لقاء صحفي مع قاتل يحيى عياش

حجم الخط

معاريف – أجرى اللقاء بن كسبيت

من حل اللغز الذي تقشعر له الابدان في مقتل الجندي اوليج شايحط وحتى التصفية العبقرية للمهندس يحيى عياش. من عشية الجمعة الصادمة في الدولفيناريوم وحتى ليل الفصح الرهيب في فندق بارك. تكاد لا تكون عملية، كبير مخربين، حدث ارهابي او تحقيق قنبلة متكتكة لم يشارك فيها أو يقودها، يلامسها او يشتمها من مسافة صفر “الجورجي” او باسمه الحقيقي اسحق ايلان.

​بعد أن اجتاز عملية زراعة رئة أنقذت حياته، التقى نائب رئيس جهاز الامن العام – الشاباك السابق ببن كسبيت في سلسلة محادثات يشحب أمامها حتى جون لاكارا.  

​يمكن أن تصف لي من هو المحقق الجيد؟ وأي مزايا يحتاج؟

​“كتبت عن هذا مقالا بعنوان “فلسفة التحقيق الجنائي”. على المحقق أن يكون ذكيا وفهيما. ابداعيا جدا. محبا للاستطلاع. نقديا جدا. تجاه نفسه وتجاه الاخرين. واحد يكون قادرا على أن يتفق مع المسؤولين عنه وان يقاتل في سبيل موقفه. والاهم، ان يكون أخلاقيا”.

أخلاقيا؟ المحقق؟

​“نعم، هذا شرط أساسي. وحدها الاخلاقية في المستوى العالي تسمح للمحقق بان يفهم متى يوجد امامه شخص يقدم افادة كاذبة. صدقني. من المغري جدا الحصول على افادة كاذبة. فأنت تحل لغز الملف وتنصرف الى بيتك. مغرٍ جدا أن تستخدم القوة الهائلة التي لديك في غرفة التحقيق في طالح الخاضع للتحقيق”.

​نعم، ولكنك جلست مرات غير قليلة امام مخرب كان يعد قنبلة متكتكة. اذا لم تكسره في النصف ساعة القادمة، احد ما سيتفجر في تل ابيب ويقتل عشرات الناس. كيف تصل الاخلاقية الى هنا؟

“انت تعمل من أجل هدف – احباط العمليات وحماية مواطني الدولة. عندما تحصل على افادة كاذبة من متهم وتبعث به الى السجن، فانك تخلق ضررا مضاعفا: تخلق عدوا جديدا، بينما المخرب الحقيقي في الميدان يواصل دحرجة العمليات، بينما بالتوازي تنخفض يقظة قوات الامن كونك ظاهرا قبضت على المخرب”.

​لقبه في المخابرات كان “الجورجي”. مجرد ذكر اسمه كان يلقي الرعب في المخربين، المحقق معهم والجواسيس. كان يعتبر الاسرائيلي الذي حقق مع أكبر عدد من المخربين وقضى أطول سنوات متواصلة في الكفاح العابث والعنيد ضد الارهاب. كان محقق مخابرات في رام الله في الانتفاضة الاولى، رئيس المخابرات في السامرة في الانتفاضة الثانية، رئيس قسم احباط الارهاب في غزة، رئيس قسم التحقيقات موضع الاعجاب. تكاد لا تكون عملية أو تحقيق لم يشارك فيه.

​كان يفترض به أن يعين رئيسا للمخابرات بعد يوفال ديسكن، ولكن قرار مفاجيء في اللحظة الاخيرة من نتنياهو بعث به الى التقاعد.

​“يقول دعني اعطيك مثالا عن افادة كاذبة وضررها المحتمل. فهل تذكر اوليج شايحط، الجندي الذي اختطف وقتل؟”  

لا يمكن أن ننسى.

​“كنت قائد المخابرات في السامرة. شايحط اختطف قرب الناصرة، في منطقة كفر كنا، في 2003. حادثة صادمة.  بعد تحقيق كثيف وطويل نجحنا في اعتقال ثلاثة مشبوهين بالقتل. اعترفوا. رفعت ضدهم لائحة اتهام. في هذه الاثناء تبين لنا بان الاعتراف كان كاذبا. بلغنا النائبة العامة للدولة عدنا اربيل بذلك خطيا”.

لم أفهم. أنتم نزعتم الاعتراف وفقط بعد ذلك فهمتم انه كاذب؟

​“نعم. اخطأنا. ولكن المهم هو أننا تبينا خطأنا. فقد اعترفوا ومثلوا الجريمة، ولكن هذا كان زائفا. وعندها طلبنا الافراج عنهم. من كان في حينه قائد لواء الشمالي في الشرطة يعقوب بوروبسكي، احتفل ودعا المصورين وبلغ العائلة وماذا لا. عدنا اربيل هي الاخرى غضبت ووبختنا. آفي ديختر، رئيس المخابرات اضطر لان يقول لها ماذا تريدين أن نأتي الى المحكمة ونقول انهم لم يقتلوا الجندي وكانت هذه افادة كاذبة”.

مذهل. المخابرات ارادت تحرير مخربين قتلة والنائبة العامة للدولة تعارض

​“هذا ما حصل. عملت على هذا شخصيا بكل القوة. راجعت كل التفاصيل. فأنت يمكنك أن تتأخذ من اعتراف المشبوه فقط من خلال التفاصيل التي يعرفها المعترف. والتفاصيل هي التي لا يعرفها احد بما في ذلك الشرطة والمخابرات. فاذا كان المتهم يقدم لك مثل هذه التفاصيل عن الجريمة تكون قد حليت اللغز.  جلسنا مع أربيل وبلغناها بأننا نسعى للقبض على قتلة شايحط الحقيقيين. توقف أربيل الحديث وتسأل ديختر: أتسمع ما يقوله قسم التحقيقات لديك. أنا اقدم قتلة الجندي الى المحاكمة هذه الايام وهو يبحث عنهم. ولكن ديختر لا يتردد ويقول: سيدتي هذا هو رأينا المهني وهو يختلف عن رأيك. قلنا لك ان هذا كان اعترافا كاذبا ونحن سنقبض على القتلة الحقيقيين”.

حسنا، انا في ذروة التوتر. فكيف انتهى هذا؟

​“بعد وقت غير طويل يتصل بي في منتصف  الليل رئيس قسم التحقيقات في الشمال ويقول لي يا اسحق كان اشتباك فتح فيه المخربون النار على قوة من حرس الحدود. يوجد مخرب قتيل ومخرب جريح. قرب كفر كنا. ووجدنا الى جانب القتيل بندقية ام 16. في تلك اللحظة عرفت انهم هم كانوا القتلة. بعثنا بالسلاح الى التشخيص الجنائي وكان واضحا ان هذا هو السلاح الذي قتل بوليج شايحط. كنت واثقا ان المنظومة ستقتنع بسهولة. ولكني اخطأت. تبين ان بوروبسكي لن يتنازل عن قتلته بمثل هذه السهولة. وجاءت الشرطة بنظرية تقول ان الخلية التي القي القبض عليها باعت ام 16 بوليج من السجن وهكذا وصلت بندقية الى المخربين الذين هاجموا حرس الحدود. فهمت أنه ستقوم هنا حرب عالمية. طلبت الحديث العاجل مع ديختر. قلت له نحن ملزمون برسالة عاجلة الى المستشار القانوني ميني مزوز ونوضح له ما نفكر به. عقد مزوز اجتماعا عاجلا، جاء اليه بوربوبسكي مع كل الحاشية وعرض نظرية تقول انهم باعوا السلاح من السجن. وقال انه لا يمكن ان تكون افادة كاذبة. فالمخربون اعادوا تمثيل قتل الجندي أيضا”.

يوجد منطق في ما يقوله أليس كذلك.  وكيف  انتهى هذا؟

“في النهاية المخرب الحقيقي اعترف، اعاد تمثيل الحدث وادين كما ينبغي. اما المشبوهون الوهميون، الذين كانوا قيد المحاكمة، فسرحوا وتلقوا من الدولة تعويضات بملايين الشواكل. المستشار القانوني للحكومة ميني مزوز، بحكمة كبيرة سمع روايتنا ورواية الشرطة، شكل طاقم خاص في النيابة العامة برئاسة ايلي ابربنال. وكان الاستنتاج لا لبس فيه باننا محقون. تلقينا انتقادا مبررا واستغرقنا وقت طويل لان نشخص بان هذا كان اعترافا كاذبا. نحن لاحظنا هذا بعد أن كانت المحاكمة ضد المشبوهين غير الصحيحين قد بدأت. سألهم القاضي اذا كان هذا اعترافهم واجابوا أن نعم. هذا لا يصدق حقا”.

كيف يحصل ان يعترف أناس ما بقتل لم يرتكبوه بل ويؤكدون هذا بعد ذلك في المحكمة؟

“عندي محاضرة كاملة عن هذا. لماذا على الاطلاق يعترف شخص ما؟ فهو سيحكم بالمؤبد. في اسرائيل يوجد حق في الصمت. شخص يعترف لانه في لحظة الاعتراف، ليس قبل دقيقة او بعد دقيقة، يعتقد بشكل ذاتي بان الاعتراف هو افضل من مواصلة عدم الاعتراف. هكذا ببساطة. وهذا التفكير يمكن ان يستمر ايضا لفترة ما، بما في ذلك في بداية المحاكمة. على المحققين أن يكونوا مهنيين، اخلاقيين وعنيدين. بسبب هذه المباديء، التي اصريت عليها على مدى كل خدمتي، اعفي عشرات المشبوهين من عقوبات طويلة في السجن، ان لم يكن أكثر من ذلك. صدقني أن هكذا أفضل”.

هيا نتحدث عن رائد الكرمي. هل انت تقف خلف القرار بتصفيته؟ كثيرون يقولون ان تصفيته فجرت  الهدنة في الانتفاضة الثانية وأدت الى أقسى العمليات  لاحقا؟

“كذب وتلفيق تام. انظر، المسؤولية  مسؤوليتي. انا كنت قائد مخابرات السامرة، وانا مسؤول عن هذه التصفية ، واقول لك بما لا لبس فيه،  بمسؤولية كاملة، كان هو ابن موت وكان واجبا تصفيته. فهو لم يلتزم بالهدنة، لم يوقف  العمليات. كل هذا تلفيق. سأروي  لك القصة من البداية: كان  الكرمي هو الذي  قتل بكلتي يديه الاسرائيليين اللذين ضلا الطريق في طولكرم، موتي دايان واتجر زيتوني في كانون الثاني 2001. في هذه الاثناء احتدمت الانتفاضة الثانية. رأينا في الاستخبارات انه يخطط لعمليات انتحارية قاسية. ونجحنا في  اكتشاف  الانتحاري مع العبوة. اقتدناه الى كمين مخطط له وطلبنا استسلامه. فضغط على الزر وتفجر.

“بالمناسبة، هذا الحدث لم ينشر. ولكن الكرمي ليس فقط لم يهدأ بل العكس. بدأ يخطط لعملية اخرى. استخلص الدروس وغير الطريقة. لم نتمكن من العثور على الانتحاري ولكننا استعدينا له في الميدان. فهو لم يتمكن من اجتيازنا رغم أنه لم يكن سور فصل بعد.  سارا اثنان، الانتحاري مع العبوة، والمرافق خلفه على مسافة آمنة. فجأة يشعل الانتحاري سيجارة فيحصل الانفجار. في نظرة الى الوراء، كان خلل في العبوة. انزلنا اشلاءه عن شجر الافوكاتو في شاعر افرايم”.

متى تقرر تصفيته؟

“في ذات الوقت تقريبا. تعليمات صريحة للمخابرات من رئيس الوزراء شارون. كان هذا قبل وقت طويل من السور  الواقي. حاولنا تصفيته بصاروخ من مروحية. اصاب الصاروخ الاسفلت، تدحرج كرمي، نهض وهرب الى كراج وخرج من مدى الطائرة المسيرة. نجا في المرة الاولى. كانت عدة محاولات اخرى لم تنشر ولكنها فشلت هي ايضا. وفي هذه الاثناء كانت الاحاديث عن وقف نار في الانتفاضة. كان كرمي يعرف اننا نلاحقه فاذاع شائعات بانه يوقف تنفيذ العمليات ويعتزم الالتزام بالهدنة. غير أننا كنا نعرف، بثقة كاملة بانه لا يقصد ذلك بل العكس، كان يخطط لعملية انتحارية ثالثة. مادة مصبوبة من الاسمنت”.

انتم واثقون؟

“بيقين تام. ولكن اسمع. يأتي الى المنطقة معبوث اوروبي للاشراف على وقف النار. يقرر الفلسطينيون ان يعرضوا عليه بان الكرمي معتقل ليثبتوا بانهم يبذلون جهدا للالتزام بالهدنة. يقوم الكرمي بتمثيل المسرحية. هنا تقاس الاستخبارات. عندما تعرف ان خصمك يحاول أن يخدعك، فهذا دليل على ان معلوماتك الاستخبارية متفوقة. وهذا ما حصل. انظر كيف حاول الفلسطينيون خداع المبعوث الاوروبي: طلبوا من كرمي ان يأتي الى المعتقل كي يمثل بانه معتقل ويقتع الاوروبي بان السلطة الفلسطينية تكافح الارهاب. الكرمي وافق. شريطة الا يضطر الى أن يرتدي بزة السجين.  سألهم: من أنتم لتلبسوني بزة السجين؟ ولكنهم ضغطوا عليه. فوافق.  فجاء المبعوث الاوروبي والتقى الكرمي في المعتقل بل والتقطت له صورة معه كي يثبت لنا ذلك. أما نحن فقد عرضنا على الاوروبي المادة الاستخبارية فكاد يغشى عليه.

“كان أمر مباشر من شارون. وكان رئيس الوزراء يتصل كل صباح بديختر ويسأله لماذا كرمي لا يزال حيا  ويقول له: اطالب بتصفيته”.

***

هلتحترق فيك العمليات الانتحارية الكبرى التي نجحت بالفعل؟

“واضح. هذه العمليات تثقل عليّ حتى هذه اللحظة. بما فيها الدولفيناريوم وفندق بارك الذي  كان فظيعا. بعد سنة بالضبط من هذه العملية أخذت كل قيادة المخابرات في السامرة  الى الفندق لتقديم الاحترام للمغدورين. المخابرات تكافح الارهاب ولكنها مقيدة بتعليمات القيادة السياسية. بعد العملية في الدولفيناريوم اوصت المخابرات رئيس الوزراء شارون باحتلال يهودا والسامرة. هذا هو السبيل الوحيد لوقف العمليات. حضرت هذه الجلسة. لن أنسى الدولفيناريوم. لن انسى ذات السبت الرهيب. كنا نعرف السائق الذي نقل المخرب  الانتحاري. كان بوسعنا أن  نقتله، ولكننا لم نتلقا إذنا سياسيا.  أتعرف لماذا؟ لانه بات في داخل المنطقة ا. وعندها لم يكن ممكنا ويجب احترام السيادة الفلسطينية. وانا جننت. تفجرت. ولكن ما العمل؟ شارون قال انه يضبط نفسه وشارون هو الذي يقرر. يجب أن نتذكر بانه لم تكن في حينه شرعية؟ وفقط بعد عملية البرجين نضجت الشرعية”.

شارون ضبط نفسه حتى العملية في فندق بارك في ليل الفصح. فهل كان لديكم اخطار عن هذه العملية؟

“سأروي لك شيئا لن يصدق. كنت أعرف بان هذا الانتحاري بالذات يعتزم تنفيذ عملية. اتصلنا بأبيه. حذرناه. قلنا له ابنك سينفذ عملية انتحارية. حافظ عليه.  فقال له انه لن يسمح له”.

لماذا اتصلتم لتحذروا بدلا من اعتقاله؟

“لان رئيس الوزراء والجيش الاسرائيلي كان لا يزالان يعارضان عملنا المباشر في داخل المناطق أ. قلنا لهم يا جماعة لن يكون احباط للعمليات الى أن نعمل هناك ايضا. وفي النهاية اخذ بتوصيتنا وخرجت اسرائيل الى السور الواقي”.

حدث كهذا، مثل المعلومة عن الانتحاري والمكالمة لابيه ليوقفه، هل تصل الى طاولة رئيس الوزراء؟

“لا. هل تعلم كم كهذه كانت لنا؟”.

ومع ذلك كانت العملية في بارك الاكثر فظاعة.

“صحيح. جاءت الانباء الاولية التي تقشعر لها الابدان. 30 قتيلا واكثر من 100 جريح. الانتحاري اراد أن يتفجر في فندق في هرتسيليا، سافر الى هناك ولكنه لم ينجح في الدخول حيث كانت الحراسة مشددة. فسافر الى نتانيا حيث كان يعمل سابقا في فندق بارك ويعرف المدخل الخلفي. وكان يرتدي زي امرأة. وكانت العبوة ثقيلة حوالي 15 كيلو غرام. جلس في وسط القاعة في ليل الفصح وضغط على الزر”.

ماذا حصل لمن أرسله؟

“كان هذا عباس السيد. د. في الشريعة محاضر في جامعة امريكية. جاء الى هنا لاقامة خلية ارهابية بادر وبعث الانتحاري الى فندق بارك. جيري (اللواء اسحق غرشون) وأنا نكتشف أين هو، في مخيم طولكرم للاجئين. وكان هذا في زمن السور الواقي. كنا نعرف ان لديه عبوة اخرى مضاف لها سيانيد. أمسكنا بالعبوة. عثرنا على الكثير من السلاح. اعتقلنا كل الخلية باستثناء السيد الذي نجح في الفرار بشكل ما.

“في النهاية وصلتنا المعلومات الاستخبارية حيث يوجد السيد. فأمرت الا يخرج احد من هناك دون اذني شخصي مني. ذهبنا الى وزير الدفاع فؤاد الى بيته كي نحصل على الاذن بهذه العملية. كنت انا وضابط من الجيش وشرحنا له الوضع وهمس الضابط بان فؤاد لن يصادق. رأيت أن فؤاد لا يستمع الينا. وقال في الختام انه لا يصادق. ركلت الضابط في قدمه كي يسمح لي بالحديث وقلت له  سيدي وزير الدفاع لماذا لا تصادق. قال فؤاد ان رئيس الوزراء في الولايات المتحدة ولا يريد ان يتورط، المطلوب هو مواطن امريكي. وهذا فقط ما ينقصنا الان. فقلت لفؤاد شيئا بسيطا: سيدي لن اخرج من هذه الغرفة الى ان تصادق. فما العمل تخافه؟ ان نقتل بالخطأ امرأة وطفل؟ هيا نقرر ان نارا ثقيلة من دبابة او ما شابه الا تحصل الا باذنك. واننا سنستخدم وسائل خفيفة فقط. لا نضمن لك الا يقتل أبرياء ولكن نعدك باننا نبذل كل جهد مستطاع الا يحصل هذا. وعندها طلب فؤاد ان نشرح له الامر منذ البداية إذ انه لم يكن يستمع الينا. شرحنا له فصادق. وأي قذيفة يجب أن يقرها قائد لواء؟”.

فقد حصل الاعتقال؟ بسلاسة؟

“لا. كانت هناك مشكلة عسيرة. كان هذا بالضبط بعد جنين، حيث قتل الكثير من المقاتلين. كلف جيري بالاعتقال قائد الوحدات العسكرية في مخيم طولكرم. ولمفاجأتي فقد رفض هذا على اعتبار انه سيقتل ابرياء وانه خطير. فليس كل مطلوب يستحق هذا كما قال. لشدة الحظ، لم يوافق جيري. قال لي اشرح لهم اهمية هذا الاعتقال فليس  هذا مجرد شخص ما. قلت  لجيري  كلف وحدة جولاني بذلك. ففعل. فدخلت قوة من جولاني واعتقلت السيد بسهولة بلا اصابات”.

***

تعال نتحدث عن المهندس يحيى عياش. كانت هذه ايضا هي تصفيتك، صحيح؟

“نعم. في نيسان 1995 نزلت الى غزة، عُينت رئيسا لدائرة احباط الارهاب في الجنوب. فقال  لي من سيحل محله إن هذه الليلة سنتلقى أدلة على ان عياش وصل الى القطاع. وكانت هذه هدية تلقيتها. كلانا وصلنا الى غزة معا”.

فهل هذه بشرى طيبة أم سيئة؟ من جهة الرغبة في أن اكون من يشطبه، ومن جهة اخرى كان هذا احد أخطر من عملوا ضدنا.

“مشاعر مختلطة. يحيى عياش هو رمز وشخصية. في جنازته خرج مليون شخص. في النهاية من شطبه لم يكن أنا فقط من وقف في رأس العملية، بل قدرة تنظيمية، تكنولوجية، ابداعية مذهلة من الجهاز. لم أتمنى لنفسي ان يصل عياش الى غزة معي ولكن فهمت بان هذا شخص يجب وقفه”.

ما الذي كان يتميز به؟

“كان فيه خليط نادر من القدرات للتمثيل بنا. كان ذا حضور غير عادي. زعيم من الولادة. حذر جدا. مصاب بجنون الاضطهاد حقا. لم يتكلم بهاتف لم   يعرف بالضبط متى اشتري، واين كان وما شابه. لم ينم ليلتين متواصلتين في ذات السرير. كان متدينا متطرفا، متزمتا بجنون مقت كل من ليس اسلاميا ومقتنا اساسا نحن اليهود. كان دافعه دينيا صرفا. الامر الثالث هو قدرته في مجال الهندسة الكيميائية. التي جعلته مهندسا مع قدرة على بناء عبوات فتاكة. بالمناسبة، في نهاية هذا الامر مع لقب في الكيمياء من جامعة بيرزيت هو الذي قتله؟ حتى اليوم لم يقم واحد آخر مثله”.

كيف لحقيقة أنه مهندس قتلته؟

“وجدنا في منزل والديه صورة له مع عدة طلاب آخرين من جامعة بيرزيت في الثلج الذي نزل في حينه في جبال القدس. طلبت تحليلا دقيقا لكل ما كان في الصورة. بدت هذه عصبة متراصة. وعندها تبين أن احدهم غزي. في تلك الفترة كان طلاب من غزة يتعلمون في بيرزيت. وعبر هذا الغزي وصلنا في النهاية الى عياش نفسه”.

بالمناسبة، كيف دخل الى غزة دون ان تعرفوا؟

“صدق أم لا في تلك الفترة لسذاجتنا أو لغبائنا كانت الرقابة والتفتيش على الخروج من غزة فقط وليس على الدخول اليها. كان تقديرنا ان احدا لن يرغب في الذهاب الى هناك. ولكن عياش نجح في الدخول. وعندها فهمنا حجم الخطأ وبدأنا نراقب الداخلين ايضا”.

اروِ لي عن اضرار عياش؟ فاي عمليات كان مسؤولا عنها؟

“أنتج سبع عمليات انتحارية بعد المذبحة في مغار الماكفيلا التي قام بها باروخ غولدشتاين. وبالمناسبة، فان الضرر الاشد لغولدشتاين كان انه بعد بدأت العمليات الانتحارية”.

حتى اليوم اعتقدت ان هذه اسطورة. كانت عملية ما في مفترق محوله قبل المذبحة، أليس كذلك؟

“هراء. العمليات الانتحارية في اسرائيل لم تبدأ الا بعد غولدشتاين. بالقطع. عياش نفسه اصدر بيانا بعد المذبحة في مغارة الماكفيلا بانه سيبدأ بتنفيذ عمليات انتحارية. وعد وأوفى. بالنسبة للعملية في محولة في العام 1993، من يقول ان هذه عملية انتحارية فهو مخطيء. عند فحص التفاصيل نفهم ان هذه لم تكن كذلك. المخرب يصل في جيب الى الموقف. يتفجر بين باصين بعد ان يرى بقين انهما فارغين. وكان الجنود يجلسون في مكان آخر. والمخرب يعرف هذا لم يكن له اي مبرر لان يتفجر في مكان فارغ. في النهاية لم يكن لنا اي قتلى او جرحى في هذه العملية. فقط المخرب نفسه قتل. خطط لان يقف هناك في الجيب وان يفجره بعد أن يعود الجنود. ولكن كان خلل حيث عملت العبوة في وقت متقدم. هذا كل شيء”.

من اصدر الامر بتصفية عياش؟

“رئيس الوزراء رابين. فقد قال لنا يا جماعة، لا يهمني، صفوه. في البداية وضع لنا قيودا، بشأن غير المشاركين الذين قد يصابوا باذى، وبعد ذلك ازال القيود ولكنه طلب الا تكون التصفية مع تحمل للمسؤولية. بعد اغتيال رابين جئت الى ديختر الذي كان رئيس منطقة الجنوب وقلت له انه اقدر ان ليس لدى شمعون بيرس اي فكرة من هو عياش ويجب لبيرس ان يصادق على العملية. ذهب ديختر الى بيرس وعاد الي مع الاذن. فقد صادق بيرس على كل ما صادق عليه رابين. وعندها واصلنا.

“وصلنا الى فكرة الهاتف النقال مع المادة المتفجرة بالصدفة تماما. زوجة عياش ارادت ان تنجب طفلا آخر. كان لهما ابن واحد بإسم براء. قررنا ان نسمح لها بدخول القطاع كي يكون لنا مدخل نصل به اليه. ذات يوم اتصل عياش بصديقه في بيرزيت. فسأله صديقه من يتحدث فاجاب ابو براء. فاشتعلت انا. فقد كان لقبه السري ابو احمد. وعندما يستخدم ابو براء هذا يعني انه في وقفة اخرى. في امور عائلية لا ترتبط باعماله التخريبية. فهمت أنه يوجد هنا احتمال. فقد يكون في علاقاته مع صديقه اقل حذرا. وتبين أن هذا تقدير صحيح. جعلنا صديقه عميلا ودفعناه لان يشتري هذا الخلوي المعين الذي جعله فنيون قنبلة. فاتصل به عياش ليتأكد بانه هو الذي اشترى الهاتف فأكد له صديقه هذا. في تلك اللحظة عرفنا اننا في الطريق الصحيح”.

ومع ذلك كان يجب نقل الهاتف المفخخ من الضفة الى غزة وتسليمه لعياش.

“صحيح. بالمناسبة انا اخذت المصدر الذي سلمه الهاتف في رحلة طيران خاصة معي فوق الحرم. كان هذا طلبه. وكل شيء كان مخططا بتفاصيل التفاصيل. حصل على طيران في سماء ال بلاد على حساب المخابرات. اما الهاتف، كما اقول لك، فهو من النوع الاكثر غباء، الفا، لا يمكن تغيير الشريحة فيه. وفي النهاية هذا لم ينجح. كان خلل”.

فما العمل؟

“رئيس الجهاز كرمي غيلون جلس هناك حزينا. قلت له اعطني الاذن لاخرج الهاتف من غزة مرة اخرى. هذا ليس بسيطا. فالحديث يدور عن قنبلة. صادق لي كرمي على إخراجه وعندما بدأنا نخطط كل شيء من البداية. وهذا كان الأكثر تعقيدا الذي يمكن أن تتصوره. على العمل الا يفهم ما يحصل. عليه أن يسلم النقال لعدة ساعات ليفتحه الفنيون فيروا ان الكابل تمزق ببساطة واللاصق لم يصمد لان هذا كان هاتفا يفتح ويغلق كل الوقت. والان، يجب العناية بالمصدر كي لا يشتبه بالامر. فكيف نفعل هذا؟ فتذكرت كتاب سون  تسو “فنون الحرب”، الذي تعلمت منه أمورا كثيرة. حيث  يذكر خمسة أساليب للتجسس. في الخامس انت تستخدم عميلا وكأنه غبي. تدعه يسمع أمورا وكأنه بالصدفة كي يكون واثقا بان هذا اصيل. تبعث به الى خلف خطوط العدو. تحرص على أن يسلم للعدو من عميل آخر وعندها يروي للعدو بالضبط ما تريد ان يرويه له. وهذا الأسلوب يسمى “عميل غبي بريء”. وهذا ما فعلناه مع عياش. دفعناه لان يشتبه بالتنصت عليه وليس بقنبلة. وقد نجح هذا.  كانت نقطة ضعف عياش هي العائلة. حتى لو كان يشتبه بان يتم التنصت على هاتفه، استخدمه فقط كي يتصل بابيه ويسأله عن حاله. ففي اقصى الأحوال في تلك الحالة سيعرف اليهود بانه يطمئن على والده”.

كيف مرت عليك تلك الايام بينما كان الهاتف المفخخ متعلقا بين الحياة الموت، اي بين غزة وبيرزيت وانتم تحاولون ان تبدأوا كل شيء من البداية؟

“اسمع، كان هذا جنونا. بالمناسبة، اسمينا هذا الهاتف “طبيب النساء”. وكنت أنا مرتبطا 24 ساعة في اليوم، سبعة ايام في الاسبوع بمصير طبيب  النساء هذا. كل حركة له كنت ابلغ بها. وانا أتحدث عن خط آمن في البيت. في كل الساعات الغريبة واسأل عن طبيب النساء هنا وطبيب النساء هناك وما هو حال طبيب النساء وما شابه، وكانت زوجتي تسمع عن هذا. وهي بالطبع لم تعرف شيئا عن العملية، ولكن فجأة تسمع زوجها يهمس بطبيب نساء. وفجأة تقول لي يا اسحق قل لي ما لك وطبيب النساء؟ والان اذهب واشرح لها بانك توشك على تصفية يحيى عياش…”.

وعندها يتصل بأبيه؟

“نعم” اتصل وسأل كيف حالك.  ومنذئذ لم يعد احد يسمعه. اسمع، هذا الرجل كان مضرجا بالدماء. كانت هذه احدى العمليات، ان لم تكن اكثرها روعة. اذا كنت احتاج لان آخذ معي عملية واحدة، فهذه هي العملية. وبالمناسبة سمع الروس عن العملية وقلدوها. تعلموا طريقتنا وفعلوا شيئا مشابها جدا لزعيم الثورة في الشيشان. هناك كان هذا هاتف قمر صناعي اجبره على الخروج من البيت كي يلتقط القمر الصناعي وعندها صعدت مروحية مي 6 ضخمة وشطبته بصاروخ”.