من سيمثّل السجناء الفلسطينيين بعد منع المحامين من دخول السجون؟!

حجم الخط

بقلم: عبير بكر


كان والداي على رأس قائمة من أيدوا إعلان وزير الأمن الداخلي، جلعاد اردان، إغلاق أبواب السجون أمام محامي السجناء.
والآن يقولان لي إنه يجب عليّ الابتعاد عن السجون. هذا نوع من تجسيد أمنياتهما خلال العقدين اللذين كنت أمثل فيهما السجناء.
مثل آخرين، أيضا والداي يخطئان في الاعتقاد بأن الابتعاد عن السجون هو التحصين الأفضل، ليس فقط من فيروس الـ"كورونا"، بل أيضا من مشاهدة شخص هزيل ومريض وعيونه خافتة، مصاب بنوبات الاكتئاب.
لا تختلف رؤية والديّ عن الطريقة التي يبدو فيها السجن في نظر معظم الجمهور: من يوجدون فيه هم مصدر للعدوى، الصحية، والاجتماعية.
ومن الأفضل عدم التواصل معهم. إغلاق أبواب السجون استقبل من قبل الكثيرين بتنفس الصعداء. التفكير فيما كنت ستشعر به لو أنك كنت مكان السجين، هو تفكير لا يخطر ببال هؤلاء الناس، وكأنه يوجد لأي واحد منا حصانة من السجن، الانزلاق بشكل متعمد أو غض الطرف أو الإهمال.
إن منع المحامين من الوصول إلى موكليهم، ومنع العائلات من زيارة أبنائها، ربما يمكن أن يفرح البعض لاعتبارات ضيقة، لكن ذلك يقض مضاجع آلاف الاشخاص، أبناء العائلات الذين يقلقون على مصير أقاربهم في السجون، أحيانا في ظروف مجهولة.
الاكتظاظ في السجون يشجع انتشار فيروس الـ"كورونا" السريع، واحتمالية أن إصابة شخص واحد ستتحول بين عشية وضحاها إلى إصابة جماعية، هي واقعية.
من هنا فإن قلق السلطات من انتشار سريع للفيروس والأضرار بصحة السجناء وأعضاء الكادر هو قلق مبرر ومفهوم. ولكن إعلان اردان اغلاق أبواب السجون أمام الزوار، بما في ذلك المحامون، كان متسرعا.
كان من الجيد لو أن إطلاق سراح جماعيا لعدد من الأسرى، الذي صودق عليه الآن، كان هو الحل الأول الذي تم تبنيه، وليس الإغلاق الشامل لأبواب السجون.
كان يمكن أيضا فرض قيود على دخول جهات خارجية إلى إلسجن، وبذلك تقليص احتمالية وصول المرض من مصدر خارجي.
ولكن لا يوجد أي منطق في القرار الذي سمح بدخول سجانين جاؤوا من بيوتهم إلى السجن، شريطة فحص درجة حرارتهم، وفي المقابل يمنعون المحامين من القيام بمهمتهم.
خلافا للسجانين، المحامون لا يتصلون بشكل مباشر مع السجناء. وإجراء اللقاءات يتم أيضا في ظروف مقيدة ما زالت أقل اضرارا من منعها بصورة قاطعة.
إغلاق منشآت الاعتقال أمام أي جهة، باستثناء العاملين فيها، يعني إلغاء أي جهاز للرقابة على ما يحدث داخل السجون.
المحامون الذين يمثلون السجناء من أجل نيل حقوقهم، هم جهاز رقابة جوهري، وهو مهم بشكل خاص في هذا الوقت، حيث إن الغموض يلف كل شيء، وهناك قيود يتم وضعها من قبل السلطة التنفيذية بدون تدخل السلطة التشريعية. وإلزام المحامين بتمثيل السجناء عن بعد بدون أي إمكانية للتحدث معهم بصورة منفتحة وعلى انفراد، هو استخفاف، ويمس في المقام الأول حق السجناء الأمنيين بإجراءات نزيهة وتمكينهم ومن الوصول إلى المحاكم وتمثيل قانوني مناسب.
بشكل غير مفاجئ فإن السجناء الفلسطينيين، المصنفين كأمنيين، هم أول المتضررين. وخلافا للسجناء الأمنيين اليهود الذين توجد لمعظمهم إمكانية استخدام الهواتف، فإن السجناء الفلسطينيين لا يمكنهم فعل ذلك، واتصالهم مع العالم الخارجي يقتصر فقط على زيارة العائلات والمحامين.
ومنذ إغلاق أبواب السجون لا يوجد للسجناء الفلسطينيين من يتحدث باسمهم. ولا يوجد لهم أي وسيلة للابلاغ عن مشكلاتهم بشكل مباشر.
لا تنهي حالة الطوارئ من تلقاء نفسها متاعب السجناء اليومية، بل العكس، الضائقة فقط تزداد إزاء المعرفة بأنه من الآن فصاعداً سيتوقف علاج هذه المشكلات.
لوائح حالة الطوارئ صحيح أنها تمكن من إجراء اتصال مع المحامين، لكن طالما توجد مداولات قانونية معلقة وسارية. وماذا لو تمت مهاجمة السجين في الليل ولم يعالج كما يجب؟ وإذا توقفوا عن توفير العلاج الذي يحتاجه؟ وإذا كانت والدته تحتضر وهو يريد وداعها؟ وماذا إذا كانت السجينة في الدورة الشهرية ولا يوجد أي وسائل صحية في الغرفة؟ من الواضح أنه في هذه الأوضاع فإن وظيفة المحامية هي ترجمة ضائقة السجناء إلى مداولات قضائية.
الآن حكم على كل هؤلاء السجناء الانتظار مع مشكلاتهم والتنازل عن حقوقهم. والانشغال الكبير بانكشاف السجناء للفيروس لا يلغي واجبنا كمجتمع ومحامين في مواصلة التأكد من أن حقوق السجناء مضمونة ولو بحدها الأدنى.
هذا يمكن فعله فقط إذا تمكنا نحن المحامين من الدخول إلى السجون. وليسمح لي والداي.