قراءه في توقف صلوات الجماعة بتاريخ المسلمين

حجم الخط

بقلم د ناصر اليافاوي

 

 اختلف البعض فى مسألة اتخذتها وزارات الأوقاف الإسلامية ، الخاصة بإغلاق المساجد وإيقاف صلاة الجماعة، بعد أزمة وباء كورونا، وكان الاختلاف إما حرصا او جهلا او تنطعا..
سنحاول في هذه القراءة الموجزة، استعراض الجانب التاريخي لهذه المسألة ...
من خلال غوصنا فى أمهات ومراجع التاريخ نلاحظ أن التاريخ يعيد نفسه ، نفس الأحداث والمواقف تكرر وحين أقرأ ماكتب قبل ألف عام شعرت إني أعيشه الآن ، فقد كتب المؤرخ ابن الجوزي في سنة 449هـ انتشر ( وقع في هذه الديار وباء عظيم مسرِف زائد عن الحد، والناس يمرّون.. فلا يرون إلا أسواقا فارغة وطرقات خالية وأبوابا مغلقة..، وخلت أكثر المساجد من الجماعات
- الإغلاق زمن طاعون عمواس :
كان "طاعون عمواس" الذي فتك بقادة وجنود جيش المسلمين بالشام أول وباء خطير يشهده التاريخ الإسلامي
كانت الفاجعة الكبيرة في "طاعون عمواس" الذي عمّ بلاد الشام سنة 18هـ، وأدى إلى وفاة عدد لا بأس به من الصحابة ومنهم أبو عبيدة بن الجراح ، ثم معاذ بن جبل ؛ وبعد ذلك استخلف على الناس عمرو بن العاص ، فقام في الناس خطيبا فقال: أيها الناس، إن هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار، فتجبّلوا منه في الجبال وفي روايات أخرى: فتفرّقوا منه في رؤوس الجبال وبطون الأودية. قال: فقال له أبو واثلة الهذلي: كذبتَ والله، لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت شرٌّ من حماري هذا (يُعيّر عَمْرًا بتأخر إسلامه). قال عمرو: والله ما أرد عليك ما تقول، وأيْمُ الله لا نُقيم عليه! ثم خرج وخرج الناس فتفرقوا عنه، ودفعه الله عنهم. قال: فبلغ ذلك عمر بن الخطاب من رأي عمرو فوالله ما كرهه".
وبهذا يكون عمرو بن العاص ، أوّل من نادى بالتباعد الجماعي لمواجهة الأوبئة، والتفرّق في رؤوس الجبال وبطون الأودية دون إقامة صلاة الجمعة والجماعات..
- إيقاف صلاة الجماعة في مكة بسبب الوباء /
ذكرت كتب التاريخ الإسلاميّ تعطيل المساجد بسبب الأوبئة مرارًا، ولم تسلم من مكة المكرّمة والبيت الحرام؛ فقد كتب ابن حجر سنة 827هـ، : "في أوائل هذه السنة وقع بمكة وباء عظيم بحيث مات في كل يوم أربعون نفساً، وحصر من مات في ربيع الأول ألفاً وسبعمئة، ويقال إن إمام مقام إبراهيم كان أتباع المذهب الشافعي يقيمون عنده صلواتهم) لم يصل معه في تلك الأيام إلا اثنان، وبقية الأئمة من المذاهب الأخرى بطلوا الصلاة لعدم وجود من يصلي معهم".
- توقف صلاة الجماعة فى تونس وشمال إفريقيا:
حسب ماورد في كتاب ابن عذاري المراكشي في كتاب ‘البيان المُغرب في أخبار الأندلس والمغرب‘ (
وقع في تونس وباءٌ عظيم سنة 395هـ، فتسبب في "شدة عظيمة انكشف فيها الستور...، وغلت الأسعار، وعُدِم القوات...، وهلك فيه أكثر الناس من غني ومحتاج، فلا ترى متصرفا إلا في علاج أو عيادة مريض أو آخذا في جهاز ميت...، وخلت المساجد بمدينة القيروان".
- الوباء يوقف صلاة الجماعة في الأندلس
ذكر الإمام الذهبيّ -في كتابه ‘تاريخ الإسلام‘ سنة 448هـ : "وفيها كان القحط العظيم بالأندلس والوباء، ومات الخلق بإشبيلية بحيث إن المساجد بقيت مُغلقة ما لها من يصلي بها". وذكر أيضا -في ‘سير أعلام النبلاء‘- أنه في هذه السنة "كان القحط عظيما.. بالأندلس، وما عُهد قحط ولا وباء مثله بقرطبة، حتى بقيت المساجد مغلقة بلا مُصَلِّ، وسُمي عام الجوع الكبير".
- وباء آسياالوسطى وصلاة الجماعة:
سنة 449هـ قدم لنا ابن الجوزي تفاصيل مروعة عن وباء عظيم سريع الانتشار والقتل، تفشى فيما يعرف اليوم بآسيا الوسطى ، وأفنى فيها نحو مليونين من البشر، ثم انتشر غربا حتى قارب أرض العراق؛ فيقول: (سنة 449هـ) ورد كتاب من تجار ما وراء النهر بأنه قد وقع في هذه الديار وباء عظيم مسرف زائد عن الحد، حتى إنه خرج من هذا الإقليم في يوم واحد ثمانية عشر ألف جنازة، وأحصي من مات -إلى أن كُتب هذا الكتاب- فكانوا ألف ألف وستمئة ألف وخمسين ألفا"!!
والناس يمرون في هذه البلاد فلا يرون إلا أسواقا فارغة، وطرقات خالية، وأبوابا مغلقة...، وطويت التجارات وأمور الدنيا، وليس للناس شغل في الليل والنهار إلا غسل الأموات والتجهيز والدفن...، وخلت أكثر المساجد من الجماعات"!!
فما أشبه اليوم بالبارحة يا قوم