بقلم: عاموس هرئيل
استكمل البندول حركته. الى ما قبل بضعة أيام كانوا ينشغلون هنا بسيناريوهات رعب. إحصاء أجهزة التنفس ومقارنات مخيفة مع إيطاليا وإسبانيا. الآن، يتركز النقاش العام على وتيرة الخروج من الاغلاق وعلى حجم المساعدات الاقتصادية التي ستعطيها الدولة للمواطنين الذين تضرروا في فترة أزمة الكورونا.
يبدو أن هؤلاء كانوا وزراء الحكومة الذين ناقشوا، أول من أمس، بمبادرة منهم وبشكل مطول، مسألة هل يجب أن يتم فتح أماكن التطهر من جديد، والسماح مرة أخرى بمعالجات الخصوبة وإطلاق المفرقعات في عيد الاستقلال. فعلياً، يبدو أن التغيير يتدفق من أسفل الى أعلى. المواطنون الذين سئموا من الحبس في البيت يريدون العودة الى الحياة الطبيعية، مرة أخرى. وأما الحكومة فهي التي تسوي صفوفها وفقاً لذلك.
ما زالت وزارة الصحة تدافع عن المعاقل الأخيرة التي اعتبرت فقط قبل أسبوع أحكاماً من القدر، يتلقاها الإسرائيليون بالموافقة، حتى لو لم يكن برغبة – عودة تدريجية الى العمل، ارتداء الكمامات، الحفاظ على مسافة مترين بين الشخص والآخر. ولكن في الحياة نفسها يجري تآكل مستمر. حتى عناوين الأخبار في القنوات التلفزيونية وفي مواقع الإنترنت، أول من أمس، عكست جدول أعمال يومياً يشبه العودة الى الحياة العادية: مضامين سياسية، إخلاء بؤرة استيطانية قرب نابلس، عملية طعن قرب رام الله، حادث رافعة في ريشون لتسيون، وموت شخص في الأربعين بسبب تحطم تراكترون في طبرية.
كل ذلك لا يعني بالطبع بأن قضية «كورونا» في إسرائيل قد انتهت. في الأيام القادمة وكلما تم تخفيف التعليمات وتضاءل الامتثال اليها، يتوقع زيادة معينة في الإصابة بالمرض. ولكن يبدو أنه في موازاة ذلك تجري عملية تشبه التعود. عدد الوفيات اليومي هو خبر يردون عليه تقريباً بهز الكتف، طالما أنه لا يترافق مع معطيات استثنائية أو قصة نادرة. التحذير مما ينتظرنا يبدو فارغاً ومتآكلاً، رغم أنه في أوروبا وفي الولايات المتحدة ما زالت الجثث بسبب الفيروس تتراكم.
كلما تزايدت مخاوف الحصول على سبل العيش فانها ستحتل المكان الأول في مجال الاهتمام. كبار السن، ولا نتحدث فقط عن الشيوخ، بل ايضا ابناء 65 – 67، الذين قبل لحظة كانوا بكامل القوة والقدرة، سيكتشفون بالتدريج أنه يتم دفعهم الى الزاوية، ويطلب منهم التحصن في بيوتهم من اجل السماح لأشخاص أكثر شبابا بمواصلة حياتهم.
التضامن الإسرائيلي المشهور توجد له حدود. فالأكثر بلوغاً مثل سكان بلدات غلاف غزة وسكان اصبع الجليل من قبل، يمكن أن يكتشفوا بأنهم ايضا يشكلون هامشاً اجتماعياً، ان لم يكن جغرافياً، والذين تضاءل اهتمام الحكومة والجمهور بهم. بقي رؤية ماذا سيبقى من وعود الحكومة الجميلة بعد الفشل المستمر في معالجة دور المسنين في الأسابيع الستة الأخيرة.
بين رمضان و»عيد الاستقلال»
كجزء من أحكام الأعياد، تقرر، أول من أمس، في الحكومة منع الخروج من المدن في يوم الذكرى وفي «يوم الاستقلال» الذي سيحل، الاسبوع القادم. في خطوة استثنائية تثير مشاعر قوية، تم تحذير العائلات الثكلى من زيارة قبور أعزائها عشية يوم الذكرى وفي اليوم نفسه. الهدف من منع تجمعات معدية واضح، لكن من المشكوك فيه اذا كانت قد حدثت هنا موازنة كافية مع الأخذ في الحسبان الاهتمام المطلوب بالعائلات، خاصة أنه في هذه الاوقات يكون عدد من الحوانيت مفتوحة.
مشكلة على مدى أبعد يتوقع حدوثها في الوسط العربي هي شهر رمضان الذي سيبدأ، هذا الأسبوع. قررت الحكومة إغلاق المصالح التجارية والحوانيت في المساء والليل، التي هي وقت الإفطار. بدأ منتدى جديد باسم «طواقم خبراء الأزمة» في نشر تحليلات حول التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لـ «كورونا». البروفيسور نداف دافيدوفيتش والدكتورة نهاية داود، الخبيران في صحة الجمهور من جامعة بن غوريون ويركزان عمل طاقم الصحة، قالا للصحيفة بأن استعداد الدولة لشهر رمضان حدث بتأخر، وتشوبه نواقص.
حسب الدكتورة داود: «في الوقت الذي يقول فيه رئيس الحكومة للجمهور الإسرائيلي بأن التسهيلات على الإغلاق تدخل حيز التنفيذ، فان السكان العرب، الذين كانوا في الحجر مثل الجميع مدة شهر ونصف في البيوت، مطلوب منهم الامتثال للتشديدات في بلداتهم. يحدث هذا في الوقت الذي فيه وتيرة الإصابة في قرى عربية كثيرة تصل الضعف مقارنة مع الوسط اليهودي. في المجتمع العربي هناك مستوى عال من الاستجابة للتعليمات، لكن توجد فيه أيضاً مشكلات خاصة: نسبة عالية من العائلات التي هي بحاجة الى المساعدة الاجتماعية، مخصصات الرفاه محدودة في المجالس المحلية، في ظل غياب دعاية كافية. لقد كان لدى الدولة شهر كي تستعد، لكن كل شيء يحدث في اللحظة الاخيرة».
وأضاف البروفيسور دافيدوفيتش إلى أقوالها: «لا يمكن رؤية الأزمة فقط بمفاهيم الصراع بين الحفاظ على صحة الجمهور وحماية الاقتصاد. الخطوات التي تم اتخاذها لها تأثير كبير على قضايا متنوعة مثل الصحة النفسية أو البطالة. عدد من أخصائيي الفيزياء والرياضيات الذين يقدمون المشورة لرئيس الحكومة، ينظرون الى الناس وكأنهم ذرات في صندوق. في المجتمع العربي، مثلما هي الحال في المجتمع المتدين، هناك عدد متنوع من المشاكل، بدءاً بخوف المرضى من المكوث في المستشفيات في رمضان وحتى غياب الطرود في البلدات العربية بصورة لا تسمح لهم بالتزود بالغذاء».
رياض الأطفال أولاً
قدم طاقم خبراء من جامعة تل أبيب ومن جهاز الأمن، الأسبوع الماضي، لوزارة الصحة بناء على طلب منها، رأياً يوصي باستئناف التعليم في البداية في مؤسسات التعليم الخاص وفي رياض الأطفال (من عمر صفر حتى 6 سنوات) كخطوة رئيسية أولى لعودة الاقتصاد الى العمل. ويترأس الطاقم د. دان يمين والبروفيسور عيراد بن غال من كلية الهندسة في الجامعة.
هذان الخبيران - يمين مختص في تفشي الأمراض وغال مختص في الذكاء الصناعي، قاما بتطوير نموذج وبائي للتنبؤ بانتشار «كورونا» في البلاد. يدمج هذا النموذج بيانات إصابة بالمرض مفصلة مع قاعدة واسعة من بيانات لشركات هواتف محمولة، تدلل على نماذج حركة الجمهور في البلاد أثناء الأزمة. وتوقع الطاقم في مرحلة متقدمة انتشار للمرض في عدد من القرى العربية وفي تجمعات الأصوليين.
يتوقع الطاقم أن فتح رياض الأطفال سيؤدي حقا الى بضع مئات أو آلاف المصابين يومياً، من بينهم حالات بدون أعراض كثيرة. ولكنه أوصى مع ذلك بفتحها. حسب تقديره، في وضع فيه نصف عمال الاقتصاد حتى جيل 60 يعودون الى العمل، لن تحدث زيادة كبيرة في نسبة الإصابة الشديدة التي تقتضي الربط بأجهزة التنفس.
حسب أقوال يمين وبن غال، لأن معظم الأطفال الصغار لا يعيشون في البيت ذاته مع أبناء الـ 65 فما فوق الذين يعتبرون المجموعة السكانية الأكثر تعرضاً للخطر، فان خطر إصابتهم غير كبير بدرجة مهمة. الأبحاث حول «كورونا» في العالم تدل على أن إصابة الأطفال بالفيروس في هذا الجيل بسيطة الى درجة غير ملموسة. ولكن اذا بقيت رياض الاأطفال مغلقة وبدون إصابة كبيرة بالمرض في الصيف، فان الفيروس يمكن أن يعود وينتشر بصورة قاتلة في الشتاء، والاندماج مع الانفلونزا الموسمية.
وحسب تقديرهما، فإن إعادة الأولاد في رياض الأطفال الى الحياة العادية بسرعة ستزيد عدد الأشخاص الذين سيطورون مناعة طبيعية للفيروس، وستساعد في تقليل متوسط عدوى كل مريض في الشتاء القادم. ويوصي الطاقم وزارة الصحة بالسماح بالعودة الى الحياة الطبيعية لجميع أطفال الرياض والحضانات باستثناء عدد من مراكز التفشي، منها في بيت شيمش وبني براك ومناطق أصيبت بدرجة اشد بـ «كورونا» في القدس. والى أن تستقر العدوى في هذه المناطق فان الطاقم لا يوصي في هذه المرحلة باستئناف التعليم في المدارس.
عن «هآرتس»