فرصة لتغيير الواقع في الشرق الأوسط

حجم الخط

بقلم: العقيد احتياط اوري هلفرن*


لا ريب أن أثر «كورونا» هو المصمم الجغرافي – السياسي العالمي الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية. فهو ينطوي، الى جانب المخاطر التي ستأتي في أعقاب الازمة، على استغلال فرص كبيرة ايضا، سيتيح تشخيصها، الآن، إلى جانب الأعمال الصحيحة الى تغيير طويل المدى.
حتى لو سبقت إسرائيل جيرانها في الخروج من الأزمة، فإنها لا يمكنها أن تحتمي تماما من الآثار الإقليمية التي لواقع «كورونا» على جيرانها. فالساحة الفلسطينية، التي تعتمد بحبل سُرّي على الاقتصاد الإسرائيلي، ستوفر لنا تحديات انسانية – ونتيجة لها أمنية ايضا – لا بأس بها.
ولكن ما يجري في إيران ودول نفوذها – لبنان، سورية، والعراق - جراء «كورونا» قد يوفر فرصاً أيضا. إيران، التي تتصدى منذ زمن بعيد لعقوبات خانقة، وأسعار نفط متدنية، وناتج قومي يراوح في المكان، تشهد اليوم إحدى الازمات الأعمق والاكثر تحديا التي عرفتها منذ صعود حكم آيات الله. فالى جانب الفقر والنقص المتفاقم، يتم أيضا تفاقم إضافي في مستوى التهديد المحدق بها من جهة واشنطن. ففي الأسابيع الأخيرة حركت الولايات المتحدة الى المنطقة حاملتي طائرات أخريين. كل هذه وغيرها يشكل مؤشرات مقلقة، حقاً، للقيادة الإيرانية.
في لبنان، «حزب الله» غارق حتى الرقبة في محاولة لتثبيت نفسه في الساحة اللبنانية الداخلية كـ «حامي لبنان»، في ظل فرز ميزانيات لمساعدة مدنية واجتماعية وبالاساس في اوساط معاقل الشيعة. ان المفهوم الذي اعتقد بأنه مع انهاء مهامه في سورية لحماية النظام سيتمكن من التفرغ بقوة اكبر للجبهة مع إسرائيل، دُحر في هذه المرحلة. مؤشراته إسرائيلياً، شق السياج الاسبوع الماضي ردا على هجوم إسرائيلي، ليست سوى محاولة عقيمة، تستهدف كسب الوقت. فالمنظمة تغرق في معالجة معاقلها المدنية، تحت اضطرارات مالية متفاقمة.
في سورية المدمرة، لن يكون ممكنا مقارنة خطر «كورونا» ابدا بالمشاكل الاخرى، ومن المشكوك فيه أن يكون الحكم يضع الموضوع في رأس اهتماماته. فالإبقاء على المسارات البرية الى العراق ومنه الى إيران مفتوحة يشير الى أن الحاجة الى تعزيز المحور الشيعي وتعاظمه لا تزال في رأس سلم الاولويات الأعلى. ولكن من الصعب التصديق بأن يواصل الشريك الروسي، القلق من تعاظم الوباء في الداخل، تخصيص الميزانيات لترسيخ المعسكر الشيعي. يحتمل أن يقلص تدخله، الذي على اي حال يوجد منذ زمن ما في ميل تقلص. ورغم ذلك، يشدد على أن المحور الشيعي لا يزال مصمما على تحقيق تطلعاته لتوسيع الانتشار في المنطقة. فإيران مستعدة لتستثمر من مقدراتها المتقلصة في تعميق تواجد الميليشيات في العراق وفي سورية، والعمل على التقدم العنيد في مشروع دقة الصواريخ وتسليح حلفائها، وفوق كل شيء فانها لا تتخلى عن ورقة النووي التي تشكل، من ناحيتها، بوليصة تأمين إستراتيجية حيوية.
على فرض أن الضغط الاقتصادي في الأشهر القريبة القادمة على إيران وفروعها سيبقى، بل سيتعمق، ولن يقل الضغط الأميركي، ستتسع الاحتجاجات الشعبية في الساحة الداخلية، وسيضطر النظام الى تخصيص مقدراته للانشغال بها عن كثب. في ظل مثل هذا الواقع، تقع في ايدي إسرائيل والولايات المتحدة فرصة لاعادة تصميم الخطوط الحم، التي تآكلت في السنوات الأخيرة في ضوء تعزيز القوة الاقليمية لإيران. في هذا الاطار يجب أن تتضمن الحملة ثلاثة عناصر عمل مركزية:
أولا، تشديد الضغوط الاقتصادية. رغم الاثار الانسانية فإن فيها ما يعمق الضغط المدني الداخلي على النظام، لتغيير سلم اولوياته الوطنية، من النووي الى البنى التحتية الوطنية، ومن تمويل الميليشيات الاقليمية ووسائل القتال الى أماكن العمل والغذاء.
ثانيا، ينبغي استغلال الضعف في أوساط القوى الشيعية في سورية لتفعيل مركز ومصمم لخطوات عسكرية لتدمير منظومات تعاظم القوى الدقيقة في سورية وفي لبنان، في ظل ابعاد القوات الشيعية من سورية الى لبنان. وكل هذا بأعمال حكيمة، دون اعتراف علني بالمسؤولية منعاً للتصعيد.
ثالثا، ينبغي تفعيل منظومة اعلان ونزع شرعية غايتها تشديد الضغط الداخلي على النظام في إيران، وفي سورية، وفي العراق، وفي لبنان. هدفها تجسيد الحاجة الى تغيير عميق في سلم الأولويات الوطنية – الى الاقتصاد، الى الصحة، والى الامن الاجتماعي، بدلا من الحرب ضد إسرائيل والولايات المتحدة.
في السطر الاخير، فان «كورونا» والضعف المؤقت الذي علق فيه المعسكر الشيعي يسمح للحلف الإسرائيلي – الأميركي باعادة تصميم المجال الجغرافي – السياسي في الشرق الاوسط.
في ظل أزمة «كورونا» وأسعار النفط المتدنية والاستقرار في دول المعسكر الشيعي، تتوفر فرصة من المشكوك فه أن تتكرر، لابعاد لإيران وفروعها عن تحقيق الحلم في تثبيت تواصل شيعي استراتيجي من الخليج وحتى البحر، يقوم على اساس مظلة صواريخ بعيدة المدى دقيقة ذات قدرة مستقبلية على حمل سلاح نووي.

عن «معاريف»
*المساعد الاستخباري لرئيسي الوزراء نتنياهو وأولمرت وضابط الاستخبارات في قيادة المنطقة الجنوبية.