النقد في صنعاء غيره في القدس!

حجم الخط

بقلم د بكر أبو بكر

 

 فكرة النقد تفترض التمييز بين ما يجب أن يُقال وما لا يجوز أن يُقال (الموضوع)، وأمام مَن يمكن النقد، أو لا يجوز؟ ويفترض النقد حُسن اختيار الظرف (الزمان) والمكان المناسبين، وحُسن استخدام الألفاظ والأسلوب، وتخير العلانية أم السرية أوالمحدودية في النقد.

فليس من المناسب أن يقوم شخص بانتقاد شركته أمام شركة منافسة، كما لا يليق أن ينتقد أحدهم والده أمام خِصم له، فهذه وشاية، أو أن يقوم شخص بفضح صديقه أمام أسرته في سياق أنه ينتقده فهذا مما لا يليق، وكان الأجدر النصح.

النقد لمضمون الكلام في فترة التوتر ونقله كانتقاد يعدّ مساهمة في التوتير، وفضح شخص أمام مسؤوله وهو يتجهّز للاعتذار سوء نية من الناقد، وليس كل موضوع يجوز نقله، فالستر في كثير من الأحيان قد يكون الحل المناسب لاسيما والخطأ للمرة الأولي، أو غير مقصود وبدا من صاحبه عدم التكرار.

المكان والزمان عوامل هامة وأساسية كما العلانية والسرية، فما يجوز قوله داخل المؤسسة هو انتقاد سياساتها أوأسلوب إدارتها أو انتقاد مواقف البعض فيها في مكانه أي داخل الأطر المخصصة للحوار والنقد وليس غيرها يُعدّ شيئا محترمًا، فكيف الحال والنقد يصبح علنًا في المقاهي وعلى الشابكة (انترنت) ضمن القول أنه نقد؟ وبألفاظ خادشة أو بصيغ اتهامية وتشهيرية؟

للنقد زمن مناسب أو غير مناسب، ففي ظل معركة وطنية تُخاض ضد عدو مشترك يصبح النقد للخصم الوطني -وفي عقر دار العدو- تشهير وتلاقي مع أهداف العدو، فما بالك أن ارتبط بالعلنية المقيتة؟

سرّني خطاب ممثل الجهاد الاسلامي في إيران في ٢٠/٦/٢٠٢٠ في فعالية في طهران، عندما تعرض لفلسطين مشيرًا أن كل الشعب الفلسطيني يريد تحرير فلسطين، حتى الذين اعتمدوا سياسة الواقعية اعتمدوها ليس ايمانًا بالتنازل عن فلسطين وإنما لأنهم اعتقدوا أن هذا ما يمكن أن يحصلون عليه في هذه المرحلة. لقد مثّل بقوله هذا حُسن تخير اللفظ في المكان والزمان المناسبين فالنقد في صنعاء أوطهران أو القاهرة يختلف عنه في اجتماع الأسرة الوطنية شكلًا ومضمونًا.

يلطمنا الكثير من الساسة الفلسطينيين من هذا الفصيل أو ذاك بتخيّر أردأ الألفاظ وأشنعها، وفي أسوأ الأوقات، وكأنهم يتخيرون ذلك بمنطق الوقيعة والمناكدة ولا يهمهم أن يفرقوا بين ما يمكن أن يُقال في مجالسهم الخاصة، وبين ما يجب قوله أمام الجماهير وفي العلن؟

الكثير من الساسة الردّاحين يفترضون أن منطق الردح أو الشتم أو الاتهام هو نقد؟! وما هو الا كما سميناه ردحا وشتمًا واتهاما، والى ذلك يمارسونه سِرّا وعلانية بل ويجهدون النفس في إسماعه للقاصي والداني! فهل يعتقد مثل هؤلاء أنهم بذلك يكسبون؟

لا يمكن للمؤسسة أو الجماعة أو المنظمة أن تربح من تسويد وجه الشريك الوطني، ولربما يقول قائل أن البعض لا يعترف بالشراكة أصلا ؟ وحتى إن صح ذلك، فلنا نحن أن نكرس المسير بهم على درب الشراكة.