بقلم: بن كسبيت
حكومة رعب: أحسد الذين يعرفون. من هم على قناعة بأن حكومة الـ36 وزيراً، التي ألفها نتنياهو وغانتس، هي وصمة عار على الشعب اليهودي على مدى الأجيال، أو من يعتقدون عكس ذلك أنها خلاص بأسرع من لمح البصر للجمهور الإسرائيلي من آلامه. أعترف من دون خجل بأنني في حيرة بين هذين القطبين، ضائع بين الضائعين، واعترف بخضوع بأن التاريخ فقط سيحكم فيما يتعلق بهذه المسألة.
الحكم سيُعطى بعد 18 شهراً. إذا دخل غانتس إلى بلفور، أي إلى مقر المناوب الرسمي الثاني لرئاسة حكومة إسرائيل، سيكون هذا إنجازاً غير مُدرك، لكن ليس نهائياً.
فقط إذا نجح في دق وتد، ووضع نهاية لعهد عائلة ضحت بحزب وبدولة كاملة، فإن هذا سيكون إنجازاً تاريخياً مهماً.
في هذه الأثناء، يمكن القول بثقة إنها ستكون أكثر الحكومات المؤلفة غموضاً وتضخماً وانفصالاً عن الواقع على الإطلاق.
36 وزيراً و16 نائب وزير، بينما أكثر من مليون إسرائيلي خسروا مصدر رزقهم، وملايين آخرون قلقون بشأن قدرتهم على إطعام عائلاتهم أيضاً في الشهر المقبل، وإسرائيل غارقة في حفرة اقتصادية هي الأعمق في الزمن الحديث. حقيقة أن نتنياهو وغانتس قادران على تخيل حكومة مرعبة كهذه في مرحلة كهذه، تدل على الهاوية الأخلاقية التي تدهورنا نحوها في عهد نتنياهو. لقد ألّف نتنياهو حكومة بهذا الحجم لتحقيق «الاستقرار» في سنة 2009 أليس كذلك؟ وثلاثة أو أربعة وزراء لن يكسرونا؟ كلا أنا لا أبرئ غانتس من مسؤولية هذا العار. فهو من جهة أُخرى، بخلاف نتنياهو، لديه أسباب تخفيفية. هو ليس سائق قطار العار هذا، هو راكب.
الحكاية الحقيقية مخبأة في «بند المقر». كما هو معروف في سنة 1999، بعد الهزيمة أمام إيهود باراك، كان من الصعب على عائلة نتنياهو مغادرة المقر الحكومي في بلفور.
وقد استغرق فصل السيدة عن المقر أشهراً طويلة، وضغطاً كبيراً لإخراجها من هناك. هذه المرة، بعد أكثر من عشرين عاماً، من الواضح أنه لا توجد قوة طبيعية أو رافعة هندسية قادرة على هذه المهمة المستحيلة. من جهة ثانية، يجب أن تبقى، أو لا اتفاق.
قبل بضعة اسابيع طرح أحد أعضاء قمرة «أزرق أبيض»- رحمه الله - هذه الفكرة: من أجل ماذا يحتاجان ليغادرا بلفور؟ لن يكون ممكنا اخراجهما من بلفور. تعالا نقرر أنهما سيبقيان في بلفور الى الابد، حتى لو ادين نتنياهو في المحاكمة وحكم بالسجن الفعلي. هذا بسيط: نحيط بلفور بسور عال، نستبدل رجال المخابرات برجال مصلحة السجون، هذا هو.
وها هو البند، كلمة بكلمة: «كما ستتقرر مراسيم أخرى لموضوع حراسة رئيس الوزراء البديل والقائم بأعمال رئيس الوزراء والمواضيع الناشئة عن ذلك مثل ترتيبات السكن، المكتب، وكل ما ينطوي على ذلك بشكل مباشر وغير مباشر، حين لا يكون هناك نقص لشيء من ذلك في أن من كان رئيس الوزراء البديل والقائم بأعمال رئيس الوزراء لرئاسة الوزراء، سيكون رئيس الوزراء بكل معنى الكلمة، بما في ذلك ترتيبات السكن لرئيس الوزراء وما ينتج عن ذلك، ورئيس الوزراء، الذي سيصبح رئيس الوزراء البديل والقائم باعمال رئيس الوزراء، سيكون مستحقا لكل الشروط المرفقة لقائم اعمال رئيس الوزراء».
أقترح تلحين هذا البند وأوصي بانشاده عدة مرات. القصة بسيطة: كل هذا يستهدف السماح لها بمواصلة السكن في البيت الذين تموله الدولة بالكامل، وتواصل التنمر على عامليها، وتواصل الاحتفاظ باسطول من السكرتيرات، وتواصل التنقل في قافلة لا تنتهي محوطة بالحراس، الحوامات والمتزلفين، واذا كنت أخمن صحيحا، تواصل ايضا اجبار الدولة على تمويل جزء مهم من النفقات في الفيللا الخاصة في قيساريا. إذ بدون هذا، لا يوجد شيء. حتى هنا موجز تاريخ الجنون.
لماذا وقّع نتنياهو الاتفاق؟ هناك سببان مجتمعان: هو يعلم أن الوضع الاقتصادي سيئ فعلاً. وليس هناك سحر يستطيع إطفاء الحريق الهائل الذي يلتهم الاقتصاد أمام عينيه. هو ملزم بإيجاد من يستطيع تحميله جزءاً من التهمة. لهذا السبب أوجد غانتس. أيضاً لأنه اتضح له في الأيام الأخيرة أنه لا يستطيع إقامة حكومة ضيقة. لا يوجد حتى الآن منشقون، وباستثناء بالون الهيليوم البشري الاكثر انتفاحا في التاريخ (أورلي أباكسيس)، ليس هناك مَن سينضم إلى عربته.
لقد بعث نتنياهو مؤخرا بمقربه يريف لفين الى كريهه جدعون ساعر كي يجس نبض تسفيكا هاوزر. ساعر وهاوزر صديقان قديمان. منهما لم يوافق احد على التعقيب على هذه القصة (ولكنها دقيقة). اقدر بان هاوزر تلقى عروضا يصعب وصفها. (قائم باعمال رئيس الوزراء)، وصيف الملك، سكرتير عام الكشافة القطرية ومنزل فاخر رسمي ملاصق) كي يفر (مع توأمه هندل).
كان الرفض صارما. واكثر من ذلك: تلقى هاوزر وهندل في الوقت ذاته تعهدا من غانتس ليضمن لهما مقعدين في قائمة «أزرق - أبيض» للكنيست، اذا لم يفرا بالفعل الى الطرف الاخر. كانت هذه خطوة سياسية حيوية.
وفي نهاية اليوم، هذا الثنائي اللطيف، الذي طُير من مكتب نتنياهو قبل سبع سنوات، يعود الآن بقوة ليحسم الأمر أمامه.
لقد أدرك نتنياهو أنه أمام أمرين، إمّا انتخابات وإمّا حكومة وحدة. هو حكيم بما فيه الكفاية ليصدق الاستطلاعات الحالية، لذلك عقد مجلس إدارته، ووقّع. لكن توقيعه لا يعني شيئاً. فهناك عدد لا يُحصى من الألغام والإغراءات التي تكمن له على الطريق، حتى يجري إقرار الحكومة. لكن على الأقل، نتنياهو وقّع. مجرد توقيعه الاتفاق الذي يحدد التاريخ الذي لن يكون فيه رئيساً للحكومة (ويتحول إلى نائب لرئيس الحكومة ورئيس مناوب للحكومة)، هو حدث.
تكبد غانتس في الاسابيع الاخيرة كميات تجارية من التشهيرات والشتائم. بعضها محق.
من جهة اخرى، فانه لم يأكل السمك الفاسد ويطرد من المدينة. أكل السمك الفاسد ودخل الى المدينة. ما الذي سيحصل عليه من هذه المدينة، سنعرفه لاحقا. في هذه الاثناء يمكن له أن يعرض غير قليل من الانجازات: وقف النبش حول الجهاز القضائي.
صحيح أن لنتنياهو حق الفيتو على الاصلاحات والتعيينات، ولكن على الاقل أنقذت حقيبة العدل من يدي أمير اوحنا واشباهه من اسطول الجرافات الذي بدأ بالصعود نحو المحكمة العليا. سلسلة طويلة من الامعات الذين لا يخجلون ممن سيطروا على قسم مهم من رموز الحكم ومؤسساته في إسرائيل سيعادون الى مطارهم. والمولد شديد القوة الذي أصم آذاننا 24/7 على مدى السنوات الاخيرة سيهدأ قليلا. وهذا ليس قليلا.
إذا اصبح غانتس رئيسا للحكومة الـ 13 في السنة القادمة، سيتحول هذا الانجاز من جائز الى عظيم.
الطريق الى هناك لا تزال طويلة. لقد جلس، أول من أمس، في بلفور ووقع على الاتفاق بينما تتقلب نظراته.
لو كان اخذ معولا وحفر في الساحة لاكتشف عظام كل اولئك الذين جلسوا هناك قبله، واستمعوا الى الوعود الاحتفالة لرب (ة) البيت. غانتس مصمم على ان يكون الاول الذي يحترم الاتفاق معه. هو بالذات. الساذج، البريء من الفهم السياسي. الهادئ والمتردد. إذا حصل هذا، فانه سيضحك علينا جميعا.
كل هذا ما كان ليحصل لولا البديل الاستغوائي الذي طرحه في الخارج ليبرمان، لبيد، ويعلون. فهم السيف الذي سلط فوق رأس نتنياهو.
الكابوس الذي هدد بأن يتحقق. هم يمكنهم أن يكونوا الرابحين الاكبر من حكومة الـ 36. إذا ما تحطمت القصة، خان نتنياهو غانتس أو العكس، انهار الاقتصاد وصعد اللهيب الى السماء، سيجد لبيد وليبرمان نفسيهما في موقع انطلاق. فهما اللذان حافظا على الكلمة، صمدا أمام الإغراء، ولم يتحولا.
يستحق اثنان آخران كلمة طيبة. بعض قرائي سيجلدوني الآن بالتأكيد، ولكن يوعز هندل وتسفي هاوزر وقفا في الاسابيع الاخيرة في وجه حملات ضغوط عظمى لم يشهد لها مثل ابدا. في البداية من اليسار، حين مورست عليهما كل الضغوط ليؤيدا حكومة اقلية مع العرب، ويسقطا بيبي. بعد ذلك من اليمين حين عُرض عليهما كل شيء وهددا بكل الميتات المحتملة كي يسمحا باقامة حكومة يمين. وقد صمدا في ذلك واصرا على كلمتهما.
مع أنه كان سيسرني جدا لو قامت في إسرائيل حكومة بتأييد القائمة المشتركة من الخارج (فقط كي أتبين بأن الشمس تشرق في الصباح) قال هاوزر وهندل طوال الطريق ان هذا موقفهما ولم يكسرا كلمتهما.
قررا السير مع ايديولوجيتهما حتى النهاية وفعلا ذلك. وكانت الذروة عندما تفكك «أزرق أبيض»، حين استعد هاوزر لان يعرض ترشيحه لمنصب رئيس الكنيست، اذا لم يعرض غانتس نفسه. كانت هذه مبادرة خاصة منه ومن هندل لمنع مئير كوهن من أن ينتخب للمنصب. قدرا بان انتخاب كوهن سيعرقل امكانية الوحدة. في اللحظة كان غانتس هو من قدم ترشيحه فسحبت المبادرة. أول من أمس على الاقل، كان يمكنهما أن يربت الواحد على كتف الآخر. قرار الحكم التاريخي، مثلما سبق أن كتب هنا، لهما ولنا جميعا، سيصدر لاحقا.
عن «معاريف»