قــرار وقف التنسيق الأمني مع الإحتلال سياق هام في إدارة الصراع - اتخذه المجلس المركزي مارس 2015م، وأكد عليه المجلس الوطني في مايو 2018م – ويأتي وفق حسابات ترتكز لمنطلقات تصب في مصلحة القضية والشعب الفلسطيني، حيث أن حجم الضرر الذي حصده الفلسطينيون من وراء التنسيق الأمني يفوق أضعاف مضاعفة جدوى استمراره مع هذا المحتل الذي تنصل من كافة الإتفاقات والتفاهمات الموقعة.
الرئيس عباس في كلمته أمام القيادة الفلسطينية مساء 20 مايو 2020م، رداً على قرار ضم الأراضي الفلسطينية الذي أعلنته حكومة نتنياهو غانتس، يعلـن " أن منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين قد أصبحت اليوم في حل من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأميركية والإسرائيلية، ومن جميع الالتزامات المترتبة على تلك التفاهمات والاتفاقات، بما فيها الإتفاقات الأمنية".
مواقف فلسطينية معارضة تؤكد أهمية قرار وقف التنسيق الأمني كونه محل إجماع وطني، ولكنها تشكك في قدرة القيادة بصيغتها الحالية على وقف التنسيق الأمني مع الإحتلال على نحوٍ حقيقي، وأن القرارات التي أعلنها الرئيس عباس بما فيها وقف التنسيق الأمني يحتاج لإرادة وطنية جامعة. عدد من خبراء الأمن يعتبرون أن تطبيق قرار وقف التنسيق الأمني يعتريه مخاطر جمة لا تقوى عليه السلطة، وخاصة إذا ما تدهورت الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية على نحو واسع.
قبل يومين 25 مايو قناة كـــان العبرية، مصادر عسكرية اسرائيلية رفيعة المستوى تفيد: أن الفلسطينيين أوقفوا كل أنواع التنسيق معنا، وهذا أمر لم يفعلوه في السابق حتى الآن ولكنهم لم يحطموا كل الأواني بعد، وأن شخصيات فلسطينية رفيعة نقلت رسائل للجانب الإسرائيلي مفادها: السلطة الفلسطينية ستستمر في الحفاظ على حالة الاستقرار الأمني، ولن تسمح بتدهور الأوضاع".
صيغ الإتفاقات السياسية السابقة كرست مبدأ أمن الإحتلال أولاً، ويقع على الطرف الفلسطيني مسؤولية أي تقصير في حفظ أمنه ووقف الهجمات ضده، قرار التحلل من كافة الإتفاقات بما فيها الأمنية يضعنا أمام مقاربات ومفاهيم إجرائية جديدة للسياسات الأمنية الفلسطينية تتسق فلسفتها والمصالح الأمنية الفلسطينية، تلتزم بها أجهزة الأمن الفلسطيني في المرحلة القادمة.
البيئة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية شديدة التعقيد، ومسألة وقف التنسيق الأمني يعنى على الصعيد العملي تغيير القواعد والبروتوكولات الأمنية المتبعة مع الإحتلال، وهذه مسألة تحتاج إلى مقاربة عملية حصيفة وإرادة سياسية وأمنية لفرضها، وأن مسألة الحفاظ على الإستقرار الأمني التي تؤكد السلطة الإستمرار به بعد وقف التنسيق الأمني، يتطلب إعادة تعريفه وفقاً للمصلحة الفلسطينية أولاً، وليس مصلحة الاحتلال، وأن التوازن في تحقيقه يوقع على الإحتلال - كجار معادٍ - مسؤولية مماثلة على ضبط جيشه وإلزام قطعان مستوطنيه.
استدامة تحقيق الاستقرار الأمني يرتكز لمقاربة نظرية تسمى " تكامل الجهد"، وضمن السياق العملياتي فإن التنسيق الأمني يمثل ضرورة للإحتلال لحفظ أمنه، كون الضفة الغربية بيئة متشابكة متداخلة، وقطع التنسيق الأمني بشكل جدي سيفضي إلى فجوات متجددة في جهود الاحتلال الإستباقية، ولـــذا التذاكي بقطع العلاقات الأمنية المباشرة مع الإحتلال، والتنسيق بواسطة الصليب الأحمر أو جهات أخرى ضمن ما تسمى المنظومة الدولية لمكافحة الإرهاب، أقل ما يوصف أنه تماهي مع مصلحة الإحتلال، وفي حقيقته تنسيق غير مباشر يفرغ قرار وقف التنسيق الأمني من جدواه الذي أُتخـذ لأجله.
مجابهة مخطط الضم توجب بلورة "استراتيجية كفاحية" تُستثمر فيها كافة الطاقات والجهود بما فيها الأمنية لعرقلة الضــم وإفشاله، إن استمرار السلطة في الحفاظ على حالة الاستقرار الأمني بعد قرار الضـم، يعني إبقاء المناخ الأمني ملائماً لتطبيق مخطط ضم الأراضي وإنجازه في ظروف ميسرة، ما يجعل الحفاظ على حالة الاستقرار الأمني مقاربة عملية خاطئة تتعارض مقاصدها مع المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني.
تغيير قواعد اللعب مع العدو اسرائيل، ليس بالأمر اليسير على المستوى الأمني، ويحتاج استراتيجية "أمن قومي" متعددة النطاقات والأبعاد، نستطيع من خلالها الفكاك من منظومة الأمن التي كرسها الإحتلال منذ سنوات، ولا نعرف ما إذا كانت أجهزة الأمن الفلسطيني قادرة على خوض غمار هذه المعركة، وأنها عملت حساباها لذلك اليوم؟ أم ما زالت على نفس منوالها قبل قرار وقف التنسيق الأمني؟
علنا ندرك أن المشهد برمته يخضع لقبضة الإحتلال، وأن القرارات التي اتخذتها القيادة الفلسطينية، بما فيها وقف التنسيق الأمني تحتاج إلى إرادة وطنية جامعة حتى تُؤتـي أُكلهــــا، من خلال تحويل تلك القرارات إلى مواقف عملية تجهض مخطط الإحتلال وتجبره على التراجـــع،،،
وللحديث بقية،،،