«العليا» لن تحلّ المشاكل القيمية في اتفاق نتنياهو - غانتس

حجم الخط

بقلم: ناحوم برنياع



حين شاهدت، أول من أمس، مداولات محكمة العدل العليا أغمضت عينيّ لحظة، وتخيلت أن ليس رأس نتنياهو هو الموضوع على الطاولة، بل رأس النائب حاييم كاتس. وضع كاتس مشابه لوضع نتنياهو: كلاهما عضو في الكنيست؛ وكلاهما يجران وراءهما لوائح اتهام جنائية. الفرق هو أن نتنياهو يوجد لكل واحد رأي حوله: يوجد من هم معجبون بالأرض التي يدوس عليها؛ وآخرون يرون فيه خطرا وجوديا. الاراء بشأنه مشحونة لدرجة أنها تثقل على التفكير الموضوعي السليم. اما النائب حاييم كاتس فيبعث فيهم مشاعر أقل شدة. هناك من يتشوش بينه وبين كاتس الثاني، باختلاف عدد الاحرف في الاسم فقط.
هل يتعين على المحكمة العليا أن تسمح للنائب حاييم كاتس بأن يشكل الحكومة القادمة؟ برأيي الجواب هو نعم. وسبب ذلك بسيط: عندما سنت الحكومة القانون الاساس للحكومة طرحت المسألة على البحث والحسم. ويشهد البروتوكول على ذلك. عندما لا يكون لنا سبيل لنعرف ماذا كانت نية المشرع نرفع عيوننا الى المحكمة العليا للتفسير. يوجد فراغ يمكنها ان تملأه، شق يمكنها أن تدخل عبره. لشدة الأسف هذه ليست الحالة هنا.
توجد بالطبع مشكلة قيمية عسيرة في جلوس متهم جنائي على كرسي رئيس الوزراء. كما توجد سلسلة من المشاكل العملية، أشدها خطورة هي تضارب المصالح. ولكن من يتوقع من قضاة العليا أن يحلوا كل المشاكل القيمية التي يخلقها لنا السياسيون يتوقع أكثر مما ينبغي. تحدّث  الملتمسون ضد تعيين نتنياهو انطلاقا من قناعة أخلاقية عميقة، ولكن الأساس القانوني الذي استندوا اليه كان ضيقا ومحشورا. مر عليهم يوم غير سهل في المحكمة.
يستمع القضاة اليوم (أمس) الى الحجج مع وضد الاتفاق بين "الليكود" و"أزرق أبيض". وقد يكون النقاش مختلفا، واكثر تفصيلا، وأكثر عمليا، وأكثر قانونيا، وأقرب الى روح مداولات اخرى تجرى في محكمة العدل العليا. رغم أن القضاة يمتنعون بشكل عام عن التدخل في الاتفاقات السياسية، سيسرهم ان يغوصوا في تفاصيل هذا الاتفاق. الاتفاق مليء بالثقوب، كالجبنة السويسرية، وتنتشر منه رائحة الجبنة العفنة. بلا صلة بالنتيجة النهائية سيكون من المجدي الاستماع الى ملاحظاتهم، الى كل كلمة. يمكن للمرء أن يؤيد قرار غانتس الانضمام الى نتنياهو، ويمكن الاختلاف معه. ولكن من الصعب جدا التسليم بالاتفاق الموقع. فهذا وثيقة غير دستورية على نحو ظاهر، وثيقة تفكك قوانين أساسا، تخلق وضعية سلطوية متعذرة، تقلص الكنيست وتهدد المحكمة العليا.
مثلما في اغنية نوعامي شيمر القديمة، انطلق الجنود على الدرب في رحلة طويلة على الاقدام، وفي منتصف الطريق اكتشفوا أنهم نسوا ان يأخذوا معهم الخبز، والماء، واعواد الثقاب. في حالة "أزرق أبيض" نسوا أن يأخذوا عمودا فقريا، وقيما، وتعهدات للناخبين، وعقلا سليما، وتجربة سياسية. جنود نوعامي شيمر دبروا أنفسهم كيفما اتفق؛ أكلوا الفتات بدلا من الخبز، شربوا من ماء المطر، أما "أزرق أبيض" فبقي وحيدا، مع ورقة محرجة في يده. يصلي غانتس، الآن، لتقر "العليا" الاتفاق: فليس له ولحزبه طريق للعودة.
من المشكوك فيه أن يلغي القضاة الاتفاق كله. فالغاء الاتفاق سيسمح لنتنياهو بالتوجه الى جولة انتخابات رابعة، بينما تعرض "العليا" مسؤولة عن تبذير الاموال وعن الفوضى. ولكن هذا لا يعفيهم من محاولة تعديل بعض التشويهات الدستورية التي أُدخلت الى الاتفاق. حكومة نتنياهو الخامسة يمكن أن تقوم دون أن يكون فيها "رئيس وزراء بديل". فلا يوجد كيان حي كهذا. يمكن لغانتس أن يكتفي بلقب القائم بإعمال رئيس الوزراء. كما أنه يمكن التخلي ايضا عن "ترتيبات السكن" المعيبة. بالمقابل، فان طلب نتنياهو إعفاءه مما يسمى "عُرف درعي بنحاسي" أي اعفاءه من الاستقالة بعد تنفيذ التناوب، مشروع. فما المعنى من التناوب اذا حرم من بقائه في الحكومة؟ الطلب مشروع: يمكن ان يوجد له حل قانوني محترم أكثر.
وغير ذلك. ثمة مشكلتان جعلتا الاتفاق على ما هو عليه: عدم الثقة المطلقة لغانتس بدوافع نتنياهو، ورفض نتنياهو التصدي لملفاته في المحكمة. ليست إسرائيل قبل كل شيء بل غانتس ونتنياهو قبل كل شيء. إذا نجح قضاة العليا باصلاح هذا التخريب في شيء ما، فانهم سيقدمون خدمة عظيمة للديمقراطية الإسرائيلية. كرفا ديام، قال الرومان. استغلوا اليوم.

عن "يديعوت"