إحراق مبكر

حجم الخط

يديعوت – بقلم اليكس فيشمان

في الاسبوع القادم سيبدأ هذا. فحسب  الفهم  السائد في  جهاز الامن، سيحاول ابو مازن ان  يخرج الجماهير الى الشوارع منذ الان.  وهو لن ينتظر الاول من تموز أو الاعلان  الاسرائيلي الرسمي عن الضم. والى جانب المعركة الدبلوماسية سيخرج الى حرب على الوعي  ووجه تعليماته منذ الان لرجاله بان يخرجوا الى الشارع مظاهرات “مهندسة”. بمعنى، مظاهرات يقرر فيها الحكم في رام الله مستوى لهيبها. في قلب كل مظاهرة كهذه سيتواجد رجال فتح المنظمون في أطر مثل  التنظيم أو لجان مثل “الدفاع عن القرى” على أمل ان تنضم  اليهم جموع أوسع.  

​في اسرائيل يتابعون منذ زمن ما الاستعدادات التي تقوم  بها السلطة للضم. وعين أبو مازن مسؤولين لادارة اعمال الاخلال بالنظام ووجههم لبناء خطة لاشعال احتجاج شعبي تحت السيطرة. وتقوم الخطة على  اساس قوات موالية  توجد في  كل واحدة من  محافظات السلطة الـ 12.  والفكرة هي اخراج الجماهير الى نقاط الاحتكاك الدائمة مع الجيش الاسرائيلي، اغلاق الطرق وخلق صور من الغضب الشعبي تبث على كل الشاشات – من السعودية وحتى واشنطن. وكل ذلك منسق مع عبدالله ملك الاردن، إذ ان  الاشتعال في الضفة من شأنه ان يؤدي الى اضطرابات في أوساط الاخوان المسلمين وفي  الشارع الفلسطيني في الاردن.

​أما الجيش الاسرائيلي، فلا يعتزم حاليا ان يلعب في خدمة السلطة. والتعليمات هي عدم تغيير مشهد القوات في الميدان مما يعني انه لا توجد تعزيزات للقوات. وعلى أي حال يوجد في الضفة اكثر من عشر كتائب مهمتها حماية المحاور والمستوطنات. صورة طفل فلسطيني يتسلق على مركبة ستكون هدية للفلسطينيين. وهي ستصبح ايقونة، صورة انتصار في الرأي العام. لقد سبق أن كنا في مثل هذا الفيلم في كل واحدة من الانتفاضات السابقة.

​يبدو أن الجيش لن يدخل تعزيزات مكثفة للقوات حتى اللحظة الاخيرة، إذ ان قدرته على تحريك القوات لمواجهة الاضطرابات التي ليست ارهابا هي موضوع ساعات قليلة. وكل تحريك زائد للقوات سيشوش خطة تدريبات الجيش النظامي وتغير انتشار القوات في الساحات الاخرى. وحتى لو تطلب الامر تجنيد مكثف، بما في ذلك الاحتياط، لقطع المحافظات الفلسطينية الواحدة عن الاخرى وفرض الاغلاق وحظر التجول، فالجدول الزمني ليس اكثر من بضعة ايام.

​في اسرائيل يقدرون بانه حتى لو لم يعلن عن الضم، فان لابو مازن مصلحة واضحة في أن تستمر الاضطرابات حتى الانتخابات في الولايات المتحدة كي يبث لاسرائيل بانه ليس مجديا لها تنفيذ الضم. واذا ما انتخب جو بايدن، فكل شيء سيتغير على اي حال.

​ابو مازن ليس عرفات. وهو لا يقترب من قدرة وصورة أبو الأمة الفلسطينية. فقيادة احتجاج الشارع ضد الضم هو تحدٍ هائل من ناحيته. وقد وجد صعوبة في تحقيق اجماع للخطوة حتى في قيادة السلطة. فمسؤولون مثل حسين الشيخ، وزير الشؤون المدنية، وبقدر ما ماجد فرج، رئيس المخابرات العامة والشخصية  الامنية  المركزية  الى جانب رئيس  السلطة، لا يريدون المواجهة مع اسرائيل ويفضلون استئناف التنسيق  الامني.  كما  أنه لم ينجح في تجنيد حماس والجهاد الاسلامي الى جانبه.

​الاكثر اقلاقا من ناحية ابو مازن – هو أن الشارع ليس معه. فمن استطلاعات داخلية واحاديث مع محافل امنية اسرائيلية تفحص الامزجة في المناطق تظهر صورة واضحة: الجمهور الفلسطيني لا يثق بابو مازن ولا يعول عليه في ان يواظب في هذا الكفاح، وبالتالي بانه لن يسارع للمخاطرة بحياته. والخطاب في الشبكات الاجتماعية في الضفة عني هذا الاسبوع اساسا بعدم دفع السلطة الرواتب لـ 200 الف من موظفيها عن شهر ايار. ولكن في نفس الوقت اشترت لموظفيها الكبار 200 سيارة فاخرة من انتاج لاند روفر.

​وحتى خطابات ابو مازن الملتهبة عن موت فكرة الدولتين للشعبين لا توقظ الشارع الفلسطيني للانتفاض.  نسبة معينة من الجمهور الفلسطيني يئس منذ الان من خيار الدولة المستقلة ويؤيد صيغة الدولة الواحدة للشعبين. ما يمكنه مع ذلك أن يخرجهم الى الشارع هو إما العنصر الديني – مثل الاستفزاز في الحرم، أو الازمة الاقتصادية الحادة. وبالفعل، خلق ابو مازن منذ الان، عند عمد، أزمة اقتصادية عسيرة ستشجع الناس على الخروج الى الشوارع. فتخليه عن استردادات الضرائب من اسرائيل وعن القرض الذي عرضته عليه إسرائيل تركه مع صندوق تبلغ مداخيله 250 مليون شيكل في الشهر. من اجل أن يدفع الرواتب يحتاج الى ثلاثة اضعافه.

​وليس اقل أهمية: من أجل تحريك الجماهير، هناك حاجة الى شعار قوي. ولهذا فان السلطة تسير هذه المرة نحو عنوان عاطفي، جارف: “سلب الاراضي”. فليس فقط لن تكون دولة فلسطينية، بل ان اسرائيل تواصل سلب اراضينا من خلال خطة الضم. وليس زحفا، وليس خطوة إثر اخرى بل بشكل استعراضي وجارف. نُزع القناع عن وجه اسرائيل. يريدون كل اراضينا.

​بخلاف حكومة اسرائيل، فان السلطة الفلسطينية بحثت بالفعل في معاني الضم. ففي السبت الماضي مثلا، جرى بحث بين وزراء الزراعة، العدل والعمل عن آثار ضم  الغور. والمعطيات التي عرضت هناك قضت بان الخطوة ستتسبب  بفقدان 7 في المئة من الناتج القومي الخام الفلسطيني، ولا سيما في فروع الزراعة والسياحة. هذا ايضا هو جزء من رواية ضم يساوي  السلب.

​من ناحية ابو مازن كل ضم لارض ما، ولا يهم حجمها، معناه فشل شخصي له وانهيار لمشروع حياته. لقد فهم منذ زمن  ما ان الدولة الفلسطينية لن تقوم في ورديته، ولكن كان وضع راهن، كان أمل في أن تحل المواضيع الاساسية للمفاوضات، كان عقد غير مكتوب بان تغض اسرائيل النظر عن مظاهر سيادة السلطة في الضفة والسلطة من جانبها توفر الامن لاسرائيل، وأن في موعد ما في المستقبل سيجري الحديث عن دولة فلسطينية ايضا.

​ولكن نتنياهو خرق العقد. الضم هو خطوة احادية الجانب تشطب خيار المفاوضات. ابو مازن بقي بلا ذخيرة كافية ولم يتبقَ له غير الكفاح في سبيل مكانته وإرثه. يدير رئيس السلطة الفلسطينية الان معركة صد كي  يتمكن من  القول: فعلت كل شيء كي أمنع الضم.