مع تواصل تفشي جائحة كورونا في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، اضطرت السلطة الفلسطينية مساء أمس الأربعاء، للإعلان عن العمل بـ" قانون موازنه بالطوارئ العامة" وذلك بعد الإعلان عن العمل بـ"حالة الطوارئ" في 30 مارس من العام الجاري، بعد اكتشاف 7 إصابات في فندق إنجيل في مدينة بيت لحم إثر مخالطتهم وفد سياحي يوناني، الأمر الذي أدى لشلل تام في الحياة الاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزّة".
وقال رئيس الوزراء د. محمد اشتية عبر صفحته الرسمية في موقع "فيسبوك": "إنّ الرئيس محمود عباس أصدر مساء يوم الأربعاء، توجيهاته للحكومة بمباشرة العمل وفق أحكام قانون موازنة الطوارئ العامة، الصادر بتاريخ 31/3/2020".
وأضاف: "نُؤكّد على سيرنا على هدى توجيهات سيادته بهذا الخصوص، وبذل قصارى جهدنا لمكافحة وباء "كورونا" والحد من انتشاره، والحفاظ على الصحة والسلامة العامة".
وأردف: "مع انخفاض إيرادات الحكومة بشكل حاد سنعمل وفق موازنة طوارئ متقشفة من خلال تخفيض المصاريف لأقصى درجة لنتمكن من عبور هذه المرحلة الحرجة".
واستدرك: "أولوياتنا في الصرف ترتكز على ثلاثة بنود: مساعدة الفقراء، ودعم النظام الصحي، وتوفير رواتب الموظفين واحتياجات الأمن".
ماذا يعني قانون موازنة الطوارئ؟
بدوره، أوضح أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزّة، سمير أبو مدللة، أنّ "موازنة الطوارئ تستخدمها الدول في حالة الطوارئ والحروب والكوارث الطبيعية كالزلازل"، مُبيّناً في نفس الوقت أنّه يتم اللجوء لها في الأوقات الضرورية كـ"جائحة كورونا".
ولفت أبو مدللة خلال حديثه لوكالة "خبر" إلى أنّ موازنات الدول، تعتمد من السلطة التشريعية ومن ثم يتم الموافقة عليها من السلطة التنفيذية، مُستدركًا: "لكنّ في ظل ما تُعانيه السلطة من إيقاف للمجلس التشريعي؛ نتيجة للانقسام الداخلي، كان هناك تأخير في اعتماد الموازنة".
وأضاف: "الاقتطاعات التي تقوم بها إسرائيل من أموال المقاصة، بالإضافة لتوقف القطاع الخاص الفلسطيني أثرت على الإيرادات المحلية السلطة، بالإضافة لجائحة كورونا".
وأشار أبو مدللة إلى أنّ وقف الولايات المتحدة الأمريكية لمساعداتها المالية للسلطة منذ عام، أثر بشكلٍ كبير على موازنتها؛ وبالتالي تعتمد على المساعدات التي تأتي من الاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية، مُوضحاً أنّ الظروف الصعبة التي تُعاني منها أوروبا بسبب الجائحة سيؤثر على حجم المساعدات المقدمة للسلطة.
وتابع: "كل ما سبق ذكره، أدى لسعى رئيس الوزارء الفلسطيني لأنّ يعمل بموازنه تقشفية"، مُنوّهاً إلى أنّ الموازنة التقشفية لابد أن تُركز على النفقات الأساسية، خاصةً "الصحة والتعليم" والفئات المهمشة، سواءً الأسر المستورة أو العاطلين عن العمل.
واتفق الخبير الاقتصادي أنور أبو الرب مع سابقه، بأنّ لكل دولة موازنة اعتيادية يتم إقراراها من قبل المجلس التشريعي أو البرلمان؛ ولكنّ نتيجة غياب "البرلمان الفلسطيني" يتم اعتماد هذه الموازنة، بعد أنّ تُقدمها الحكومة إلى الرئيس محمود عباس، وبعد أنّ قدمتها واستشارت بها مؤسسات المجتمع المدني وهيئات وشخصيات مستقلة، قبل أنّ يتم اعتمادها.
وبيّن أبو الرب خلال حديثه لوكالة "خبر" أنّ موازنة الطوارئ تُبنى على ما هو متوقع من إيرادات وما هو متوقع من خدمات تقوم بها الدولة للشعب من خدمات تعليمية وصحية وتعليمة وأمنية وتطويرية أيضاً.
واستطرد: "نتيجة الظروف الطارئة انخفضت الإيرادات بشكلٍ ملموس، ونفقات السلطة زادت، خاصةً ما يتعلق بالمساعدات الاجتماعية والصحة؛ وبالتالي تُقدر وفقًا لقانون الطوارئ".
وأوضح أبو الرب أنّ موازنة الطوارئ تُغطي النفقات الطارئة من احتياجات، دون تقديم الخدمات الأخرى من تطويرية وموازنات الوزارات، ويتوقف جميعه على الاحتياجات فقط، وبالتالي يتم تخفيض نفقات كبيرة للدولة، وتقوم الدولة بتسيير الأمور ضمن الوضع الراهن وخاصة مع تواصل أزمة جائحة كورونا.
الموازنات التقشفية.. الأفضل والأقل انفاقًا في الأزمات
أما أبو مدللة فتوقع مع العمل بموازنة الطوارئ التي تقوم على الإنفاق على الحاجات الأساسية؛ بمعنى أنّه لن يكون هناك نفقات على الوزارات لأنّها شبه متوقفة، باستثناء وزارة التربية والتعليم، أنّ تتأثر رواتب موظفي السلطة في رام الله، أسوةً برواتب السلطة في غزّة.
وقال أبو مدللة: "قد تصل الرواتب إلى 60% والباقي مستحقات"، مُشيرًا إلى أنّ ذلك سينعكس على الحركة الداخلية للشراء والبيع؛ وبالتالي سيتأثر جزء من الذين يعملون في المصانع بسبب توقف القطاع الخاص، بالإضافة لعمل اليومية.
وشدّد على ضرورة عمل السلطة بالموازنة التقشفية في ظل تفشي جائحة كورونا؛ لأنها أفضل الموزنات وأقلها إنفاقًا، داعياً في ذات الوقت إلى ضرورة توجيه مساعدات عينية عبر اتحاد نقابات العمال أو وزارة العمل للمتضررين من أصحاب المصانع وعمال إسرائيل؛ كي لا تزداد نسب الفقر.
من جهته، أكّد أبو الرب على أنّ السلطة بدأت تُعاني من عجز حقيقي في ظل غياب المساعدات الدولية ونقص الإيرادات المحلية؛ وبالتالي لن تستطيع تغطية رواتب موظفيها للشهر الحالي.
وتساءل: "كيف تستطيع أنّ تُغطي رواتب الفقراء والعاطلين عن العمل وأبناء الشهداء؟!"، مُردفاً: "علينا أنّ نُخفض من المصاريف قدر الإمكان لتميكن العمل بخطة الطوارئ فقط".
وفي ختام حديثه، نوّه أبو الرب إلى أنّ الكارثة الاقتصادية حلت بكل دول العالم، لذلك فإنّ الأراضي الفلسطينية ليست بعيدة عن مصيبة كورونا؛ خاصة أنّ السلطة وضعها المالي صعب ضمن إيراداتها الحالية ولا تستطيع استمرار العمل بالموازنة الاعتيادية.