أنقذوا سورية من «كورونا»

حجم الخط

بقلم هاني عوكل

 

 بعد أن فتك النزاع السوري المتواصل بملايين الناس وشتتهم في أصقاع الأرض وأعاد البلاد إلى سنوات القحط والفقر، ها هو فيروس كورونا يدخل إلى سورية خلسةً ويضيف العذاب والآلام إلى ما يعيشه الناس من حياة صعبة لا تسر صديقا ولا حتى عدوا.
في الثاني والعشرين من شهر آذار الماضي، أعلنت وزارة الصحة السورية عن إصابة واحدة بفيروس «كوفيد ـــ 19» قادمة من خارج البلاد، وفي أقل من شهر كشفت نفس الجهة الحكومية حديثاً عن تسجيل 25 إصابة بالفيروس ووفاة شخصين، ومن غير المعلوم ما الذي سيفعله «كورونا» في البلاد.
كان يمكن لهذا الرقم أن يتطور في ضوء ضعف الإمكانات الصحية وغير الصحية التي تعيشها سورية، غير أن اتخاذ الإجراءات الوقائية منذ البداية وكذلك قلة حركة السفر إلى سورية منعت بشكل أو بآخر انتشار الفيروس، وإلا كنا أمام معطيات كارثية لو كان الأمر عكس ذلك.
مع ذلك، الحديث عن 25 إصابة بالفيروس أمر مخيف للغاية، خصوصاً في بلد يعيش نزاعاً مستمراً لحوالي تسعة أعوام، في الوقت الذي يفتقد فيه النظام الصحي الكوادر الطبية وآلاف المعدات الضرورية في مواجهة مختلف أنواع الإصابات بما فيها هذا الفيروس المستجد.
إلى هذه اللحظة لم يصل «كوفيد ــ 19» إلى شمال غربي سورية، ولم تسجل إصابات في مخيمات النازحين المقامة في شمال إدلب وفوقها بالقرب من الحدود السورية - التركية، غير أن سرعة انتشار الفيروس تشكل تحدياً كبيراً بالنسبة لآلاف السوريين الذين يعيشون في ظروف غير صحية ومأساوية إلى حد كبير.
على الرغم من إجراءات تقييد الحركة التي أقرتها الحكومة السورية لمنع تفشي الفيروس، إلا أن هذا الأمر لم يمنع آلاف النازحين السوريين المقيمين في المخيمات من العودة إلى منازلهم وقراهم، هرباً من «كورونا» الذي قد يصل إليهم في أي وقت دون «إحم ولا دستور».
يومياً، ثمة نزوح من الشمال إلى الجنوب وهو نزوح مدفوع بالخوف من تفشي الفيروس في المخيمات، خصوصاً وأن تركيا وإيران المجاورتين لسورية ترتفع فيهما أعداد المصابين بـ»كوفيد ـــ 19»، والخشية أن ينتقل هذا الوباء من هاتين الدولتين إلى الأراضي السورية وينتشر في الشمال والشمال الغربي والشرقي.
ليس هذا فحسب، بل هناك أيضاً عودة من جانب اللاجئين السوريين في مخيمات الشتات بدول الجوار إلى بلادهم تحسباً من وصول الفيروس إلى تلك المخيمات خصوصاً في لبنان وتركيا والأردن، علماً بأن المخيمات تفتقر إلى مختلف الإمكانات التي تمتلكها المدن.
إذا ما أرادت سورية تجاوز هذه الأزمة الصحية المستجدة فإنها بحاجة إلى ضبط سياسة التباعد الاجتماعي وإنشاء مراكز طبية تتوفر فيها الأجهزة والمعدات الضرورية في المخيمات والمناطق ذات الكثافة السكانية العالية، والأهم إيجاد طريقة مبتكرة لتطبيق التزاحم السكاني والتباعد الاجتماعي في مخيمات النازحين.
الصورة صعبة للغاية، ذلك أن الحديث في المخيمات يتركز حول خيم متلاصقة ببعضها البعض، وتسكنها أسر بأعداد كبيرة، والأهم أن المرافق الصحية قليلة وتستخدمها عشرات الأسر، ومثل هذا الأمر يشكل بيئة سهلة جداً لانتشار الفيروس بسرعة الصاروخ.
وحدها الحكومة السورية ربما لا يمكنها منع انتشار «كورونا»، وكثيراً ما حذرت منظمة الصحة العالمية من خطورة هذا الفيروس في مناطق النزاع والدول التي تعاني نقصاً حاداً من الأجهزة الطبية، ولذلك تحتاج البلاد إلى إجراءات مستعجلة على المستوى الدولي لمساندتها في وقف تفشي «كوفيد ــ 19».
ليست المشكلة فقط في إرسال كوادر طبية مؤهلة للتعامل مع الفيروس، ولا دعم البلاد بالأسرة والأجهزة الطبية والكمامات وخلاف ذلك، وإنما تحتاج «الشام» إلى دعم مادي حقيقي يجعلها قادرة على النهوض بالأعباء والمتطلبات الضرورية، ذلك أن النزاع استنزف من اقتصاد البلاد إلى حد كبير.
هناك جيش من العاطلين عن العمل بسبب تواصل النزاع وتدمير البنى التحتية للعديد من القطاعات الحيوية وغير الحيوية و»كورونا» أضاف إلى هذا الجيش جيشا آخر من العاطلين، بالإضافة إلى أن الدول الداعمة وكذلك المساعدات الإنسانية من قبل الأمم المتحدة تقدم بالحد الأدنى وبالكاد تصل إلى كل الأسر المنكوبة وتكفيها قوتها اليومي.
في ظل هذه الجائحة المستجدة ينبغي على الدول أن تتعاون وتتكاتف للحد من انتشار الفيروس وكذلك فرملة تدهور أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، وإذا كانت هي بحاجة إلى دعم لمواجهة هذا الوباء، فإن سورية تسبقها في الحاجة إلى الدعم السريع لإنقاذها من تفشي الفيروس داخل أراضيها.
وعلى كل من الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية التحرك الفوري لتقديم المساعدات المطلوبة للسوريين، والأهم مطلوب من فرقاء النزاع على المستويين المحلي والدولي عدم الاكتفاء بوقف إطلاق النار في إدلب ومحيطها استجابةً لضرورات اللحظة، وإنما التعاون أيضاً في قلب سورية لمواجهة «كورونا» وحماية السوريين من هذا الخطر الداهم.