خلل في استراتيجية الجيش الإسرائيلي

6_13867_3117
حجم الخط

بقلم: أمير أورن

وصل غادي آيزنكوت ، مثل طفل في عربة، بعد حرب 1956 الى ايلات. ألقى هناك التحية على الصف الاول في حرب الايام الستة، وكان على أبواب المرحلة الاعدادية في حرب "يوم الغفران". في السنوات الأولى بعد احتلال أم الرشراش في العام 1949 كان جنوب النقب وايلات بعيدين عن الانظار وعن الاهتمام. وفقط بعد عملية سيناء بدأ البحر الاسود بالازدهار، لنقل النفط من ايران، الذي كان في حينه حيويا مثلما هو الغاز اليوم. دخلت السفن الى الميناء الذي أخذ يتطور، وانبعثت الحياة في المدينة الجنوبية.
 في الحرب مع مصر كانت ثمة أهمية كبيرة للطريق البحرية الى ايلات، واعلان الرئيس المصري عبد الناصر اغلاق مضائق تيارن في 1967 كان سببا كافيا للحرب. وبعد الصدمة المصرية أبدى الرئيس جمال عبد الناصر ووريثه أنور السادات استعدادهما للتسليم بوجود اسرائيل، لكن كان هناك شرط اساسي لغولدا مائير هو السيطرة الاسرائيلية على شرم الشيخ وتواصل بري حتى القطاع الشمالي بين رفح والعريش. أو بلغة صيف 1973، منطقة يميت. وقد تم دفع ثمن الرفض الاسرائيلي في حرب "يوم الغفران" وحرب الاستنزاف.
الدبلوماسيون الأميركيون، الذين تحدثوا مع غولدا مئير في تلك السنوات، اكتشفوا أن لديها أمرا ثابتا، أساسه في الحرب السابقة. غولدا مائير ليس أقل من موشيه ديان، فضلت شرم الشيخ على السلام. الوثائق التي تم الكشف عنها في السنوات الاخيرة أثبتت أنه من خلال الدبلوماسية الابداعية كان يمكن في حينه ايجاد صيغة متفق عليها تمنع الجسور المصرية على قناة السويس في 6 تشرين الاول.
آيزنكوت رئيس الاركان الثاني، بعد بني غانتس، الذي لم يكن جنديا بعد في حرب 1973. حروبه تختلف عن باقي الجنرالات الذين عاصروا تهديد الجيش المصري، حيث كانت سورية ولم تكن بعد روسيا، أي فترة الحرب الباردة بين القطبين، واستناد نظام حافظ الاسد على السوفييت. المشكلة هي أن الاستعداد للحرب المستقبلية لا يمنح الجيش فرصة الاستعداد للحرب الآنية، والحروب السابقة ايضا، التي تُغير شكلها باستمرار.
في العام 1996 فاز رئيس الحكومة حديث العهد، بنيامين نتنياهو، ووضع في لحم الجيش الاسرائيلي "الحديد الساخن"، السخافة القاتلة لنفق الحشمونئيم والصدام مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة. ومن اجل الاستعداد بشكل مختلف للحرب القادمة اهتم ضباط الجيش بتطوير معرفة جديدة في مجال مختلف جدا عن الحروب التقليدية، وقد برز قائد المنطقة الوسطى، الجنرال عوزي ديان، وموشيه يعلون واسحق ايتان، وضابط شاب حاذق وحكيم هو غال هيرش، وباستثناء يعلون، الذي أهمل كرئيس اركان الاستعداد للحرب السابقة ضد "حزب الله" في لبنان، فانهم غير مسؤولين عن التركيز على الاحتياجات الملحة لمواجهة "الارهاب" الفلسطيني.
الجذور المشتركة لـ "جنري" و "جنرال" ليست صدفة. فعلى القائد العسكري أن يكون مستعدا لجميع السيناريوهات، لكن أزمة الميزانيات تفرض عليه تفضيل سيناريو معين من بين عدد لا يحصى من السيناريوهات، وعند تحقق سيناريو آخر غير متوقع، يعاني من الواقع ومن لجان التحقيق. يهتم آيزنكوت في الآونة الاخيرة بـ "إدارة المخاطر أمام سيناريوهات ليست في مركز الاهتمام" – تهديد قوة عظمى قوتها أكبر من "حزب الله" و"حماس" ومن شأنها تبني نوايا وتحضيرات حقيقية، لكن فرص حدوث ذلك تبدو الآن ضعيفة.
هذه ليست مسألة استخبارات بل قدرة قيادية سياسية وأمنية – العمل السياسي الاسرائيلي هو امر مفقود، واحتمال أن تندلع مرة اخرى حرب على شرم الشيخ، لا يقلل من أهمية السعي الى السلام، بل العكس.

عن "هآرتس"