المستوطنون لا يعتزمون دفع ثمن صفقة القرن

حجم الخط

هآرتس – بقلم نوعا لنداو

من كان يصدق أن المستوطنين سيقودون احدى حملات الفظاعة والجنون ضد خطة السلام لدونالد ترامب. منذ ايام الرقص لرجال اليمين في واشنطن عند اطلاق الخطة، تمكن كثيرون في مجلس “يشع” من قراءتها بعمق. والتدقيق في الخرائط المرفقة ومعرفة أنه ليس كل ما فيها هو أمر مدهش من ناحيتهم. الامر بعيد عن ذلك.

معارضو الخطة قلقون بالاساس من قضيتين. الاولى هي الاعتراف المبدئي والرمزي بأنه سيأتي يوم وتقوم الى جانب دولة اسرائيل دولة فلسطينية على 70 في المئة تقريبا من اراضي الضفة الغربية. أي نهاية حلم ارض اسرائيل الكاملة، أو على أقل تقدير، اعتراف رسمي بالاستعداد للتنازل عنها. الثانية والاكثر عملية تتعلق بمصير الـ 17 مستوطنة وبؤرة استيطانية. حسب الخطة هذه ستتحول الى نوع من الجيوب في الدولة الفلسطينية والبناء فيها سيجمد على الاقل مدة اربع سنوات. فيها يكون على اسرائيل اجراء مفاوضات مع الفلسطينيين على الارض والحفاظ لهم عليها. سفير الولايات المتحدة في اسرائيل، دافيد فريدمان، أوضح بأنه سيكون بالامكان البناء هناك فوق المباني المبنية. ولكن سكان الجيوب المستقبلية لا يصدقون حلم الابراج والمصاعد خاصته.

​المستوطنون ينقسمون الآن بين الجناح البراغماتي الذي يعتقد أنه يفضل اختطاف ما يمكن اختطافه من الامريكيين الآن حتى بثمن ايديولوجي كبير وبين من يعتقدون بأن الامر يتعلق بافلاس قيمي حقيقي. الاخيرون وجدوا مؤخرا أذن صاغية لدى اعضاء المعارضة الجدد من حزب يمينا (“هذه ليست خريطة سيادة بل خريطة الدولة الفلسطينية”، قال بتسلئيل سموتريتش للقناة 7). ولدى الوزير رافي بيرتس الذي غرد في هذا الاسبوع “في صفقة القرن توجد اجزاء مقلقة جدا. سنذهب مع السيادة بكل القوة. ولكننا لن نسمح بأي شكل من الاشكال باقامة دولة فلسطينية”.

​في هذا السياق من المهم قراءة مقالات أبناء عائلة هعتسني، من نبلاء المستوطنين. اليكيم هعتسني كتب في مقال شديد اللهجة في القناة 7: “لا يجب بأي شكل من الاشكال فرض سيادة في اطار خطة ترامب. لأنه بهذا نقوم تلقائيا بتشغيل جهاز الاعتراف بالدولة الفلسطينية وتجميد المستوطنات. هذا الامر يشبه من يركل الكرسي الذي يقف عليه وبهذا يقوم بشنق نفسه”. نجله، نداف هعتسني، كتب في “معاريف” بأن “قبول خطة ترامب سيعرض للخطر مجرد وجود الاستيطان ودولة اسرائيل كلها”. القناة 7 اقتبست ايضا ابراهام شبوت، من رؤساء المستوطنين في السامرة، الذي قال بأن “خريطة ترامب خطيرة أكثر على الاستيطان من خريطة اوسلو”. وفي المقابل، تقف شخصيات مثل رئيس مجلس مستوطنة افرات، عوديد رفيفي. وهؤلاء يوجهون الواحد ضد الآخر بيانات ورسائل وعرائض والنقاش متقد.

​في واشنطن وفي القدس ينظرون الى كل ذلك بخوف متزايد، أنه عند قدوم الاول من تموز، الموعد المستهدف الحالي للاعلان عن الضم، فان هذه الخطوة ستواجه بمعارضة، بالذات من اليمين، داخل الائتلاف وخارجه. مصادر امريكية رسمية توضح للمستوطنين بأنها خائبة الأمل من نكران الجميل تجاه الادارة الامريكية التي عرضت افضل اقتراح من ناحيتها حتى الآن، وتذكرهم بأن واشنطن لم تنظر بسرور الى رفضهم بعد كل ما تم فعله من اجل اليمين الاسرائيلي في فترة ولاية ترامب.

​الامريكيون لا ينفون ولا يخفون ثمن ضم المستوطنات – قبول باقي بنود الخطة. هم يؤكدون على أن الخريطة التي يدور بها المستوطنون الذين يعارضون الخطة في الكنيست ليست نهائية، وإن كان من غير المتوقع أن تجري عليها تغييرات دراماتيكية. “الاساس هو أن المنطقة الاسرائيلية لن تكون أكبر من 50 في المئة من المنطقة ج التي تشكل 30 في المئة من اراضي الضفة الغربية”، قال فريدمان لصحيفة “اسرائيل اليوم”. في هذه الاثناء، وباء الكورونا والانتخابات القريبة والمعركة ضد الصين ومواضيع كثيرة اخرى تسرق الانتباه الذي تظهره الولايات المتحدة للمشكلات في الشرق الاوسط. ويوجد للبيت الابيض القليل جدا من الرغبة في التشدد والاصرار أمام الاسرائيليين أو الفلسطينيين.

​هذه ليست المرة الاولى التي تثور فيها نقاشات مشتعلة بين المتنازلين وبين المبدئيين في قيادة المستوطنين. فعليا، هذا يحدث في كل مرة يطلب فيها منهم رسم الحل السياسي المفضل عليهم هم انفسهم. على مدى السنين جرت عدة محاولات لطرح خطة كهذه، وفي كل مرة ايقظوا نفس المارد. ما هو الاكثر أهمية، ارض اسرائيل الكاملة أم كل ما يمكن أن نحصل عليه منها؟ هل نعارض اقامة دولة فلسطينية بأي ثمن أم التسليم ايضا بوجودها؟ كلما اقترب موعد الضم، هذا اذا حدث في الموعد المحدد، تزداد حدة هذه المعركة أكثر فأكثر.