كان مفاجئاً للجميع إلى حد الصدمة أن يغفل الرئيس الأميركي باراك أوباما، في خطابه السنوي في اجتماع الجمعية العامة لهذا العام، الصراع الفلسطيني والعربي- الإسرائيلي الذي لم يأت على ذكره ولو بجملة واحدة، وهذا كان غريباً للغاية ومخالفاً لما اعتاد عليه الرؤساء الأميركيون حتى أوباما نفسه، فهل هذا لأن هناك مسائل أكثر أهمية وإلحاحية بحيث لا يوجد مكان لتناول الصراع والحديث ولو بشكل مقتضب عن العملية السياسية وعلى الأقل الدعوة لإحيائها أو استئنافها بصورة من الصور؟ أم أنه لا يوجد أمل في بحث هذا الملف على ضوء الموقف الإسرائيلي الحالي في ظل حكومة أقصى اليمين برئاسة بنيامين نتنياهو؟ أم أن الإغفال هو تعبير عن اعتراف أميركي بالفشل الذريع ولم يعد بالإمكان فعل شيء وبالتالي فعدم الحديث عن المسألة هو لتجنب الإحراج وأنه فعلاً لا يوجد ما يمكن قوله في هذا؟
الإجابة في الواقع جزء كبير من هذا وأكثر، فالقضية الفلسطينية لم تعد أولوية على الأجندات الدولية أو الإقليمية لسببين: الأول وجود مشكلات عاجلة وطاغية تتمثل بصراعات دموية يصل تأثيرها إلى أقصى شمال الكرة الأرضية مثل الحرب في سورية، والعراق واليمن وليبيا، ومشكلات أقل حدة مثل الإرهاب في مصر، وهذه تتطلب اهتماماً ومعالجات تبدو ملحة بالمقارنة مع صراع يمتد إلى ما يقارب القرن من الزمن ولا تبدو نهايته قريبة. والسبب الثاني هو عدم وجود مواجهات حقيقية مع الاحتلال الإسرائيلي عدا عن بعض المواجهات المتفرقة الخاصة بالقدس، وبعض المسيرات المتعلقة بالاستيطان والأسرى، وهي مواجهات مستمرة ويمكن أن يتعايش معها المجتمع الدولي بصفتها لا تتطلب حلاً عاجلاً. والحياة في المناطق الفلسطينية المحتلة مستمرة كالمعتاد مع بعض الصعوبات التي أضحت دائمة. ولكن الأمر الجوهري أن الإدارة الأميركية والعالم الغربي لا ترى رد فعل شعبي أو قيادي ينبئ بإمكانية حدوث انفجار أو قلب الطاولة على الرغم من الحديث المتكرر حول اندلاع انتفاضة ثالثة في الأفق. وإذا كان أوباما وزعماء العالم عمياناً أو يتعامون فنحن لم نقدم لهم حتى اللحظة الوسيلة لكي يروا الحقيقة ولا يتغاضوا عنها.
والإدارة الأميركية التي بذلت جهودا جبارة مع طرفي الصراع فشلت في زحزحة الموقف الإسرائيلي قيد أنملة بل أنه في عهد أوباما أصبح أكثر تطرفاً وتصلباً مما كان في أي وقت خلال العقد ونصف الماضيين. وبالتالي فالشعور باليأس مسألة منطقية بالنظر إلى النتيجة التي تقارب الصفر لكل الجهود والوقت الضائعين. وربما لسان حال الرئيس أوباما يقول: لتذهبوا جميعاً إلى الجحيم أو ليستمر الصراع حتى تصلوا إلى مرحلة اليأس والقنوط وتطلبوا خدماتنا ووساطتنا وعندها سنفكر بفعل شيء.
وعدم الإتيان على ذكر الصراع هو بمثابة إعلان صامت ومأساوي لفشل القوة الأعظم التي هي في مرحلة أفول، بعد أن سجلت مجموعة كبيرة من الإخفاقات في معظم إن لم يكن كل الملفات التي تولت أو تصدرت معالجتها بدءا من أفغانستان والعراق مروراً بدول الربيع العربي وأكرانيا وانتهاءً بالملف السوري، والجزء الأكبر من هذه الملفات كان في عهد أوباما. ويبدو أن التسليم بهذا الفشل هو سيد الموقف لدى إدارة أوباما التي اعتادت على التراجع المرة تلو الأخرى، ما جعلها في موقف حرج مع حلفائها العرب وغير العرب. بحيث لم يعد هؤلاء يعتمدون عليها، وهذا ربما سبب من الأسباب التي قادت بعض حلفاء أميركا إلى موسكو وإلى التطلع إلى دور روسيا والتعاون المستقبلي معها بعد أن وضعت الأخيرة كل ثقلها السياسي والعسكري والمعنوي إلى جانب حليفها النظام السوري ممثلاً بالرئيس بشارالأسد وقبل ذلك وبعده حليفتها إيران.
الغريب أن تجاهل الرئيس الأميركي باراك أوباما للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي يأتي في ظل تهديد الرئيس الفلسطيني محمود عباس(أبو مازن) بإلقاء قنبلة في خطابه مساء هذا اليوم. وهذا إنما يدل على أحد احتمالين: الأول هو أن الإدارة الأميركية لا تأخذ على محمل الجد المواقف الفلسطينية بما فيها "القنابل" السياسية، لأنها تعرف حدود الفعل الفلسطيني غير المفاجئ عموماً. والثاني هو وجود تفاهم مع الرئيس أبو مازن بحيث تعرف الإدارة الأميركية مسبقاً ماذا سيقول، بمعنى عدم وجود قنابل أو خطوات أو قرارات دراماتيكية جادة أو غير متوقعة يمكنها تغيير قواعد اللعبة السياسية فيما يخص إدارة الصراع، وربما مهلة إضافية عل العملية السياسية تستأنف من جديد.
في كل الأحوال عنوان اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هو غياب الاهتمام بملف الصراع والقضية الفلسطينية، وذلك برغم الخطوة الرمزية التي في إطارها يرفع العلم الفلسطيني في الأمم المتحدة. وهذا الواقع المرير والكارثي يتطلب إعادة النظر في آليات العمل الفلسطينية بكل أشكالها بما في ذلك الخطاب السياسي والإعلامي المتكرر والتهديدات والتصريحات عن النوايا والتي لا طائل منها ولا ينظر لها بجدية. على العالم أن يرى الفلسطينيين بعين أُخرى وهذا يعتمد علينا وليس على أي طرف آخر.