاد بشكل عام من امتلك الدولار، بتحويله الأوراق المالية إلى دولار".
ونبّه إلى أنّ الولايات المتحدة من أكثر المتضررين في الوقت الحالي ومستقبلاً، إذا ما استمر ارتفاع الدولار؛ لأنّ صادراتها ستنخفض ووارداتها ستزداد؛ الأمر الذي سيترتب عليه تعطيل العملية الإنتاجية وارتفاع معدلات البطالة.
بعد "كورونا".. كارثة سيدفع فاتورتها العالم
وبشأن الحديث عن أزمة مالية عقب انتهاء فيروس "كورونا" مشابهة لأزمة العام 2008، قال أبو الرب: "إنّه لا يوجد مقارنة بما يحدث الآن بأزمة 2008؛ بل مع الأزمة المالية التي جرت في العام 1930 أي الكساد العالمي الكبير".
وأردف أبو الرب: "الخسائر في العام 2008 قليلة مقارنة بما سيحدث إلى حين تعافي الاقتصاد، حيث ستكون كبيرة؛ لأنّ الاقتصاد العالمي سيدفع فاتورة كبيرة جدًا حتى يتعافى، وذلك بعد توقف خطوط الإنتاج في الدول الصناعية وحركة الطيران؛ وبالتالي نحن أمام كارثة سيدفع فاتورتها كل مواطن".
والكساد الكبير هو اصطلاح يُطلق على الأزمة التي نتجت عن تدهور معدلات النمو الاقتصادي في معظم دول العالم عام 1929 وانتهت في ثلاثينيات القرن الماضي أو بداية أربعينيات القرن نفسه في أوقات مختلفة.
وقد بدأت الأزمة بأمريكا، ويقول المؤرخون إنّها بدأت مع انهيار سوق الأسهم الأمريكية في 29 أكتوبر 1929 والمسمى بالثلاثاء الأسود.
ويعتبر الكساد الكبير أكبر وأهم فترة تدهور اقتصادي عرفها التاريخ الحديث، ويُعتبر في القرن الحالي مؤشراً لقياس العمق الذي يُمكن أنّ يهوي إليه الاقتصاد العالمي.
وأوضح العجلة أنّ أزمة "كورونا" لم تُدخل الاقتصاد العالمي في مرحلة الركود بعد، لكن معدلات النمو متراجعة بشكلٍ كبير وفي بعض الدول سالبة، كما هو متوقع أنّ يعلنها البنك الدولي وصندوق النقد في نهاية الربع الأول من العام الجاري.
ورجح أنّ يتعافى الاقتصاد العالمي بشكلٍ بسيط بعد انتهاء أزمة "كورونا"؛ لأنّ الدول قد تكون أنفقت الكثير من الأموال خارج سياق الخطة المالية المتعلقة بموازناتها، وبالتالي سيكون هناك بعض الضعف الاقتصادي، لكنّ من المتوقع أنّ يستعيد عافيته حتى نهاية العام في ظل أدوات السياسة المالية والنقدية التي تتخذها الدول.