لماذا تبقى المواقف والقرارات الدولية بلا أسنان؟

حجم الخط

بقلم صادق الشافعي

 

 البند السياسي الأهم، وربما الوحيد، في الاتفاق المعلن بين نتنياهو وغانتس على تشكيل حكومة وحدة، هو البند المتعلق بضم أراض واسعة من الضفة الغربية وإعلان السيادة على مستوطنات غير شرعية (وكلها غير شرعية).
مع التأكيد على وجوب بدء التنفيذ في بداية تموز القادم. وهو تأكيد فرضه نتنياهو لحسابات تتعلق في سعيه لربط هذا الإنجاز بشخصه وفي خدمة طموحاته السياسية، ووضعه القانوني.
وأيضاً لحسابات تتعلق باقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية والشكوك التي تتصاعد حول إعادة انتخاب الرئيس ترامب وما تثيره لنتنياهو من مخاوف بتغير الموقف الأميركي من تأييد عملية الضم.
هذا البند في الاتفاق، خلق موجة جديدة وقوية في المجتمع الدولي تقف ضده.
شملت الموجة: الاتحاد الأوروبي ودولاً غربية رئيسية كفرنسا والمانيا وغيرهما، ودولاً وهيئات دولية كثيرة أخرى. وتنوعت (الموجة) بين مواقف الرفض والإدانة، والتحفظ والاستنكار، والتخوف من تبعاته وتأثيراته السلبية على مشاريع السلام في المنطقة.
كل تعبيرات الموجة ضد البند المذكور قامت في مضمونها على قاعدة التمسك بقرارات الشرعية الدولية وحقوق الشعب الفلسطيني وحل الدولتين، وان الأراضي التي سيتم ضمها او إعلان السيادة عليها، هي بحكم القانون الدولي أراضٍ محتلة لا يجوز التصرف بها بأي شكل.
وكلها أيضا، خلت تماما من اي قرار او إجراء تنفيذي من أي جهة او هيئة، ولا حتى اقترنت بالتحذير من إجراءات، يمكن ان تصل الى عقوبات مهما كانت محدودة ضدها.
هذه الموجة تأتي، في مضمونها وخلوها من أي إجراءات، شبيهة او تكراراً لموجات لا عدّ لها منذ قيام دولة الاحتلال، كان آخرها الموجة التي أعقبت اعلان الرئيس الأميركي صفقة القرن.
من جهتها، دولة الاحتلال تتعامل مع هذه الموجة، كما تعاملت مع كل الموجات السابقة، ومع أي قرارات دولية لم تقبل بها مهما كانت ندرتها وضعفها، بكل استهتار ولامبالاة.
وقد بدأت دولة الاحتلال بهذا الشكل من التعامل واستمرت به منذ قرار التقسيم، الذي أعلن قيامها في العام 1947 (استولت على أراض اكثر بكثير مما أعطاها القرار، بالقوة وبتواطؤ سلطة الانتداب).
وظلت دائما تعتمد في ذلك الشكل من التعامل، على تحالفات دولية قوية ومتحكمة وحامية، وظلت الولايات المتحدة الأميركية أهمها من أيام الرئيس ترومان وصولاً الى ترامب.
كما ظلت تعتمد على عدم جدية معظم الدول النافذة في موافقتها على القرارات الدولية المعنية، وعلى عدم استعدادها للدفع بتلك القرارات نحو الفعل المؤثر والتنفيذ.
ويكمّل كل ذلك ويسهّله، افتقاد معظم، ان لم يكن كل، القرارات الدولية الى(اسنان): آليات تنفيذ، وقوة تنفيذ.
ولا شك ان المتغيرات الكبرى التي شهدها العالم بدءاً من تسعينيات القرن الماضي، بانتهاء نظام القطبين لصالح نظام القطب الواحد، وهو الولايات المتحدة، لعبت دوراً مؤثراً لصالح دولة الاحتلال.
كما اعتمدت على ضعف الواقع العربي (بما فيه الفلسطيني) واستفادت من ضعف قدراته وتأثيره في المجتمع الدولي ودوله وهيئاته وقراراته.
قرار المحكمة الجنائية الدولية قبول الدعوى الفلسطينية بمحاكمة دولة الاحتلال وجرائمها كان القرار الدولي، ربما الوحيد، الذي أخذته وتعاملت معه دولة الاحتلال بجدية وحسبت له حساب.
ذلك ان قرار المحكمة الدولية له أسنان.
وقد تؤدي المحاكمة الى استدعاء عدد من الرموز القيادية الرئيسية، العسكرية بالدرجة الأولى، الى التحقيق والمحاكمة، وربما الإدانة.
وهذا ما دفع نتنياهو في حملته الانتخابية وبعدها، الى وضع سحب الدعوى الفلسطينية ضد اسرائيل الى محكمة الدولية كشرط مسبق من بين شروط أخرى مسبقة تفوقه تعجيزاً.
وذلك لضمان رفض الفلسطينيين التفاوض معهم، كما يدّعي ويعلن.
في الوقت الذي هو يعلم ومتأكد ان الرفض الفلسطيني للتفاوض معه ومع دولته قاطع وحاسم ومسبق، وكذلك الرفض لكل شروطه التي يعلنها لخدمة حملته الانتخابية لا غير.
وإذا كان ممكناً تفسير واقع النظام العربي وضعف قدراته في السنوات الأولى لقيام دولة الاحتلال، بأن معظم الدول العربية كانت تقبع تحت سيطرة دول كبرى تتحكم بكل أمورها وسياساتها ومواقفها، فلا يمكن تفسير الواقع العربي وضعف قدراته الآن، الا بحال الفرقة والانقسام والتناحر بين بعض اطرافه وغياب مشروع عربي موحد، بما يضعف كثيراً من قدراته على الفعل والتأثير في مجال العمل الدولي، كما في المجالات الأخرى.
يضاف لذلك، عوامل أخرى تدخل في تفسير الواقع العربي، تتعلق بالسياسات والتحالفات والمصالح المشتركة مع دول عالمية ودرجة اولويتها.
بشكل عام، فان هذا الواقع يضع الموقف العربي عموماً في موقع المتلقي ويضعف كثيراً قدرته على المبادرة والمبادأة والمتابعة.
وفي تفسير الواقع العربي لا يجوز تجاهل عنصرين أساسيين:
الأول، امتداد تأثير هذا الواقع والتغير في أولويات دوله، الى اضعاف دور وفعل وتأثير حركة الجماهير العربية وقواها المجتمعية والمنظمة، بشكل عام، ودورها بدعم النضال الوطني الفلسطيني، وفي اسناد قدرته على التصدي للهجمات والصفقات التصفوية ضده.
والثاني، الدور الفلسطيني المتراجع الذي لم يمكنه من لعب الدور الطبيعي والمطلوب في التأثير الإيجابي على هذا الحال للواقع العربي، سواء جاء الدور الفلسطيني المتراجع نتيجة سياسات واتفاقات معينة ومحددة، او بسبب حالة الانقسام التي يعيشها منذ اكثر من اثنتي عشرة سنة، وبلا أمل ظاهر في الخروج منها.