أزمة "كورونا" وأهمية عودة الثقة والتعاضد الاجتماعي

عقل أبو قرع.jpg
حجم الخط

عقل أبو قرع

مع مواصلة فيروس «كورونا» اجتياح المزيد من الدول ومع تصاعد حالات الإصابات والوفيات في أكثر من 160 دولة في العالم، يستشف من نوعية ومستوى الإجراءات المتبعة من قبل الحكومات، أهمية الالتزام والعمل الجماعي المتكامل من أجل نجاح الخطط، سواء فيما يتعلق بإجراءات الوقاية من حالات جديدة ومنع الانتشار، أو من ناحية الاحتواء والتخفيف من أوضاع حالية، أو من ناحية الالتزام بإجراء الفحوصات والبقاء في العزل الصحي أو البيتي، والأهم مدى أهمية وجود الثقة مع الجهات الحكومية والصحية، ومدى أهمية تكاتف وتعاضد الناس بمختلف أطيافهم، والعوده الى قوة « رأس المال الاجتماعي»، التي كنا  نملكها في بلادنا، ولكن افتقدناها وربما مع العديد من المجتمعات الأخرى خلال السنوات الماضية.
وقوة رأس المال الاجتماعي، أو مستوى الثقة بين الأفراد والتجمعات المختلفة من حكومية أو غيرها، أو بين تجمعات وأخرى، من أجل المصلحة العامة، هي من أهم سمات المجتمع الصحي الذي يعمل معاً، وبالأخص في أوقات الأزمات، ومنها الأزمة الحالية بفعل فيروس كورونا،  التي تمر بها العديد من المجتمعات ومنها بلادنا، ومثال الصين في نجاحها في احتواء أزمة الفيروس، والقدرة على الأقل في وقف انتشار فيروس سريع الانتشار مثل كورونا، في تجمع لا يقل عن 100 مليون شخص وفي بلد يحوي حوالي 1400 مليون إنسان، لهو دليل قاطع على مدى أهمية وجود الثقة والالتزام بين الناس وبين المؤسسات المختلفة، ولمدى أهمية وجود تكافل وتعاضد وعمل جماعي متكامل من أجل النجاح في عبور الأزمات.
وفي بلدنا، كان رأس المال الاجتماعي، أو التعاضد في أوج قوته خلال أزمات أو أحداث مر بها مجتمعنا، ومن أهمها الانتفاضة الأولى بكل مراحلها، وكان التعاون والعمل الجماعي، والالتزام وتطبيق الإجراءات والتعليمات على أعلى وفي أقوى المستويات، وهذا ربما كان السبب الأهم في تحقيق النتائج والأهداف المتوخاة، ورغم أن قوة هذا الرأسمال قد خبت أو تضاءلت أو حتى اختفت خلال مراحل مختلفة في بلادنا، ولأسباب مختلفة، وحتى في ظل أزمات وتطورات كبيرة، إلا أن الأسس ما زالت موجودة للعودة وبقوة إلى استعمال قوة رأس المال الاجتماعي في تجاوز أزمات وتحقيق إنجازات، وفي عودة الثقة والتكافل الاجتماعي بين الأفراد أو الشرائح المختلفة في المجتمع، وهذا ما بدا واضحاً ولو بشكل أولي خلال التعامل مع أزمة فيروس كورونا، والنجاح حتى الآن على الأقل في الحد من انتشار الفيروس.
ومع مواصلة أزمة «كورونا» بالتعمق والانتشار وإثارة الرعب والذهول في العديد من دول العالم، ومع الأثر الإيجابي والنتائج المقبولة التي تمت حتى الآن من خلال تعاملنا مع هذه الأزمة في بلادنا، فإننا وبالإضافة الى مواصلة تقوية القطاع الصحي وفي جوانب مختلفة، من حيث التركيز أكثر على التخطيط لاستراتيجيات بعيدة المدى، تعتمد مبدأ الوقاية والتوعية كأولوية للحفاظ على الصحة العامة، فإننا يجب أن نركز الانتباه كذلك أكثر على أهمية تقوية الثقة وعلى توطيد أسباب ووسائل التعاضد بين الناس وبين المؤسسات والناس وبين الحكومة والأفراد، لأنه وكما أثبتت أزمة كورونا حتى الآن، فإن نجاح تجاوز هذه الأزمة وكما في غيرها من الأزمات المستقبلية، لن يكون الا بتعاون الناس معاً من أجل المصلحة العامة، وفي التزام الناس من خلال بناء الثقة، وهذه هي قوة «رأس المال الاجتماعي» التي تسعى إليها العديد من المجتمعات.