انتهى الخطاب، وأعطت الهتافات صداها كما ينبغي في تلة الكابيتول. والمفاوضات مع إيران تمهيدا للتوقيع على اتفاق الاطار مستمرة كعادتها. والانتقاد على العرض الاسرائيلي في العاصمة الأميركية استنفد ذاته، والآن سيبدأ المراقبون بقياس درجة حرارة الكتف الباردة التي ستديرها الادارة لاسرائيل.
في كل هذا الخطاب الصاخب لم تطرح تقريبا على البحث مسؤولية رجل واحد، رئيس مجلس النواب، جون باينر، الذي دعا نتنياهو للخطاب امام منتخبي الشعب الأميركي. وليس الخلاف حول حق باينر في أن يدعو كل من يريد الى الكونغرس، مثلما هو نتنياهو بعيد عن أن يكون الطفل المخطوف. فقد كان هو الذي بادر الى الدعوة، هو الذي نسق الموعد، وأهدافه السياسية ليست خفية، ولكن بالذات من الكونغرس الأميركي، الودي جداً لإسرائيل، القلق على أمنها وسلامتها، كان يمكن أن نتوقع أن تزيل العقبة من أمام الأعمى، ولا سيما حين يتصرف بتهور.
مظاهرة ادعاء الإهانة لبضع عشرات من المنتخبين الديمقراطيين ممن صوتوا باقدامهم ضد الخطاب، ليست بديلا عن المشورة الطيبة، ولا سيما لأنها جزء من المناكفة السياسية الأميركية. فصوت الاصدقاء المقربين، اولئك الذين يقرون بلا تحفظ المساعدة السنوية لاسرائيل، الاعلى من تلك التي تتلقاها باقي الدول التي تحصل على المعونة الأميركية، كان ينبغي أن ينطلق عاليا ليقول: «عرض نتنياهو خطير على دولة اسرائيل. فهو سيمس بالعلاقات الاستراتيجية مع الادارة، ومن شأنه أن يهين قسما كبيرا من الجمهور الأميركي الذي يدفع أموال المساعدات، واذا لم يكن نتنياهو يفهم ذلك، فيتعين علينا نحن أن نساعده على أن يفهم».
لا يحتاج الكونغرس الى شروحات نتنياهو عن جوهر الاتفاق مع ايران. فلديه الصلاحيات لتشريع القوانين التي تحبط التوقيع عليه. وهو يمكنه أن يفرض عقوبات جديدة على ايران، ويمكنه أن يمنع علاوة الميزانية لجهاز الرقابة اللازمة على منشآت النووي الايرانية، فيفرغ الاتفاق من محتواه. ولكنه عندما يدعو نتنياهو الى الخطابة، فإنه يجعل اسرائيل شريكا في عملية اتخاذ القرارات في مستقبل البرنامج النووي الايراني، والولايات المتحدة كمفاوض عن إسرائيل.
ان النواب الأميركيين الذين صفقوا لنتنياهو جعلوه «مخولا بالتوقيع» ويمكنه أن يقرر اذا كان الاتفاق - وان لم يتم بعد التوصل الى تفاصيله - هو اتفاق «سيئ». واكثر من ذلك، فإن اولئك النواب في الكونغرس، وعلى رأسهم باينر، سيستخدمون نتنياهو كي يثبتوا بأن الاتفاق، حين يوقع، يعرض للخطر اسرائيل والعالم. وهكذا فإنهم يجعلون نتنياهو صاحب حق فيتو على السياسة الأميركية.
لا يحتمل أن يكون هناك نصر سياسي أكبر وأهم من هذه المكانة التي حققها نتنياهو. ولكن هذا نصر محمل بالمصيبة، لأن اعضاء الكونغرس لم يسألوه وهو ايضا لم يعرض جوابا على سؤال ماذا سيكون اذا ما وقع الاتفاق. وهم يعرفون منذ الآن الجواب، وذلك لأنهم منحوه، أول من أمس، الإذن لاستخدام «الخيار الاسرائيلي» إذا ما نجح في إحباط الاتفاق.
اسرائيل نتنياهو لن تنتظر لترى اذا كانت اسرائيل ستحقق سلاحا نوويا، فمجرد تطوير برنامج نووي هو في نظرها التهديد الحقيقي. ولكن لنفترض أن نتنياهو سينجح في احباط تحقيق الاتفاق وايران ستواصل تطوير برنامجها النووي وتخصب اليورانيوم. ولنفترض ان اسرائيل ستقرر مهاجمة المنشآت النووية – فمن سيكون مسؤولا عن النتائج الهدامة لهذه المواجهة المسلحة؟ جون باينر، الذي لم يفعل سوى ان اعطى منصة لخطابية نتنياهو؟ اعضاء الكونغرس الذين نهضوا احتراما له ولم يحذروه أو يحذروا دولة اسرائيل من المصيبة التي من شأن النجاح الجارف في الكونغرس ان توقعها على اسرائيل؟ فهم «اجمالا» كانوا مؤدبين. فهل يمكن لاحد ما أن ينزل باللائمة على الادارة في أنها لا تتعاون مع اسرائيل في حربها ضد ايران، بعد أن نجح نتنياهو في استخدام الفيتو ضد الاتفاق؟
عن «هآرتس»
قراءة أولية في خطاب نصر الله
21 سبتمبر 2024